لا يزال ملف انضمام المملكة العربية السعودية إلى منظمة التجارة الدولية قيد النظر. وتسعى المملكة جاهدة للانضمام إلى هذه المنظمة استناداً إلى مكانتها الاقتصادية وسعياً إلى تفعيل دورها في حقبة العولمة التي يتجه العالم نحوها. وتحظى مسألة انضمام السعودية إلى المنظمة الدولية باهتمام الأوساط الرسمية والعملية فيها، وتمثل مادة خصبة للكتابات والتحليلات الاقتصادية في المجلات والدوريات والندوات المتخصصة. وتتولى وزارة التجارة هذا الملف، ويشرف الوزير على فريق العمل السعودي المؤلف من أجهزة حكومية مختصة، إضافة إلى الفريق الاستشاري للقطاع الخاص. وفي أيار مايو 1998 رعت الغرفة التجارية الصناعية في الرياض محاضرة للدكتور فواز عبدالستار العلمي، وكيل وزارة التجارة للشؤون الفنية، استعرض خلالها مراحل تأسيس منظمة التجارة الدولية، وقدم نبذة تاريخية مفصلة لمسيرتها منذ ولادة اتفاقية الغات التي احتفل العالم بمرور خمسين عاماً عليها في نيسان ابريل الماضي. وأشار الدكتور العلمي إلى أهمية انضمام المملكة العربية السعودية إلى المنظمة، مؤكداً حرصها على ذلك لتفعيل دور الاقتصاد السعودي على الساحة الدولية، ومشيراً إلى أهم مرتكزات القوة في الاقتصاد السعودي وفق بيانات عام 1997، وهي احتلالها المركز الأول في الاحتياط العالمي المؤكد من النفط بحجم يبلغ نحو 300 بليون برميل والمرتبة ال 16 بين دول العالم لجهة صادرات السلع بحجم بلغت قيمته نحو 55 بليون دولار، والمرتبة ال 27 لجهة واردات السلع التي بلغت نحو 27 بليون دولار. وفصّل الدكتور العلمي الأهمية الاقتصادية للسعودية في محاور عدة رئيسية منها، كون سوقها التجاري أكثر نفاذاً من غيرها من الدول الأعضاء في المنظمة، لاحتوائها على الميزات النسبية المحققة لرغبات الاستثمار والمستثمرين، وثقل وزنها النسبي في المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للانشاء والتعمير، ولمساهمتها الكبيرة والمستمرة في دعم اقتصادات الدول النامية والدول الأقل نمواً. وأكد العلمي، في محاضرته التي يرتكز ويعتمد عليها هذا المقال، ان سوق السلع والخدمات في السعودية تتميز بمواصفات من أهمها: - ثبات الرسوم الجمركية على واردات المملكة من السلع عند مستوى 12 في المئة في المتوسط وعلى مدى أكثر من 20 عاماً، وهي نسبة أقل بكثير من المستويات المطبقة في الدول الأخرى. - خلو السوق التجارية في المملكة من الضرائب المختلفة والتي وصلت إلى 23 نوعاً ضريبياً في الدول الأخرى مثل ضريبة الدخل والقيمة المضافة والطابع والطرق والنقل والسفر والعقار والصحة وغيرها. - النمو السكاني السريع والذي ارتفعت نسبته إلى 4،3 في المئة، ما سيؤدي إلى زيادة السعة الاستيعابية للسوق التجارية مستقبلاً. - توافر العمالة الوافدة بنسبة 30 في المئة من عدد السكان في المملكة العربية السعودية وتمتعها بحرية تحويل مكاسبها التي تبلغ 20 بليون دولار سنوياً من دون عوائق. - ابتعاد السوق السعودية عن سبل الاحتكار في استيراد السلع الأساسية والضرورية من دون وجود عوائق فنية غير جمركية مثل تحديد الحصص وموانئ النفاذ إلى الأسواق أو تعقيد سير مستندات الواردات. واهتمت المملكة العربية السعودية بملف انضمامها إلى منظمة التجارة الدولية، وحضرت خمسة لقاءات عمل تفاوضية متعددة الأطراف وجولات تفاوضية عدة ثنائية الأطراف، وأجابت على أكثر من 1500 سؤال حول نظامها الاقتصادي والمبادئ الأساسية المهمة الخاصة بالنفاذ إلى الأسواق، وسخرت جميع أجهزتها الحكومية في تجميع كافة الأنظمة والتصاميم الصادرة وترجمتها وايداعها لدى إدارة المنظمة في جنيف. وذكر العلمي أن الاهتمام السعودي لم يقتصر على تلك الجهود، بل أن اللجنة الوزارية المكلفة الملف اجتمعت عشر مرات، وعقد فريق العمل السعودي اجتماعات مكثفة وصدرت عن اللجنة الوزارية قرارات عدة بناء على توصيات فريق العمل، ومنها انشاء الفرق الفنية المتخصصة من جميع الجهات الحكومية والأخرى ذات العلاقة لدرس وإعداد الكم الكبير من المعلومات والأوراق والإجابة عن جميع الأسئلة المقدمة حول الموضوع. كما أعدت المملكة العربية السعودية الجداول الأولية لعرض السلع والخدمات وورقة المرونات المطلوبة وقدمتها إلى إدارة المنظمة في مجلدات يزيد عدد صفحاتها على 1000. وانشأت وزارة التجارة إدارة عامة تعتني بشؤون المنظمات الدولية وتقوم بمتابعة الأعمال التنفيذية للانضمام إلى المنظمة الدولية، وأنشأت الوزارة بالتنسيق مع مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية فريقاً استشارياً من القطاع الخاص مكوناً من 19 رجل أعمال للتنسيق في أمور انضمام المملكة إلى المنظمة. ونتج عن هذا الفريق تكوين ثلاث لجان فرعية متخصصة وهي: لجنة الصناعة ولجنة الزراعة، ولجنة الخدمات. وفي كانون الأول ديسمبر 1998 رأس وزير التجارة أسامة جعفر فقيه وفداً سعودياً متخصصاً وأجرى محادثات مستفيضة مع الجهة المعنية بملف انضمام المملكة إلى المنظمة الدولية في جنيف. وأكد الوزير حرص المملكة على الانضمام، وأشار إلى مساندة الكثير من الدول الأعضاء في المنظمة إلى انضمام السعودية. وتوقعت مصادر ذات علاقة أن لا يستغرق الاعلان عن انضمام المملكة العربية السعودية إلى منظمة التجارة الدولية وقتاً طويلاً. * عضو مجلس الشورى السعودي، نائب رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية.