لم يعلن المشرفون على المشروع الثقافي الطموح "كتاب في جريدة" الذي تتبناه اليونيسكو عن المعايير التي يطبقونها في اختيار النصوص وتحديد الأولويات، مكتفين بالأهداف العامة المفهومة التي لا خلاف عليها، ومؤثرين مفاجأة القراء كل مرة بالنص الذي يطالعونه، ومع ان بوسعنا الثقة بالهيئة الاستشارية للمشروع العربي، وإن كان التمثيل القطري الذي يجعل مصر في حجم موريتانيا والمغرب ومعادلاً للصومال، لا يمكن أن يؤدي إلى توازن حقيقي في إمكانات الإفادة من الطاقات الخلاقة للعقل العربي، إلا أن المفاجآت التي طرحها المشروع حتى الآن في صيغته العربية تجعلنا في حاجة للمناقشة، فقد آثر أن يبدأ بتنشيط الذاكرة الشعرية من أوضح نقطة في ذروتها المتبني، ثم قفز الى جنس أدبي آخر عند نموذج إشكالي له كما يتمثل في مسرحية سعد الله ونوس "مغامرة رأس المملوك جابر" قبل أن يرتد بصره مرة أخرى صوب الشعر عند بدر شاكر السياب غالباً. وكان في وسع المشرف ان يتخلى عن دور الوصي ليعلن عن قائمة الأولويات القادمة. ومع ان متنبي ادونيس المصفى اشبع الذائقة الشعرية العربية فقد تركها لا تبرح مكانها، ولا أحسب ان ورقات الجريدة ستكون أحق عليه ولا ادعى للاحتفاظ به من الأسفار المتحركة في جميع المكتبات، أما مسرحية ونوس - وأخشى ان يكون السبب المباشر في تقديمها هو رحيل كاتبها العام المنصرم - فهي قفزة نوعية واضحة في سلسلة الاختيارات، تطوي عصور الأدب وحقبه العديدة، وتلتقط نصاً تجريبياً فريداً لتضفي عليه صبغة الكلاسيكية العريقة. إنها تكاد تبعث عالماً يبدو في الظاهر مندثراً مع انه شديد الحيوية والآنية. مع أن علوم القراءة تسمح لنا الآن بأن ندخل إلى النصوص الأدبية والفنية بآفاق مختلفة، بعضها محتشد بالمعلومات والإشارات التي تؤسس أنواع السياق الثقافي والإبداعي لها، وتعين على فهمها كما كان المتلقون يدركونها في وقتها، غير أن بعضها الآخر لا يرى حرجاً في اقتلاعها من هذه الجذور التي نمت فيها، واستقبالها بما يشبه البراءة المتعمدة، والاستجابة العفوية لما تبثه الآن من دلالات جديدة يدخل الزمن الفاصل بين إنشائها وقراءتها في تشكيلها ودمغها بصبغته، وكأن خبرة التلقي الجمالية لا تتم بأثر رجعي بقدر ما تستوعب ايضا منظور مستقبل العمل ومصيره، ولأننا لن نستطيع - حتى الآن على الأقل - أن نتحرك في الزمن جيئة وذهاباً، فإن الأقرب الى مزاجنا النقدي اليوم ان نتمثل هذه المغامرة المكتوبة عام 1969 مندرجة في إطار المد الإبداعي الدافق لما أطلق عليه "مسرح الستينات" وقد كان مداً عربياً غير اقليمي، انبعث من مصر التي لم تكن تعرف لنفسها حدوداً ولا لطموحها مدى في تلك الآونة، وغمر بقية الأرجاء المتحفزة المتعطشة. كان سعدالله ونوس أحد آلاف الشباب العربي الذكي الذين عجنتهم القاهرة في فطيرتها القومية وزرعت فيهم جرثومة التوق المتحرق للتحرر الكلي والعجلة الشديدة في القفز الى مصاف الامم الناهضة. كان الحلم القومي في تلك الفترة يسبق الواقع الناجع البليد ويتمزق في فضائه، وكانت الثورة المسرحية التي صنعها الكتاب