صندوق الاستثمارات العامة يجمع أكثر من 1000 من أعضاء مجالس الإدارة وتنفيذيّ شركاته    الذهب يقفز بفعل تراجع الدولار وتهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية    وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من وزيرة خارجية النمسا    57٪ من أطفال السعودية يخفون نشاطهم الرقمي عن الأهل    كندا تعلق بعض الرسوم الجمركية المضادة على الولايات المتحدة    أمير الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء جمعية "نور"    انطلاق فعاليات المؤتمر العالمي الأول للميتاجينوم والميكروبيوم    مبادرة طريق مكة تحظى بشرف خدمة أكثر من مليون مستفيدٍ من ضيوف الرحمن منذ إطلاقها    مجموعة فقيه للرعاية الصحية تحصل على اعتماد JCI للمؤسسات كأول مجموعة صحية خاصة في المملكة    وزارة الداخلية تدعو للإبلاغ عن كل من يقوم أو يحاول القيام بنقل مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    أبناء علي بن محمد الجميعة يثمنون دور منتدى حائل للاستثمار 2025 م في الحراك التنموي    حرس الحدود بمنطقة مكة المكرمة ينقذ (10) مقيمين من الجنسية المصرية    حلول واقعية لمعالجة التحديات المعاصرة التربوية    تحالف استراتيجي بين "نايف الراجحي الاستثمارية" و"تي جي سي سي" لتنفيذ مشاريع رائدة في المملكة العربية السعودية    استشهاد 22 فلسطينيًا    1.89 مليون وفاة سنويًا بسبب الملح    لمسة وفاء.. الشيخ محمد بن عبدالله آل علي    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج الدفعة السادسة من برنامج القيادة والأركان والدفعة الأولى من برنامج الدراسات العسكرية المتقدمة ويدشّن برنامج الحرب    الشؤون الإسلامية تُكمل استعداداتها في منافذ الشرقية لاستقبال الحجاج    ترقية محافظ الفرشة إلى المرتبة الثانية عشر    المملكة 2050.. حين أصبح الحلم واقعاً    ترامب يقول إنه "حزين" إزاء الإعلان عن تشخيص إصابة بايدن بالسرطان    بالميراس يوضح حقيقة ضم رونالدو في كأس العالم للأندية    وجبة مجانية تنهي حياة عصابة بأكملها    الحرب على الفلورايد تحرز تقدما    آل بابكر وخضر يحتفلون بزواج علي    إعلاميون ومثقفون يعزون أسرة السباعي في فقيدهم أسامة    الهند.. رفض شراء السجائر لرجل غريب فقتله    تصعيد في قصف معسكرات النازحين.. الجيش السوداني يسيطر على منطقة «عطرون»    143 مليون متر لمشاريع الاستثمار في حائل    محمد.. هل أنت تنام ليلاً ؟    هيئة الموسيقى توثق الإبداعات السعودية    مبادرات "عام الحرف" ترسو في مشروع سولتير بالرياض    مجلس إدارة مؤسسة «البلاد» يقر الميزانية العمومية    الأمير سعود بن مشعل يستقبل مجلس إدارة ولاعبي الأهلي    الفيفا يحدد موعد المباراة الفاصلة بين لوس أنجلوس وأمريكا.. من يحجز المقعد الأخير لمونديال الأندية؟    بعد 19 عاماً من النطحة الشهيرة.. بوفون يعترف: أنا السبب في طرد زيدان    " الموارد": تجربة" أنورت" لتعزيز تجربة ضيوف الرحمن    افتتح منتدى إدارة المشاريع..