اتفق مع البروفسور وليد الخالدي ان كتابه الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية وغيره من الاعمال المجيدة المماثلة انما هو اعتبار لمعاناة مئات الألوف من الرجال والنساء والاطفال، وهو لفتة اجلال لذاكرتهم الجماعية ولشعورهم بالانتماء العريق. وانه تقدير لكرامتهم ككائنات بشرية من لحم ودم، ولحقهم في الاعتزاز بالنفس اعتزازاً راسخ الجذور في هويتهم وتراثهم التليد. والملفت للنظر من خلال استعراض تاريخ هذه القوى جذورها العربية الاصيلة، وتشابهها من حيث الاسماء والتركيبة السكانية مع مئات القرى والمدن العربية في سورية ولبنان ومصر. كما ان اكثرها تعرض لمذابح شنيعة لم تصل الى اسماع الرأي العام مثل مذبحة بلد الشيخ في قضاء ضيعا التي ارتكبتها عصابات "الارغون" وأكملتها "الهاغاناه" اكثر من 60 شهيداً جلهم من النساء والاطفال وتدمير المنازل. وفي هذه البلدة ضريح الشيخ عزالدين القسام شيخ الشهداء. وفي الطيرة التي اغار عليها وحوش الهاغاناه وقتلوا 13 عربياً دفعة واحدة قبل احتلالها بالكامل وطرد سكانها. وقرية عين غزال التي اقدم الصهاينة على حرق جثث 30 شهيداً بعد احتلالها فيما قدرت الاممالمتحدة عدد المفقودين والشهداء بمئة وثلاثين. اما في صرفند العمار الرملة فقد ارتكب الصهاينة مجزرة مماثلة عندما نسفوا منزلاً ودفنوا 16 عربياً تحت الانقاض فيما بلغ مجموع الشهداء في القارة 39 شهيداً. وانشأ الصهاينة مستعمرة تسريفين على انقاضها. اما في سعسع صفد فقد ارتكبت قوات الهاغاناه مجزرتين العام 1948 الاولى اسفرت عن استشهاد العشرات نتيجة لتدمير عشرة منازل تدميراً كلياً أو جزئياً. اما الثانية فقد وقعت في وقت لاحق، يوم احتلال القرية اذ قتل فيها اطفال ونساء وهدمت منازل العرب لتقام مستعمرة كبيرة على انقاضها. اما المالكية فقد شهدت ملحمة كبرى بين القوات العربية، ولا سيما اللبنانية والسورية، وقوات الهاغاناه حيث روى الجنود اللبنانين تراب فلسطين بدمائهم في معركة مشرفة ذكر ان اكثر من 200 لبناني استشهدوا فيها. ونجح الجيش اللبناني بعد نحو اسبوعين في 7 حزيران يونيو 1948 في استرداد القرية والتمسك بها مدة الصيف كله حتى اخذت مباغتة. وهي اليوم منطقة عسكرية مسيجة يحظر دخولها. وفي الفالوجة غزة مثلها مثل سمخ طبرية شهدت مواجهات دامية بين القوات المصرية والسورية وعصابات القوات اليهودية. والفالوجة مشهورة بصمودها بعد معركة استشهد فيها 37 عربيا ومقتل 7 صهاينة واصيب العشرات بجروح. وقامت قوات الهاغاناه بنسف منازل البلدة وتمت محاصرة لواء مصري و3140 مدنياً في جيب الفالوجة عند نهاية الحرب، وقد تم تهجير سكانها واقيمت عليها مستعمرات كثيرة، على اراضيها والاراضي المجاورة لها. هذه الامثلة تحدثت عنها باختصار لأن من الافضل قراءة الكتاب من الغلاف الى الغلاف لمعرفة التفاصيل كافة، ولكنني اشرت اليها لشرح بعض جوانب الجرائم الاسرائيلية الوحشية التي تصنف بأنها جرائم حرب مرت بلا حساب ولا عقاب. ولا بد ان نشير الى ان الصهاينة كانوا يرتكبون مذابحهم لهدفين: أولهما اجبار السكان على الرحيل، وثانيهما ايصال الانباء الى المدن والقرى لاثارة الذعر والهلع في قلوب اهاليها حتى يتم تنفيذ المؤامرة الكبرى لاحتلال فلسطين وتهويدها. وبكل اسف فقد نجحت الخطة الجهنمية في معظم الاحيان، وبقي الذين صمدوا في اراضيهم وقراهم يناضلون على طريقتهم الخاصة ووفق مقتضيات الظروف المفروضة عليهم... وعلى رغم معاناتهم فإنهم يفخرون بأنهم دافعوا حتى الرمق الأخير عن هويتهم الوطنية... والى الغد كي لا ننسى!! لقطة من غاندي: الحق هو المحبة، والمحبة هي وحدها السلاح الذي لا يقوى عليه اي سلاح.