والمترجمون والمخرجون والممثلون وضعت على خشبة المسرح مشكلات الانسان والمجتمع، ولكم احتدم الصراع بين السلطة والثقافة، ونوقشت مشكلات الحكم وشرعيته في حوارات مسرحية تؤسس لوعي عربي جديد، ولم يلبث ان اصبح صوت سعدالله ونوس الدرامي الناجح الامتداد الشامي الأصلي لهذه الحركة الثورية في فنون الفرجة الجماعية، خاصة لأن بنية هذا المجتمع الحضرية شهدت اختمار تلك الفنون في فجرها العربي الأول، ولأن ما شهدته من نضج في الوعي السياسي وحرية في الممارسة الثورية جعلها تتقدم المشهد العربي وترود تطوره، ما وفر لمشروع مبدعنا مناخاً ملائماً لازدهاره بالرغم من كل عوامل الاحباط اللاحقة. على أن مغامرة سعدالله ونوس في هذه المسرحية تقوم على جسر الهوة الفاصلة بين طرفين، بين التراث الفني العربي والمسرح المعاصر من ناحية، وبين الخشبة والجمهور من ناحية ثانية. وكان استغلال تراث الحكواتي والسرد الملحمي كفضاء مفتوح على فنون الفرجة المسرحية، وتوظيف المقهى باعتباره المكان الجامع والملتقى المحدد بين الفنان وجمهوره هو عماد هذا التجسيد. غير أن حس المؤلف بأهمية خلق مناخ الوصل العميق بين هذه الأطراف جعله يوظف كثيرا من العناصر الفعالة في الوجدان العربي من اهمها الغناء الذي رأى ان يكون متغيرا طبقاً لزمن تقديم المسرحية، ولم تكن شاشة التلفزيون اخترقت الابصار حينئذ واستأثرت باهتمام الناس. يقول ونوس في تقديم عمله: "الاغاني تلعب دورا هاما في تهيئة الجو لبدء المسرحية، انها ستتيح لنا الفرصة لتحقيق التآلف الذي يمهد للبدء بحكاية السهرة. ينبغي ان يحس المتفرجون بنوع من الاسترخاء، وربما الطرب، شأنهم في ذلك شأن زبائن المقهى. الأغاني التي تذاع يمكن ان تطول فترتها او تقصر حسب تقدير العاملين في المسرحية. كذلك يتم اختيار هذه الأغاني في زمن تقديم العمل ووفقاً للظروف التي يقدم فيها، ولو أخذنا بهذه النصيحة حرفياً لأفسدنا اي عرض للمسرحية، إن اغاني هذه الأيام مثلاً لا تتم سوى عبر "الفيديو كليب" الذي يشغل مساحة الرؤية والانتباه، ويقوم بتشتيتها في ومضات مفاجئة لاهثة، وهي لا تسمح بالتأمل او الطرب او حتى مجرد التفكير المنطقي الهادئ، لا يستطيع المخرج تعضيد نص ونوس بهذه الطريقة ولا تعطيره بعطر اليوم الفادح، بل عليه ان يبقي الى حد ما على طابعه العتيق الاصلي، مثلما يحدث مع "فرفور" يوسف ادريس، ومع مغني ربابة نجيب محفوظ في حرافيشه وحواريه. لقد فاجأنا المستقبل بتغير فادح في نمط العلاقة بين الفن والجمهور، لم تعد الكلمة المنطوقة شفاهياً او المنغمة موسيقياً هي سبيل التواصل، حلت محلها الصورة المرئية بجمالياتها الحركية واستراتيجياتها التعبيرية، وما كان يعد ثورة في الستينات في كسر الحاجز بين الخشبة والجمهور في مسرح التغريب البريختي انتقل الى ذمة التاريخ. لكن شكل المقهى لايزال قائماً في الحياة العربية، وحتى الراديو لم ينقرض بعد. لنستغل هذه الفرصة ونعيد تمثيل تلك المسرحية في جميع عواصمنا العربية قبل فوات الأوان. يحاول سعدالله ونوس في هوامش العرض والإخراج ان يقيم تمييزاً