الحقيل: 133 ألف منشأة و1.6 مليون فرد بقطاع التشييد    عبدالجواد يدشن كتابه "جودة الرعاية الصحية"    صيام الماء .. تجربة مذهلة ولكن ليست للجميع    أطباء يعيدون كتابة الحمض النووي لإنقاذ رضيع    6000 حاج يتلقون الرعاية الصحية بالجوف    حفل جائزة فهد بن سلطان للتفوق العلمي والتميز.. الأربعاء    نائب أمير عسير يستقبل القنصل الجزائري    اختتام بطولة غرب المملكة للملاكمة والركل بمشاركة 197 لاعباً ولاعبة وحضور آسيوي بارز    «البيضاء».. تنوّع بيولوجي يعزّز السياحة    الشؤون الإسلامية تختتم الدورة التأصيلية الأولى في سريلانكا    تتويج الأخدود ببطولة المملكة تحت 15 عاماً "الدرجة الأولى"    قصائد فيصل بن تركي المغناة تتصدر الأكثر مشاهدة    نجوم الرياض وهوكي جدة يتوجان في بطولتي الهوكي للنساء والرجال بالمنطقة الغربية    مراقبة التنوع الأحيائي بساحل البحر الأحمر    رئيس جمعية «مرفأ» الصفحي يهنئ أمير جازان ونائبه على الثقة الملكية    مشائخ وأعيان وأهالي «الجرابية الكنانية» يهنئون أمير جازان ونائبه بالثقة الملكية    تعليم الطائف يستعرض خطة التحول في منظومة إدارات التعليم مع أكثر من 1700 مدرسة    بوتين: هدفنا من حرب أوكرانيا هو السلام    اعتدال: أكثر من 1.2 مليون رابطٍ للتحايل على آليات رصد المحتوى المتطرّف    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رداً على صناع الكذاب : هل سيكون مصيري مصير اليابس ؟
نشر في الحياة يوم 09 - 01 - 1998


"ان تكلمت قتلوك وإن سكت قتلوك فقل كلمتك ومُت".
الشاعر والروائي الجزائري الطاهر جعوط قتيل الأصوليين في 1995.
المركزية الاثنية، أمتي خير الأمم، والمركزية الذاتية، انا مركز الكون، ملازمتان لجميع الادعاءات الشمولية لبّ المركزيتين هو العجز المزدوج عن بلوغ الموضوعية، الاعتراف بوجهة النظر الأخرى، وعن الاعتراف بالآخر. لأن مثل هذا الاعتراف تكذيب لأوهام المركزيتين عن نفسهما. جريمة وجهة النظر الأخرى هي كونها اخرى، وجريمة الآخر هي انه وُلد آخر. لذلك يُعامل لا كمغاير يصلح للحوار بل كعدو لا تنفع معه الا التصفية الفعلية أو الرمزية حسب الظروف والامكانات. الوسيلة المثلى لاسباغ الشرعية على هذه التصفية هي التجريم أي تلفيق الاتهامات الكاذبة البيولوجية النازية أو الايديولوجية الستالينية والأصولية. هذا الاتهام المجاني هو الأب الشرعي للمحاكمات الصورية عندما تكون المركزيتان في السلطة وللتصفية الجسدية أو الرمزية عندما تكونان ما زالتا في طور الجهاد في سبيلها. كيف يُغيرك هذا الاتهام الكاذب؟ بالكُذاب بضم الكاف Mythomanie. وما هو الكُذاب؟ مرض نفسي يصيب البعض فيجعلهم يكذبون كما يتنفسون، شكله الهيِّن هو الكُذاب الهيستيري الذي يجعل المريض ينسب لنفسه من المآثر والمزايا ما كان يتمناه لها لجعل صورته في أعين الآخر أكثر اغواء واستدراراً للعطف والاعجاب. اما شكله الخبيث فهو الكُذاب السايكوباتي الذي تمارسه شخصية مختلة التوازن ذهنياً ونفسياً لا للتباهي بل للايقاع بخصومها سواء بكتابة الرسائل المُغٌفَلة أو باختلاق الأخبار الكاذبة. هذا النوع من الكُذاب هو ما مارسه عليّ بانتظام الأصوليون، خصوصاً التونسيين، منذ صدور كتابي "الموقف من الدين" 1973، دار الطليعة - بيروت. بشائعات المقاهي في البداية، التي منها اني اعتنقت المارونية، وعلى أعمدة الصحافة منذ تموز يوليو 1996.
