لا يذكر الفنان الشاب نادر خوري متى بدأت علاقته مع النغم والأغنية والتمثيل. فمنذ طفولته كان الأهل والأقارب والمدرِّسون يردّدون على مسامعه أنّه سيكبر ليكون فناناً ناجحاً، لذا وجد نفسه يغنّي ويمثّل تلقائياً، كأن الفن رسالة ولد من أجلها. بالرّغم من أنّ نادر خوري لعب أدواراً تمثيلية عدّة في المسرح والتلفزيون، إذ بدأ في مسرح الأطفال مع ميمي فرح وانتشرت أغنيته "لا تخافوا يا زغار" على شفاه الصغار والكبار، إلا أنّه يعتبر نفسه مغنياً أكثر منه ممثلاً، ويرى أن "التمثيل يساعده في ايصال مشاعره الى الناس بسهولة تنبثق من التفاعل الحركي مع الصوت والمشاعر"، لذا يطمح يوماً الى العمل في المسرح الغنائي. يتابع نادر خوري الى اليوم دراسته الموسيقية على آلة العود في جامعة الروح القدس - الكسليك. وهو متأثر بعزف فريد الأطرش، ومارسيل خليفة وشربل روحانا. لم يدرس خوري التمثيل في معهد أو جامعة، لكنه مثّل في مسرحيات غنائية لعمالقة لبنانيين أمثال الرّحابنة، ويحلو له وصف نفسه بأنّه "حرامي" إذ اكتسب خبرة، في الأداء المسرحي عبر تدرّبه على يد مخرجين كبار منهم: ميشال جبر، جلال خوري، روميو لحود، نقولا دانيال، منير معاصري، جورج البستاني، مروان الرّحباني، وسواهم... يحاول خوري دوماً التفاعل مع دوره الى أقصى الحدود، وبرأيه أن القاعدة الأولى في التمثيل هي "الأداء العفوي المجسّد للواقع المعيوش"، كما يولي أهميّة للتمرّس والتدرّب الدائم "الذي يصقل الموهبة ويغني عن الدراسة". قام خوري بنقلةٍ نوعية من مسرح الأطفال الى مسرح الرحابنة فلعب في "الوصيّة" لمنصور الرحباني، و"ليالي زمان" لروميو لحود، وآخر أدواره كان في مسرحية "آخر أيام سقراط" لمنصور الرحباني حيث لعب دور أفلاطون. تميَّز أداء خوري في هذه المسرحية بالمتانة ونمّ عن قدرة أدائية وصوتية جميلة مدعّمة بالدراسة والتدريب الدائم، وفي موازاة ذلك أظهر موهبة تمثيلية تجلّت في صوته وملامحه وانفعالاته، فقد شعر خوري بجديّة هذا الدور وعمق الشخصية وأبعادها، فعمد الى دراستها وعاد الى مراجع وكتب لأفلاطون لكي يكوّن صورة متكاملة عنه فيؤدي الدور بعمق ولا يبدو سطحياً يصطنع الشخصية دون أن يعلم عنها شيئاً. ولا شك أن العمل مع عائلة الرحباني أكسب خوري "الثقة بالنفس وعلّمه كيفيه التعاطي مع جمهور مختلف، والتجدّد في أداء الدور دائماً" حسبما يقول. وهو لاحظ بعد عرض المسرحية أخيراً في القاهرة، أن "تفاعل الجمهور المصري معها جاء مختلطاً بالإعجاب بضخامة العمل، والسعادة في التعرّف الى نوع مسرحي مضمّخ بالثورة والعنفوان والدعوة الى العدل، وهي "مصطلحات" مسرحية جديدة لدى المصريين الذين يبدعون في المسرح الكوميدي، وقد عبّر الجمهور المصري عن اعجابه بالعمل بعبارة وحيدة هي عظَمَة على عظَمَة"!". لعب خوري أدواراً تلفزيونية مختلفة لعل أهمها دور "الإبن الشاطر" في تيليفيلم "ولادكن مش إلكن" للمخرج يوسف الخوري، وكتابة الشاعر موريس عواد، وهو اليوم في صدد تصوير برنامج منوّعات لمنصور الرحباني بعنوان "محطّات" ليعرض قريباً على احدى المحطات التلفزيونية العربيّة. يرى خوري أن الأداء المسرحي يتفوّق بأهميته وصعوبته على الأداء التلفزيوني "لأن الأوّل يتطلّب انفعالاً أكبر بغية الوصول الى الناس نظراً الى المسافة التي تفصل الفنّان عن جمهوره. وليس الأمر مشابهاً في التلفزيون حيث الكاميرا مستعدّة لالتقاط أدق تفاصيل الانفعالات"، وهو يحرص على التعامل مع أشخاص لهم رصيدهم وتاريخهم العريق في الغناء والمسرح ويردّد "الذي يريد أن يكبر عليه أن يعمل مع الكبار". مثاله الأعلى في الغناء هو المطرب اللبناني وديع الصافي، وفي المسرح يعجب برفيق علي أحمد وانطوان كرباج. نادر خوري الذي يعمل جاهداً اليوم لتوسيع ثقافته الموسيقية، بعيد من الأضواء الإعلاميّة، وإنتاجه ليس كثيفاً، ولا يعود السبب الى الكسل والإهمال، بل الى طريقة توزيع الأغنيات على الإذاعات، والتي تتطلّب اليوم دعماً ماديّاً لا يتوفّر لديه حالياً. كما يقول. ثم يضيف بأسى: "هذا الواقع يوجعني، ويجعلني أتأخّر في الإنتاج آملاً في أن أجد يوماً شركة انتاج تتبنّى أعمالي"، ويعتبر أن "أهم مشاكل الإنتاج اليوم هو اعتماده التصوير السّطحي والمبتذل والاتكال على الإثارة الرخيصة وإنتاج هرطقات غنائية ونشازاً بغية البيع والرّبح، ويدعو "نقابة الفنانين الى مراقبة الأعمال الغنائية قبل أن تنزل الى الأسواق، على غرار الإذاعة اللبنانية في الماضي التي كانت تراقب الأغاني والأداء قبل السماح بالبث. والإذاعات مسؤولة عن تثقيف الأذن الموسيقية لدى الناس". وعلى الرغم من الأبواب الموصدة اليوم في وجهه، يحمل نادر خوري أملاً كبيراً بالمستقبل، لأنه يؤمن بأن الموهبة الحقيقية لا تموت، بينما "النجم" الذي يلمع بسبب دعم وسائل الإعلام من دون أن يكون راسخاً في الجذور الموسيقية يهوي لا محالة.