واضحاً بين المسرح السياسي وما يسميه مسرح "التسييس"، ولعل كلمة الشيخ محمد عبده المأثورة "لعن الله السياسة وما تفرع عنها من ساس يسوس فهو سائس ومسوس" ان تكون تعبيراً صادقاً عن ضيق المثقف في مجتمعات ما قبل الديموقراطية بمحرقة السياسة. ولا نرى فارقاً جوهرياً بين الأمرين، اللهم إلا في محاولة مسرح ونوس ان يقدم ديناميكية الفعل وهو يحدث أمامنا محركاً النبض السياسي في تفاعل كلمات النص مع رود فعل الجمهور، بدلاً من ان يقدم خلاصته المنجزة في مواقف عدة، ولم يكن الجمهور الشامي - خاصة في نهاية الستينات - بحاجة للتسييس، بل كان مسرفاً على نفسه في ذلك حتى فطم منه بقسوة فادحة في العقود الثلاثة الماضية. لكن المصطلح الذي يستخدمه المؤلف بالغ الأهمية في دلالته. اذ يعتمد على خلق آلية حوارية، او كما يقول: "حوار بين مساحتين: الأولى هي العرض المسرحي الذي تقدمه جماعة تريد ان تتواصل مع الجمهور وتحاوره، والثانية هي جمهور الصالة الذي تنعكس فيه كل ظواهر الواقع ومشكلاته". ثم يردف: "وحتى الآن لايزال هذا الحوار صعباً، فمن جهة هناك التقاليد المسرحية المبنية على إلغاء مثل هذا الحوار، او إقامته بصورة غير مباشرة وضمنية. وهناك ايضا - وهذا أهم - طبيعة المتفرجين انفسهم وموانعهم الداخلية التي تحول بينهم وبين مباشرة الحوار والانسياق مع نوازعهم الداخلية للتعبير عن انفسهم. لكن الأهم والأساسي في إثارة الحوار وتشجيعه أن تتوفر في العرض المسرحي الشروط اللازمة لإثارة الحوار، كارتباط الموضوع بحياة المتفرج ومشاكله، ونوع المعالجة وشكلها. واليوم قد تبدو لنا المشكلة في إطار آخر، فليست طبيعة المتفرجين هي التي تحول دون قيام الحوار، وإنما هي طبيعة السلطة التي تجعل الحوار دائماً لصالح بقائها وتكريس شرعيتها وإبعاد احتمالات تداولها وحركيتها، لسنا شعوباً بحكم طبيعتها غير ديموقراطية، هذه أكذوبة كبرى لا تصمد أمام التحليل. فتاريخ جميع الأمم القديمة أنكى منا وأشد جبروتاً، وقابليتنا اليوم للحوار تزيد عن اي شعب مناظر لمرحلتنا الحضارية مثل الهنود أو غيرهم". وفعل التسييس الذي كان يستهدفه ونوس في هذه المسرحية نموذج لضرورة كسر الحواجز بين الخاص والعام، بين ما يحدث في أعلى مستويات الحكم وما ينجم عنه بشكل فوري ومباشر من نتائج خطيرة في الحياة اليومية للناس العاديين. غير أن القناع التاريخي الذي يضعه يظل شفيفا ورهيفا وقابلا للترجمة الفورية للواقع المعاصر، وهذا بالتحديث ما كان يطمح إليه المؤلف في تأكيده ضرورة ابراز "راهنية" العرض المسرحي. فإذا تذكرنا تاريخ كتابة مسرحية ونوس بعد هزة الانفصال المصري - السوري وتحطم الوحدة العربية ونكسة حزيران يونيو وتفاقم المواجع، أدركنا أن الطرفين المتنازعين، الفنان الراوي من ناحية والجمهور المكتئب من ناحية اخرى، يمثلان، بإيقاع دقيق مدهش، قطبي الوعي في الواقع الخارجي، فالناس حزانى لهذه الانتكاسات المدمرة للروح القومي، يتعجلون فرصة الانتصار، ولو في الوهم الادبي الذي يحل محل الانجاز التاريخي ويعوضه، بينما يشرح لهم حكيم الرواية