القيادة تهنئ رئيس سنغافورة بذكرى اليوم الوطني    الداخلية : ضبط (22072) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    النفط يستقر ويسجّل أكبر خسائر أسبوعية    نجاح أولى عمليات "برنامج الاستمطار" شمال شرق الرياض    استشهاد 6 فلسطينيين بقصف إسرائيلي وسط غزة    أمير تبوك يدشّن ويضع حجر أساس (48) مشروعًا تنمويًا لمنظومة "البيئة" بالمنطقة بتكلفة إجمالية تتجاوز (4.4) مليارات ريال    كامكو إنفست تنقل مكاتبها في السعودية إلى مركز الملك عبدالله المالي "كافِد"    أمطار غزيرة وسيول متوقعة على عدة مناطق اليوم    طالبة من "تعليم الطائف" تحقق الميدالية الفضية عالمياً    محافظ خميس مشيط يتفقد مركز الرعايه الصحية بالصناعية القديمة    معجم الحيوان الأليف عند العامة    فريق النجوم التطوعي ينفذ مبادرة صناعة الصابون لنزيلات دار رعاية الفتيات بجازان    قطر والإمارات والكويت تدين قرار إسرائيل احتلال قطاع غزة    المملكة ترحب بإعلان التوصل إلى اتفاق سلام بين أرمينيا وأذربيجان    خطط أرامكو السعودية التوسعية في النفط والغاز والتكرير تعزز زيادة تدفقاتها النقدية    الفيحاء يتعاقد مع "الخيبري"لمدة 3 سنوات    وزير الخارجية يتحرك دبلوماسياً لوقف الانتهاكات في غزة    بيع صقرين ب 180 ألف ريال في الليلة الأولى لمنصة المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور    برشلونة يعيد شارة القيادة لتير شتيغن    جمعية فضاء العالية للتنمية الشبابية تختتم برنامج ماهرون الصيفي    ضبط 4 باكستانيين وهندي في الشرقية لترويجهم (32) كجم «لشبو»    صقارون دوليون يثمنون تسهيلات نادي الصقور في نقل واستضافة الصقور    كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025 .. ختام ربع نهائي بطولة Rainbow Six Siege X    مواهب الذكاء الصناعي تضع المملكة ضمن أفضل 20 دولة    النصر يتحرك لضم جناح منتخب فرنسا    أمير جازان يرعى ملتقى أبحاث السرطان 2025 بجامعة جازان    الشيخ أسامة خياط: يدعو لغرس قيم البر والتقوى في الأسرة والمجتمع    الشيخ عبدالباري الثبيتي: سورة قريش تُجسّد أعظم النعم .. الطعام والأمان    "القرني" يختتم دورة تدريب المدربين    الخلاف يزداد بين برشلونة وحارسه شتيغن    المصالح الوطنية السعودية    سفير جمهورية مالطا لدي المملكة يزور قرية جازان التراثية    الربيعة: تطبيق "نسك" متاح مجانًا دون استهلاك بيانات الإنترنت    أنواع فيتامين D وجرعاته الصحيحة    %83 من القراء هجروا المجلات    النصر يكسب ودية "رايو آفي" البرتغالي برباعية    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    (عشان نصور،،،،،،!)    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    سبعة آلاف خطوة تعزز الصحة    نائب وزير الحرس الوطني يطلع على برامج الإرشاد والتوجيه لتعزيز الوعي الديني والفكري    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدرب    رئيس وزراء موريتانيا يغادر المدينة المنورة    أمير جازان يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    العطش يلتحق بالجوع في غزة وتحذيرات من توسيع إسرائيل عملياتها    موسكو تدرس تقديم تنازلات لترمب بشأن أوكرانيا    ديوان المظالم يفتح باب التقديم على التدريب التعاوني لطلبة الجامعات والمعاهد السعودية    المجلس الاستشاري لمركز صحي المرابي يناقش احتياجات الأهالي مع تجمع جازان الصحي لتعزيز الخدمات الطبية    طهران تعدم متهماً بالتجسس لصالح إسرائيل    البدير في ماليزيا لتعزيز رسالة التسامح والاعتدال    احتفال الفرا وعمران    فتح باب التقديم لدعم المشاريع السينمائية    الأرصاد: أمطار متفرقة حتى منتصف أغسطس    استهداف (أبو سلة) بطائرات مسيّرة.. اشتباكات بين الجيش اللبناني ومطلوبين في بعلبك    إنجاز طبي في الأحساء.. زراعة منظم ضربات قلب لاسلكي لمريض    الأمير فهد بن سلطان يطلع على نتائج القبول بجامعة تبوك.    محافظ تيماء يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة تبوك    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة جواهر بنت مساعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتفاق يبدو بلا أفق ... وشتاء بارد في انتظار "واي بلانتيشن"
نشر في الحياة يوم 23 - 11 - 1998

على الرغم من الاختراق الظاهري الذي أحدثه اتفاق "واي بلانتيشن" على صعيد التسوية السياسية، إلا انه في حقيقة الامر كشف عن اجواء عدم الثقة التي تسود بين الاطراف المعنية بل حتى داخل كل طرف من هذه الاطراف على حدة، فهذا الاتفاق الذي جاء بعد توقف لعملية التسوية دام اكثر من عشرين شهراً، لم يكن له ان ينجز من دون ضغوط متواصلة من الادارة الاميركية التي كانت معنية بإنجاز اتفاق بغض النظر عن مضمونه او بالتعقيدات التي سوف تنشأ عنه لدى الطرفين الموقعين، او حتى بالمشاكل التي ستعترض تنفيذه بسبب الشروط الامنية الصارمة التي وضعها الطرف الاسرائيلي على الفلسطينيين. واذا كان اتفاق اوسلو الذي وقع بين حكومة العمل والقيادة الفلسطينية من دون وساطة او ضغوط من اي طرف قد عانى كثيراً من التأجيل والتعطيل من قبل الحكومة الاسرائيلية التي وقعته عن قناعة ورؤية واضحة لفوائده وثمراته السياسية والاقتصادية للدولة العبرية، فكيف ستكون الحال مع اتفاق انجز تحت الضغط!