سأكشف للقارئ السرداب الذي سلكه هذا الكُذاب المؤذي لرصد محطاته وكشف هدفه النهائي. انطلق من نشرة يصدرها الأصوليون التونسيون وحلفاؤهم في باريس ثم انتَقَلَت عدواه الى "القدس العربي" ليحط الرحال موقَّتاً من دون شك في "الحياة" صفحة أفكار.
في تموز يوليو 1996 نشرت "الجرأة" مقالين كُذابيين هاذيين ضدي يقول أحدهما "قصدنا الكشف عن هذه الشخصية المريضة لهذا "المفكر" الذي كان مجهولاً منذ عهد قصير في وطننا … وأصبح كبيراً منذ عهد التغيير … والذي سبق ان ساند الأنظمة الشمولية"!
احدى سمات الخطاب الاعلامي التوتاليتاري هي "الاستغناء عن فن البرهان كما لو كانت التهمة من البداهة بحيث لا تحتاج الى دليل. ربما ظن من لا يعرفني ان صوري ومقالاتي تملأ الصحف وتشغل الناس في تونس، والحال انني لم أنشر فيها سطراً واحداً منذ 38 عاماً.
المقال الثاني ذهب في الكُذاب أبعد: "كل ما في الأمر ان "الشيخ" الأخضر العلماني الماركسي … قد استقبل مؤخراً في تونس بعد اغتراب لمدة 16 سنة، على أعلى مستويات في السلطة. ونحسب ان هذا "التكريم" قد أوحى الى عفيف الأخضر ما أوحى".
الاتهام منشور في 1/7/1996، بينما قد عدت الى تونس في أيار مايو 1981 بعد غياب دام عشرين عاماً. فمؤخراً الكُذابية متأخرة عن عودتي بپ15 سنة! "أعلى المستويات في السلطة" آنذاك كان بورقيبة المريض الذي كان يفكر مرتين قبل استقبال رؤساء الدول، ورئيس وزرائه يومئذ كان محمد مزالي المساهم الأساسي في النشرة الكُذابية التي نشرت هذا الهُذاء! منذ غادرت تونس في 1961 الى اليوم لم أُستقبل من أي مسؤول قط ولم أدع ابداً الى أية مناسبة رسمية يُدعى لها عادة المثقفون ولا حتى للندوات الفكرية التي تعقدها وزارة الثقافة وتدعو لها كل من هبّ ودب من المثقفين العرب والأجانب. وهذا ما يعرفه جميع الكتاب التونسيين بمن فيهم الأصوليين الذين استشهدهم جميعاً على هذا الكُذاب المذهل في حجمه والخبيث في قصده! الكُذابيون الأصوليون يكذبون ثم يصدقون كَذْبِتَهم التي يجترونها عسى ان يصدقها الجمهور عملاً بوصية سلفهم غوبلس: "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك شعبك"! وهكذا وَجد هذا الكُذاب - الفضيحة من يكرره من الأصوليين لتحويله الى كذبة شائعة. الأصولي السوداني عبدالوهاب الأفندي طالبني في رده عليَّ في "القدس العربي" 15/7/1997 بأن أطلب من "أصدقائي الحكام" الذي استقبلوني على أعلى المستويات كذا وكذا…؟ أصولي آخر فلسطيني، يُستقبل على أدنى المستويات في مطار الخرطوم، خالد الحروب، همس هامس بالكذبة في اذنه فرددها كالببغاء في "الحياة" - صفحة "أفكار" 8/7/1997 شاهداً زوراً على تحالفي "الكلياني مع أنظمة الاستبداد الحداثي"! يستلم الكذبة منه أصولي فلسطيني آخر، عزام التميمي، فيكتب بكل وقاحة: "يعكس موقف العفيف الأخضر بوضوح التحيّز العلماني الى معسكر الاستبداد والاضطهاد"! وأخيراً وليس أخراً أعطي قوس الكُذاب الهاذي باريها في مَصنَعِه اللندني: الأصولي القيادي التونسي رفيق بوشلاكه في رده عليّ بمقال - محضر جلسة حزبي: "اذ تتحول الأصولية اليسارية الى سند للدولة البوليسية" "أفكار" 12/11/1997 الذي يتمطط فيه الكُذاب على نحو سوريالي ممَّا حوله الى نكتة غير مضحكة لدى المثقفين التونسيين الذين عممتُ عليهم مقاله! فما هي اللمسات الأخرى ولا أقول الأخيرة التي اضافها "منظر" حزب "النهضة"؟ انني أصبحت: "كاتباً سلطانياً من الطراز الأول في خدمة دولة الحداثة البوليسية … يقف على يمين الأنظمة الرسمية العربية. فقد غدا منظرا لامعاً للسكرتارية الأمنية ولجانها السرية … "انقلب" من معارض مشاكس الى خادم طيّع لنظام السلطة البوليسية، وبذلك أصبح محل تكريمها ونيل أوسمتها الفخرية". شأن الاعلام التوتاليتاري الذي لا يُسأل عما يقول يسوق بوشلاكه هذه الاتهامات التي هي، في قانون الغاب الأصولي، حيثيات حكم بالاعدام، دونما أدنى دليل كما لو كانت وقائع بديهية بداهة المسلمات الرياضية المستغنية عن البرهان! ولكي يتلاعب بانفعالات القارئ المضلَّل يتظاهر بنبرة أسى درامية: "ما أقبح المثقف حين ينحني للسلطان!" مجرد اسقاط: فلم يصف أحد، بالانحناء كما وصف نفسه هو المنحني أمام السلطان الدموي الايراني والسوداني اما كاتب هذه السطور فما عرف الانحناء ولا خفض يوماً لسلطان جبيناً.
لنطارد الكذّاب الى الباب: انا أذن: "منظر لامع للسكرتارية الأمنية ولجانه السرية"! هذه الكلمات المثيرة تفوح منها رائحة التآمر، الارهاب، والمطاردة والتصفيات الجسدية… فأنا اذن منظر لامع للارهاب! الطفل، البدائي والعصابي يفكر بالاسقاط الذي هو حيلة دفاعية لاشعورية يتبرأ بها العصابي من انفعالاته العدوانية بتثبتها للآخر: بوشلاكه منظر رسمي لحركة "النهضة" ولجانها السرية فأسقط وضعه عليّ فهو كأصوؤلي محترف يعي ان الارهاب الأصولي يحتاج الى فتوى لشل ضمير القاتل ورفع الحرج عنه فأسقط حال مفتي الارهاب عليّ لترى فيّ هلوسة البارانوية "منظراً" للبوليس السياسي و"لجانه السرية" التي ملأت الدنيا وشغلت الناس بأخبار قتلاها اللاجئين الى الخارج كما تفعل "اللجان السرية" الايرانية مثلاً! وبما انني أردد "أقوال شمعون بيريز… كما يؤكد بيقين منظر الأصولية التونسية فلماذا لا يكون الزعيم اليهودي شريكاً لي في التنظير للارهاب؟ ما الدليل على نظيري للجان السرية وأخواتها؟ وهل يحتاج النهار الى دليل؟: "ما كتبه كاتب هذه السطور في مقاله في تاريخ 1/11/1997 تحت عنوان: تجفيف الينابيع الأصولية شرط لتحديث التعليم". وهكذا حَباني الكُذاب الأصولي الهاذي بشرف التنظير سنة 1997 لبرنامج تربوي بدأ تطبيقه منذ 1990! تكشف الباحثة التونسية هالة الباجي في الكتاب الجماعي الذي أصدره المركز الفرنسي للعلاقات الدولية في ايلول سبتمبر الماضي في بحث بعنوان: "بيداغوجيا فلسفة الأنوار واصلاح النظام التربوي التونسي" ان المناقشات التي تمخَّض عنها هذا البرنامج في 1990 ضمها كتاب من 1200 صفحة حول فلسفة الأنوار الفرنسية في القرن 18: الثقة في التقدم العلمي والتكنولوجي كأداة للسعادة الانسانية، التسامح الديني، التآخي البشري، الفكر السّبتي، الفكر النقدي ، اليقين التجريبي والعقلانية التي لا تعترف الا بسلطان العقل البرهاني. ويؤسفني حقاً انني لم أشارك بقسطي المتواضع في صياغة هذا البرنامج التربوي التونسي الذي جعل من الحداثة رائده ومن العقلانية منطلقه والذي لا غنى عنه لكل بلد عربي أو مسلم يطمح لمعاصرة عصره: عصر المعرفة الكوني.