المسرحية ان للتاريخ منطقه وتسلسله، وللشعوب تجاربها التي ينبغي ان تتجسد لها حتى تتجاوزها. هنا تعتبر سيرة الظاهر بيبرس رمزا للانتصار العربي في الداخل والخارج، لقهر المعتدين الاجانب وتحقيق الازدهار والرخاء. وتصبح المسرحية درسا عميقا في منطق التاريخ وضرورات الفن. ويقوم الحوار الذي يبدو عفوياً في ظاهره وشديد الارتباط بعملية الحكى المباشرة واندراجها في سياق المرات السالفة بالتعبير الواضح عن "روح العصر" الذي كتبت فيه المسرحية ولون المشاعر والطموحات فيه. هنا يبرز التوتر الخلاق في الاعمال الابداعية الكبرى بين طموحها الى التعبير عن جميع العصور التي تعرض فيها من ناحية وجنوحها الى الارتباط الحتمي بمؤشرات المضي في وقت ولادتها، بين طموح الكتاب لتجاوز افاق الراهن، مراهنة على الخلود، وبين طبيعة الاشارات المتولدة عن علاقة الخطاب بالزمن الذي انتجه، ولا يحل هذا التوتر سوى قابلية النص الابداعي للتأويل المتغير، وصلاحيته للقراءات المتعددة طبقاً لما يتكون في ضمير الغيب من احداث ووقائع، وسنرى رؤية العيان كيف ان مسرحية ونوس تضعنا بشكل مدهش امام ما سيحدث في بغداد، لا في الزمن الماضي فحسب، وانما في هذا الزمن الذي اعقب كتابتها على وجه التحديد، حتى لكأنها نبوءة فادحة مستطيرة. ولا تلبث الحكاية التي يقدمها الراوي ان تنتصب تمثيلا امام عيوننا، وهي تجري في بغداد القديمة، كناية عن اية بغداد اخرى ايضا، حيث ينشب خلاف حاد بين الخليفة الذي يسمى شعبان المنتصر بالله، ووزيره محمد العبدلي، من اجل هذا لم يعد هناك خليفة يسمح باستفحال امر وزير له: وكان العصر كالبحر الهائج لا يستقر على وضع، والناس فيه يبدون وكأنهم في التيه يبيتون على حال ويستيقظون على حال. تعبوا من كثرة ما شاهدوا من تقلبات وما تعاقب عليهم من أحداث. يتفرجون على ما يجري، لكنهم لا يتدخلون. ومع الايام اعتقدوا انهم اكتشفوا سر الأمان في مثل هذا الزمان، ويتمثل هذا السر في موقف الاذعان المستسلم الذي يردد مقولة شهيرة "من يتزوج أمنا نقول له يا عمنا"، ويرى في اختلاف أصحاب السلطة انه "فخار يكسر بعضه"، وهو موقف من يحسب انه ينجو بذلك من غوائل الفتنة، لكنه سرعان ما يواجه بالحقيقة التي يعبر عنها الرجل الرابع، حيث يوضح للآخرين أن الخلاف لا بد ان يعنيهم، لانه سيقع فوق رؤوسهم وسيتحملون من دون غيرهم نتائجه ومغبته. ويظل وحده في مواجهتهم حتى يمر شرطيان فيدركهم الفزع من ان يضبطوا متلبسين بمناقشة المسائل العامة، هكذا يحدث دائما في ظل النظم الشمولية، يجمع الخوف بين المختلفين لأن "التهديد سلط على كل الرقاب". الوقائع التي يتم اختيارها في العمل المسرحي والنماذج الانسانية التي يقدمها تقوم كلها بشرح هذا المبدأ الاساسي في عملية "التسييس" وهي ان السلبية لا يمكن ان تكون طريق النجاة، لكن الذي لا يقوله النص، ولا يستطيع في شرطه التاريخي ان يقوله، هو كيفية هذه المشاركة وسبلها الواضحة. انه يكتفي بإدانة السلبية كما يسخر من الانتهازية، لكنه لا يقوى على تقديم الشكل الايجابي للعمل السياسي، لانه يؤثر