بحلول مطلع شهر آذار مارس من كل سنة، يصاب كبار طباخي فرنسا بحالة من التوتر والقلق. فالنصف الاول من آذار يشهد سنوياً صدور "دليل ميشلان" "Guide Michelin" الذي يحصي ويقيّم بضعة آلاف من المطاعم الفرنسية، ويوزع عليها رموزاً أرفعها "النجوم الثلاث" التي لا تعطى سوى للمطعم الذي يجمع بين الفخامة والأناقة وجودة الخدمة ورقي المأكولات التي يقدمها. والتوتر الذي يواكب اعتياديا موعد صدوره السنوي، مرده الى أن هذا الدليل ، يتمتع لدى الجمهور الفرنسي والأجنبي بسلطة تحيي أو تميت هذا المطعم أو ذاك وفقاً للمرتبة التي يصنّف بها. وفي طبعته للسنة الحالية توج ميشلان أربعة من كبار الطباخين وهم آلان دوكاس الذي يدير "لويس الخامس عشر Le Louis XV في موناكو والشقيقين التوأمين اللذين يملكان مطعم "حديقة الأحاسيس" Le Jardin des sens في مونبلييه، جاك ولوران بورسيل وبيار غانيير الذي يعمل في مطعم "لوبالزاك" Le Balzac في باريس. وتتفاوت اهمية حصول هؤلاء الطباخين على "النجوم الثلاث" وفقاً لسن وخبرة كل منهم، فتعد بالنسبة للتوأمين بورسيل 33 عاماً اللذين حصلا على نجمتهما الاولى في دليل ميشلان سنة 1990، بمثابة ترقية. اما دوكاس 41 عاماً الذي يوصف ب "الطباخ الطائر" الذي يعمل في مطعمين في آن معاً احدهما في موناكو والثاني في باريس كما يعمل مستشاراً لدى مطاعم كبرى في طوكيو ونيويورك مما يجعله يمضي جزءاً كبيراً من وقته في الطائرة ، فان "النجوم الثلاث" هي تكريس لمهارته وقدرته الابداعية في الطبخ. وبالنسبة لغانيير 48 عاماً فان "النجوم الثلاث" هي بمثابة رد اعتبار، بعد افلاس المطعم الذي كان يملكه في سانت اتيان وكان يحظى "بنجوم ثلاث" سنة 1996، وتأكيداً لارادته في اعادة اكتساب الموقع الذي فقده. وبمجرد صدور الطبعة الجديدة من الدليل، انتشرت صورة الطباخين الاربعة في الصحف الفرنسية وبدت علامات الارتياح واضحة على وجوههم. لكن هذا الارتياح لن يدوم طويلاً، اذ انه يتعين عليهم الآن الاحتفاظ بالنجوم التي فازوا بها. المطعم الذي يرد اسمه في "دليل ميشلان" في احدى السنوات، قد يشطب منه في السنة التالية اذا لم يتمكن من المحافظة على مستواه وكذلك المطعم الذي يحصل على نجمة او اثنتين وخصوصاً ثلاثة قد يفقدها في السنة التالية، اذا ما تبين انه غير جدير بها. فيحصي الدليل في طبعته للسنة الحالية 3885 مطعم من بينها 405 مطاعم تحظى بنجمة واحدة وحوالى سبعين مطعماً تحظى بنجمتين، مقابل 21 مطعماً فقط تحظى "بالنجوم الثلاث" الشهيرة. ويعتمد ميشلان مقاييس شديدة الصرامة في تقييمه لكل من المطاعم بواسطة مفتشين يترددون عليها دون الكشف عن هويتهم، وانما كزبائن عاديين ويصدرون بعدها احكامهم. وغالباً ما تؤدي هذه الاحكام الى انعاش وازدهار بعض المطاعم او الى زوالها، فانتزاع نجمة من "دليل ميشلان" تعني عملياً ارتفاع حجم اعمال المطعم الذي حاز عليها بنسبة 30 في المئة. ولكن في بعض الاحيان فان الحصول على نجمة او اثنتين قد يحمل صاحب المطعم على القيام باستثمارات جديدة تفوق طاقته املاً بانتزاع نجمة جديدة وتكون النتيجة افلاسه. أما الحصول على النجوم الثلاث فتعني مضاعفة المطعم لحجم اعماله اذ تضعه في مرتبة المعالم الفرنسية الراقبة ولكن الاحتفاظ بها غير ممكن في ظل أي إهمال أو تقصير. فليس هناك ما يمنع ميشلان من انتزاع نجمة أو أكثر التي كان منحها للمطاعم من دون اعطاء اي تفسير او تبرير، فالأمر متروك لرأي المفتشين ولمدى شعورهم بالراحة والرفاهية. وبإنتظار الطبعة المقبلة من الدليل الذي يحتفل هذه السنة بمئويته، لا بدّ من التوقف عن قصته، فقد بدأ يصدر سنة 1898 كمنشور دعائي عن شركة الدواليب المطاطية التي تحمل الاسم نفسه "ميشلان" ، يوزع مجاناً على محطات الوقود لإرشاد الجمهور الى المطاعم والفنادق الموجودة في هذه المنطقة الفرنسية أو تلك، ليتحول مع الوقت الى مؤسسة قائمة بحد ذاتها والى مرجع لا بدّ منه لمن يبحث عن مائدة جيدة.