تحديث الاقتصاد بفتحه على السوق العالمية، تحديث شرط المرأة بتوفير الظروف المناسبة التي تساعدها على التحول من آلة للانجاب لمفاقمة الانفجار السكاني الى انسان موفور الكرامة وتحديث التعليم بتحريره من طرق التلقين الببغائي لمعارف ميتة ومُميتة لربطه بمناهج ومعارف العصر. قائل هذا لا يمكن في نظر منظر الأصولية التونسية الجامد ذهنياً: "الا ان يكون استئصالياً وانقلابياً ومقدمة لحرب أهلية لانهاية لها"! هنا أيضاً يفكر هذا الأصولي بالاسقاط: اسقاط الحرب الأهلية الكامنة في "ايران والمعلنة في السودان وأفغانستان على البلد الذي تبنى هذا البرنامج! الحرب الأهلية على قدم وساق في مصر والجزائر حيث الاقتصاد أقل حداثة، المرأة ترزح تحت اغلال الفقه التقليدي والتعليم الأصولي يخرج الأميين الجدد، المتعصبين والعاطلين! تبني مصر والجزائر للحداثة انطلاقاً من برنامج حدها الأدنى المذكور الذي يحرمه ويجرمه بوشلاكه هو المخرج الممكن من الحرب الأهلية لا المدخل اليها كما يزعم هذيانه الكوارثي المميز لأدبيات أقصى اليمين الغربي والأصولية الاسلامية.
لجان تنظيم بوشلاكه السرية حقاً والتي وقع تقريرها بغباء لا يحسد عليه عجزت عن كشف اللجان العَلَنية الحقيقية التي أنظِّر لها فعلاً وأعطيها الكثير من وقتي القليل فاخترعت لجاناً سرية من بنات كُذابها. وها أنا ذا أبوح لها لوجه البارانويا بسر نفيس: لجاني هي: اتحاد العقلانيين الفرنسيين والبرلمان الدولي للكتاب المتخصصان كما هو معروف في فنون التآمر والوقيعة والارهاب ويحتاجان قطعاً الى منظر من وزني لكي يُطاردا آل بوشلاكه الأصوليين في حِلِّهم وتِرحالهم! واذا كان ولا بد من بعض التوابل لتهييج مَواجع المخيلة الأصولية المسكونة بأشباح المتآمرين من عائلة "الثالوث الخبيث" اليهودي - النصراني - الماركسي فإني أبوح لپ"النهضة" بسر آخر أشد خطراً: اتحاد العقلانيين يرأسه فزيائي يهودي. اما البرلمان الدولي للكتاب فقد شارك في تأسيسه نجيب محفوظ وسلمان رشدي: فأي غرابة اذن في ان أردد في مقالي "ما قاله شمعون بيريز" حرفياً!
هذا عن تنظيري للارهاب الأمني ولجانه السرية فماذا عن "الأوسمة الفخرية التي قلدنيها الكُذاب الأصولي؟ الأوسمة على حد علمي لا تُقلَّد سراً في أقبية "اللجان السرية" بل يُوسم بها أمم الاعلام السمعي - البصري وتنشر في الجريدة الرسمية للدولة ويسمع بها، عندما يتقلَّدها صعلوك مثلي، المثقفون التونسيون الذين لا تخفى عليهم خافية. فهل يجرؤ بوشلاكه ولجانه السرية ومخبروه الذين يَتَلقطون أخباري ان يقولوا للقراء الذين كذبوا عليهم بوقاحة لا تُصدق: أين ومتى تقلدت هذه الأوسمة مقدمين دليلاً واحداً وحيداً على ذلك؟ لم أتقلد في حياتي الا وساماً فريداً: مِصداقيتي لدى القراء. مرة اخرى استشهد المثقفين في العالم العربي على هذا الكُذاب "النهضوي" الساقط الى حضيض الحضيض.