امثولة التاريخ ونماذجه القديمة. وهو لم يقدم اي حل لهذه المعضلة البشرية سوى في العصور الحديثة، في تلك الديموقراطية التي تمثل حبل النجاة لكل شعوب الارض، لا يستطيع النص ان يسميها وان كان في وسعه ان يتغنى بالحرية والرخاء والانتصار على الاعداء. وربما كان دفع الجمهور الى التفكير والتدبير والوقوع على الحل الملائم للعصر هو المغزى الحقيقي لعملية التسييس المسرحي. لكن البؤرة الدلالية المهيمنة على غيرها في المسرحية تقع في منطقة مجاورة، اذ تتعلق بالقوة التدميرية للذكاء البشري عندما توظف لتحقيق المصالح الخاصة من دون نظر للصالح العام، فالصراع الشرس الذي يدور بين الخليفة والوزير يؤدي الى لجوء كل منهما للحيلة والتدبير للقضاء على الآخر. وقد بادر الخليفة بإغلاق مدينة بغداد وتشديد الحراسة عليها حتى يمنع الوزير من الاتصال بأعوانه من الخارج، بينما قام هو باستمالة الولاة والقواد الى جانبه. واصبحت مشكلة الوزير التي يتوقف عليها مستقبله وحياته ان يجد وسيلة مضمونة لانفاذ رسالة الى ملك العجم "منكتم بن داود" حتى يتواطأ معه على غزو المدينة، ويسهل له امر فتحها لقاء تربعه على سدة الحكم. عندئذ تخطر الفكرة الانتهازية البارعة - موقتا - للمملوك الذكي جابر، اذ يطلب المثول امام الوزير، ويعرض عليه خطته لاختراق حواجز التفتيش المحكمة، وتتمثل في ان يحلق رأسه، ويكتب عليها الرسالة، فاذا ما نبت الشعر بالقدر الكافي لتغطيتها استطاع ان ينفذ من كل الحواجز ويقوم بتوصيل الرسالة، في مقابل حصوله على الثروة التي يبتغيها والجارية "زمردة" التي يهواها. وتتوالى احداث المسرحية حول هذه الخطة وخطوات تحقيقها، حتى ينجح المملوك جابر في الهروب برأسه في مغامرة جسور، لكن يفوته امر بالغ الاهمية، فهو لم يقرأ الرسالة التي راهن عليها برأسه، ولم ير الحاشية الصغيرة التي اضافها الوزير وان كان قد شعر بسن القلم ينغرز في فروة رأسه عند كتابتها، وقد نفذها ملك العجم حرفيا بعد قراءتها "وكي يظل الامر سرا بيننا، قتل حامل الرسالة من غير اطالة". يتم اجتياح بغداد وتدميرها، ولا تعني المسرحية بتحديد من يمسك بزمام السلطة اثر ذلك،لكن المهم ان نقرأ هذا الحوار الذي كتب منذ ما يقرب من ثلاثين عاما : "ينهض الرجل الرابع من بين القتلى يقف قرب الحكواتي، بعد قليل تظهر زمردة في الطرف الآخر فيناولها الحكواتي رأس المملوك جابر، تحتضنه، وبحركات بطيئة كالطقوس. يقول الجميع: - من ليل بغداد العميق نحدثكم، من ليل الويل والموت والجثث نحدثكم. تقولون فخار يكسر بعضه، ومن يتزوج امنا نناديه عمنا، لا احد يستطيع ان يمنعكم من ان تقولوا هذا رأينا، لكن اذا التفتم يوماً ووجدتم انفسكم غرباء في بيوتكم... الرجل الرابع: اذا عضكم الجوع ووجدتم انفسكم بلا بيوت... زمردة: اذا تدحرجت الرؤوس واستقبلكم الموت على عتبة صبح كئيب... المجموعة: اذا هبط عليكم ليل ثقيل ومليء بالويل، لا تنسوا انكم قلتم يوماً... فخار يكسر بعضه، ومن يتزوج امنا نناديه عمنا. من ليل بغداد العميق نحدثكم، من ليل الموت والويل والجثث نحدثكم.."