أشاعت سياسة نتانياهو عبر السنتين الماضيتين اجواء عدم الثقة بين الاطراف العربية والحكومة الاسرائيلية التي سعت الى تغيير وتبديل اتفاق اوسلو بعد ان قبلت به الدول العربية على مضض وبتردد، بسبب التخوف من المحاولات الاسرائيلية للنفاذ من خلاله للسيطرة على العالم العربي عبر ما عرف بالمشروع الشرق اوسطي الجديد الذي طرحه بيريز وروج له، وجاء نتانياهو ليقول للعرب ان تنازلاتهم ومخاطرتهم لم تثمر الا عن مزيد من التشدد الذي ينذر باندلاع حرب جديدة في المنطقة ولا يؤدي الى حصولهم على انجاز ذي معنى بعد مرور خمس سنوات على مؤتمر مدريد.
ولهذا، فإن مجرد توقيع نتانياهو اتفاق "واي بلانتيشن" لا يمكن ان يكون كافيا لتغيير هذه الاجواء. فلدى الاطراف العربية، بل حتى لدى الاميركيين انفسهم من الشواهد ما يكفي للتخوف من ان تكون نية نتانياهو الحقيقية هي جعل الاتفاق مجرد خطوة اخرى نحو المزيد من المماطلة وكسب الوقت بعد الانحناء التكتيكي لعاصفة الرغبة الاميركية في انجاز اتفاق ما.
وهناك من المؤشرات ما يكفي للدلالة على ان مسيرة تطبيق الاتفاق ستكون مضنية وطويلة ومتعثرة، واهمها على الاطلاق الخطوات الامنية المطلوب من السلطة اتخاذها لضرب البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية بما يشمل كل مؤسساتها المدنية. وقد اثبتت معطيات السنين الماضية ان حركة "حماس" استطاعت تجاوز الحملات الامنية الصارمة التي تعرضت لها، واستمرت في عمليات المقاومة. ونتانياهو الذي يعرف جيداً هذه الحقيقة سيسعى الى استخدامها كذريعة لتعطيل تنفيذ مراحل اعادة الانتشار المقسطة على مدى اثني عشر اسبوعاً، بحجة عدم وفاء السلطة الفلسطينية بمتطلبات مكافحة الارهاب والتقاعس عن تنفيذ بنود الخطة الامنية التي نصت عليها الاتفاقية. وقد بدأ بعض الصحف العبرية في الحديث عن تبادل ادوار محتمل بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس يتم بموجبه وقف العمل المسلح خلال فترة تطبيق الاتفاق في مقابل تخفيف السلطة الفلسطينية حملتها الامنية على "حماس"، وان الدولة العبرية لن تقبل هذا الامر الذي يتيح لحركة "حماس" استئناف عملياتها بعد ان تكون الحكومة الاسرائيلية نفذت التزاماتها.