جاء في مقال - تقرير بوشلاكه: "من الصعب على رجل مثله فاق تجاوز العقد السادس واشتعل ما تبقى من رأسه شيباً… يبشرنا من العاصمة الفرنسية" لا ينقص الا عنواني وهو قطعاً عند اللجان السرية! اذا كان باعطائه لمواصفاتي يصفني للقتلة فالشي من مأتاه لا يُستغرب، وان كان يخوّفني بهم فقد فاته ان الموت، الذي طالما التقيت به، لا أتمناه ولا أخشاه: مثلاً ذات يوم سنة 1969 لذت في أحواش الأردن بشجرة كان بجانبي ياسر عبدربه، الوزير في السلطة الفلسطينية، والطائرات الاسرائيلية تقصفنا وأوراق الشجرة تتساقط علينا والرصاص يمر فوق رؤوسنا… وأنا أفكر في اللحظات التي بررت بها مجيئي للحياة ورحيلي عنها صدفة لا في الموت!
خَليق بالأصوليين المذكورين لو كانوا يعقلون اتهام "أنظمة الحداثة البوليسية" بالتحالف معي لا العكس. لأن المشروع الذي اتخذ من الحداثة هدفه ومن العقلانية منطلقه الذين يتهمونني اليوم بالتحالف من اجله معها هو مشروعي الذي دافعت عنه مراهقاً ولن يجعلني ابتزاز تنظيم بوشلاكه المنظم للكذب اتنكر له شيخاً. في 1953 نشر ثلاثة من أساتذتي منهم مفتي الجمهورية الحالي مشروعاً لتحديث التعليم الديني الزيتوني. جابهه ممثلو الجمود الذهني التقليدي بالتكفير. فكتبت، وكنت تلميذاً، مقالاً في صفحة الشباب في جريدة "الصباح" دافعت فيه بحرارة عن المشروع وكدت أطرد بسببه من المدرسة. في 1955، وكنت طالباً في مدرسة الحقوق، كتبت مقالاً في صفحة الشباب في جريدة "العمل" البورقيبية تحت عنوان "هذه هي الزيتونة" طالبت فيه بالغاء التعليم التقليدي الزيتوني ودمج تلامذته في التعليم الحديث. ولم أكن أعرف آنذاك ان أحد كبار رواد الاصلاح الديني محمد عبده قد تمنّى قبلي بحوالى 60 عاماً بأن: "بأذن الله تعالى يمنع التعليم الديني في جميع مدارس العالم، فتكون المدارس قاصرة على العلوم غير الدينية، والصنائع، ويكون للدين مواضع مخصوصة لتعليمه والتربية بمقتضاه". ما أشبه الليلة بالبارحة: فقد رد علي احد كبار شيوخ الزيتونة جموداً ذهنياً، محمود رويس، ليتهمني بأني، بسبب نقدي، اعتنقت البروتستانتية لمجرد انني كنت أدرس في معهد الآداب العربية المجاور لمنزله الذي يديره آباء بروتستانت! في 1957 أصدر بورقيبة أول قانون للأحوال الشخصية جدَّد الفقه الاسلامي التقليدي على نحو غير مسبوق. واجهه الجامدون من رجال الدين، آباء الأصوليين المعاصرين، بالتكفير. فلم أتردد في تفنيد دعاويهم معتبراً ان هذا القانون تحقيق لمطلب الاصلاحية الاسلامية في الثلث الأول من القرن التي صاغها الشيخ الطاهر الحدّاد في كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" ملاحظاً بأن قانون الأحوال الشخصية لم يحقق مطلباً أساسياً من مطالب الحداد: "المساواة بين الجنسين في الارث" ومجدداً اطالب حليفتي "أنظمة الحداثة البوليسية" بأن تحقق له هذا الطلب. وان كان مشروع قوانين الحال الشخصية الذي تقدمت به في الربع الماضي الحكومة المصرية لمجلس الشعب قد حقق المساواة في الارث بين الذكر والأنثى. لا أحد يستطيع ايقاف قاطرة التقدم. في 1969 أشرت على "اصدقائي" حكام عدن بتبني قوانين الأحوال الشخصية التونسية ففعلوا. لكن بعد الوحدة المشؤومة عادت المرأة اليمنية الجنوبية الى أغلال العصور الخوالي؟
يقول مالك ابن انس: "نحن لا نعرف الحق بالأشخاص بل نعرف الأشخاص بالحق"، وانا على رأيه فلو ان أنظمة التوتاليتارية الدينية تثوب الى رشدها فتتبنى القوانين الشخصية التونسية لما ترددت في تأييدها. لا شك ان الأصوليين الذين يسقطون جمودهم الذهني عليّ سيبتسمون. لكن هذا ما حدث فعلاً: لما أصدر حسن الترابي في 1996 فتاويه ومنها واحدة في منتهى الحداثة والسداد أباحت لأول مرة في تاريخ الفقه الاسلامي جواز زواج المرأة المسلمة من غير المسلم. فوجئت بها مفاجأة سارة فأضفت خلال تصحيحي لبروفات بحثي "الأصولية تعيق تطور العربية": "في فتاويه الأخيرة افتى الشيخ حسن الترابي بجواز زواج المرأة المسلمة من غير المسلم وهي فتوى تذكر له فتُشكر" قضايا فكرية ص251، أيار/ مايو 1997.
من الجائز، في حقبة انفلات اللامعقول من عقاله، ان يتصدّى لي كُذابي علماني، هذه المرة، ليتهمني، دونما دليل كالعادة، بالتحالف مع النظام الشمولي الثيوقراطي في السودان وباستقبالي من "بابا الأصولية الارهابية" كما تسميه وسائل الاعلام الدولية، حسن الترابي، في مطار الخرطوم وبأنه قلَّدني "أوسمة فخرية" وبأنني أصبحت "منظراً للجبهة الاسلامية الارهابية وبيوت أشباحها السرية" وربما وجد من السُّذج من يصدقه.
أسلوب ادارة تنظيم سياسي معارض ينطوي بالقوة، انطواء البذرة على النبتة، على نمط ادارة سلطته المقبلة: الحزب اللينيني القائم على المركزية، التنظيم الفاشي المرتكز على عبادة الزعيم والجبهة الأصولية المعتمدة على عصمة الشيخ لن تخدع الا من كان يود الانخداع بطبيعة نظام حكمها التوتاليتاري الدموي الموعود. الطريقة القراقوشية التي فبرك بها بوشلاكه وتنظيمه محاكمتي الصورية على صفحات الصحف حيث لوَت المصلحة الحزبية عنق الحقيقة التاريخية صورة مصغرة عن المحاكمات الصورية التي كان سيجريها لي ولغيري لو كان في السلطة… صورة طبق الأصل من جحيم العدالة الايرانية - السودانية - الأفغانية التي كلما ملأت سجونها ومقابرها بالأبرياء تقول: هل من مزيد؟
الأصوليون الذين جرَّْموني بپ"التحالف مع أنظمة الحداثة البوليسية شهدوا زوراً برؤية القشة في عيني وتعاموا عن رؤية الخشبة في أعينهم هم المتحالفون مع أكثر أنظمة عصرنا بوليسية ودموية. الأصولي الفلسطيني عزام التميمي قال في منظمة العفو الدولية ما قال مالك في الخمر لمجرد نشرها لجرائم الأنظمة التوتاليتارية الثيوقراطية الجلادة العزيزة على قلبه. حكم الجبهة الاسلامية الدموي، الذي نشر الأصولي الفلسطيني خالد الحروب إعلاناً صحافياً عن "تسامحه" ملتمساً ظروف التخفيف لاستهتاره بجميع حقوق