وحتى لو مضت السلطة الفلسطينية الى آخر المشوار في التصدي للمعارضة الفلسطينية من خلال المعالجة الامنية، بما ينطوي عليه ذلك من تعريض وحدة الشعب الفلسطيني للخطر، فإن ذلك لن يرضي نتانياهو الذي يسعى للحفاظ على مستقبله السياسي عبر النجاح في تقليل المخاطر الامنية المترتبة على توقيع الاتفاق، ليظهر بانه تفوق على سابقيه في هذا الجانب بعد ان وقع اتفاقا حاول تحاشيه لفترة من الزمن. ونورد هنا ما نقله الكاتب الاسرائيلي بن كسفيت من جريدة معاريف 6/11/1998 عن تخيل احد المقربين من نتانياهو حول تعامله مع اتفاق "واي بلانتيشن": "بنيامين نتانياهو استيقظ في فجر احد ايام هذا الاسبوع ونظر الى الاتفاق الذي وقع عليه في منتجع واي واصيب بالقشعريرة". ويردف قائلاً: "المناورات الحالية تتيح له نسف الاتفاق والتوجه الى الانتخابات وكأنه يحمل العصا من طرفيها: لقد جلبت السلام ونسفته في نفس الوقت. وحينها يستطيع ان يعود الى قوته الطبيعية في اليمين، وان يلجأ اليه من اجل الفوز في الانتخابات".
فنتانياهو لا يزال يعتبر الوضع الداخلي أولوية على الرغم من توقيعه للاتفاق، وهذا سيجعله باستمرار رهينة لابتزاز اليمين المتطرف المتحالف معه، خصوصاً، انه يستبعد حالياً تقديم موعد الانتخابات والدخول في تحالف مع حزب العمل لتشكيل حكومة ائتلافية، لأنه يرى ذلك اعترافاً بفشل حكومته وبرنامجها بما يعرز امكانية خسارته للانتخابات في حال اجرائها وفقاً لهذا السيناريو، ولذلك رضخ للشروط الجديدة التي وضعتها حكومته على الاتفاق، واهمها ضرورة موافقتها المسبقة على كل نبضة من نبضات اعادات الانتشار الثلاث، والسماح لأعضاء الحكومة بالاعتراض على خرائط اعادة الانتشار على الرغم من انها لم تكن مادة للمفاوضات اصلاً وجرى تحديدها من الطرف الاسرائيلي وحده!!
ان خوف نتانياهو على مستقبله السياسي من ان يتعرض لنفس المصير الذي تعرض له سلفه بيريز دفعه الى تأجيل عرض الاتفاق على حكومته عدة مرات تحت حجج امنية مختلفة، قبل ان يعرضه تحت ستار كثيف من قرارات الاستيطان واهمها على الاطلاق استئناف البناء في مستوطنة جبل ابو غنيم والذي كان في ما مضى سبباً في وقف المفاوضات. وهو الذي دفعه ايضاً الى اعلان تجميد تنفيذ الاتفاق بعد ان وافقت عليه الحكومة والكنيست بحجة تصريح للاستهلاك المحلي اطلقه عرفات خلال احتفالات الاستقلال الفلسطيني، ولوح به باستخدام خيار القوة في حال لم تطبق الحكومة الاسرائيلية الالتزامات التي نصت عليها الاتفاقية الاخيرة، مع ان شارون كان في الوقت نفسه يدعو المستوطنين الى نهب الارض الفلسطينية واستيطان كل ما تقع عليه ايديهم حتى لا يعاد الى الفلسطينيين في مفاوضات الحل النهائي المرتقبة!
وهناك مبررات اخرى وفرها الاتفاق لنتانياهو للاستمرار في سياسة تعطيل الاتفاقات، مثل قضية تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني، حيث طرحت اوساط قانونية في الحكومة الاسرائيلية ان الغاء الميثاق لا يتم الا من خلال تصويت ثلثي اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني عليه، الامر الذي عكسته الحكومة الاسرائيلية من خلال وضع شرط جديد يتمثل بتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني من خلال جلسة خاصة للمجلس الوطني الفلسطيني. وهناك ايضا قضايا الممر الآمن الشمالي والبناء والقضايا الاقتصادية والمدنية والقانونية، التي لم يتم الاتفاق عليها اصلا وجرى ترحيلها الى مفاوضات لاحقة.
لكل هذا، لم يكن مستغرباً التردد العربي في دعم الاتفاق على الرغم من الضغوط الاميركية المتواصلة المطالبة باستئناف عملية التطبيع، اذ ان المشكلة لا تتوقف عند رداءة الاتفاق فقط، بل تتجاوزه الى قناعة عربية ترسخت خلال الفترة الماضية مؤداها ان نتانياهو لا يرغب بالاستمرار في عملية التسوية، فبنوده ونصوصه والطريقة التي تعامل بها نتانياهو معه بعد توقيعه، تشير الى ان شتاء بارداً جداً ربما يصل الى حد التجمد ينتظر الاتفاق، ولذا فإن فترة ال 3 أشهر المحددة للانتهاء من تطبيقه قد تطول من دون سقف زمني محدد. لكن الثمن الذي دفع وسيدفع فلسطينياً وعربياً لقاء ذلك سيكون اكبر من اي ثمن دفع في السابق، عبر إجبار الفلسطينيين على محاولة هدم أهم عامل من عوامل قوتهم المقاومة، والعمل على عزلهم اكثر عن محيطهم العربي!
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.