الانسان بما فيها الحق في الحياة، صادر أملاك المعارضين في الخارج ويساومهم على اعادتها اليهم اذا قبلوا الدخول في قفصه، أعدم المجتمع المدني بحظره جميع الأحزاب. جلد النساء المتظاهرات احتجاجاً على ارسال فلذات أكبادهن الى الموت 37 جلدة "الحياة": الأسبوع الأول من كانون الأول/ ديسمبر 1997، مارس اغتصاب النساء والرجال في بيوت الأشباح، حكم على معارضيه بالاعدام في محاكمات "اسلامية" جداً تدوم خمس دقائق فقط لا غير… مثلين: رسالة العميد الفكي التي هربها من سجنه ونشرتها المنظمات الانسانية في الصحافة الدولية، يقول فيها: "عُذبت واغتُصبت وسُحقت خصيتي" ويسمي معذبيه ومغتصبيه في بيوت الأشباح ويُعدّد 13 اسلوباً للتعذيب استخدمت معه منها مثلاً: "الاخصاء بضغط الخصية بواسطة زردية والجر من العضو التناسلي بنفس الآلة" الوطن العربي العدد 870، الحاج عبدالله نقد وزير الأوقاف في حكومة المهدي المنتخبة ديموقراطياً التي اطاحها انقلاب الجبهة الاسلامية روى للصحافة نموذجاً من "العدالة" الأصولية: "بعض زملائنا لم تدم محاكمته أكثر من خمس دقائق فقط وصدر بعدها الحكم بالاعدام … كنا نستعد لاداء صلاة المغرب ونودي على هذا الزميل لدخول الجلسة فذهب وعاد ولحق بنا في الركعة الأخيرة بعد ان انتهت محاكمته في خمس دقائق وصدر عليه الحكم بالاعدام" الاسبوعية اللندنية "الوسط" العدد 191. التنظيم الذي ينظِّر له بوشلاكه يقول عن هؤلاء الجلادين: "اما اخوتنا في الجبهة القومية الاسلامية فهم شوريون بالفطرة". اما الجمهورية الايرانية، سجن الشعوب الكبير ومسلخ النساء الشهير، فقد اختلس ملاليها بشهادة عزة الصحابي مساعد الخميني السابق، خلال الحرب العراقية - الايرانية 70 بليون دولار فقط لا غير من بيت مال المسلمين، قتلت 100 الف معارض في الداخل واغتالت 61 لاجئاً في الخارج ومنعت جميع الأحزاب باستثناء حزب الله ومع ذلك بل بسبب ذلك يصفها التنظيم الذي ينظِّر له بوشلاكه بأنها "نموذج الديموقراطية في الشرق الأوسط".
لا شك ان سؤالاً يرفّ على الشفاه: ما الذي دفع مثل هؤلاء الوصوليين المتورطين في التحالف الصريح مع أنظمة من هذا الطراز النادر على اتهامي المجاني بپ"التحالف" مع "الاستبداد المستنير" أو "أنظمة الحداثة البوليسية"؟ وترديد ذلك في ثلاثة منابر اعلامية على امتداد عامين دون توقف لأن بعض الأصوليين التونسيين افتى منذ 1993 بأن "العلمانيين المتحالفين مع النظام سيكون مصيرهم مصير اليابس" أي الجامعي الجزائري الجلالي اليابس الذي اغتالته الجبهة الاسلامية للانقاذ في 16 آذار مارس 1993 وتبنّت جريمتها على لسان ممثلها أنور هدام!
"صَمْت ديكارت" كما أسماه الفيلسوف الفرنسي بول ريكور، امام اضطهاد الأصولية الكاثوليكية لغاليلو، لم يعد مقبولاً من المثقفين على الأنظمة التي تهدد المثقف في استقلاله والأصولية التي تهدده في حياته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.