وفد سعودي رفيع المستوى يزور سوريا لتعزيز العلاقات الاقتصادية    مباحثات اقتصادية سعودية باكستانية    طاقم تحكيم سعودي يشارك في إدارة مباريات كأس العالم تحت 20 عاماً في تشيلي 2025    الرياض تستعرض جاهزيتها لاستضافة دورة ألعاب الفنون القتالية الآسيوية 2026    ثلاثي الاتفاق ينضم إلى المعسكر التدريبي في البرتغال    جراحة للجميعة بمعسكر الذئاب    وجاؤوا يركضون مهلا يا دعاة الضلالة    ضبط (5) أشخاص بالشرقية لترويجهم الإمفيتامين وأقراص خاضعة لتنظيم التداول الطبي    انخفاض مخزونات النفط الخام الأميركية    الخلود يقيل المدرب الروماني كوزمين    "بر الشرقية" تفتتح مكتبًا خدميًا جديدًا في بقيق لتعزيز الوصول المجتمعي ورفع كفاءة الخدمات    أمير جازان يتسلّم التقرير السنوي لفرع هيئة الهلال الأحمر    هيئة الربط الكهربائي الخليجي تقيم ورشة عمل في مجال الذكاء الاصطناعي لدمجه في العمليات    أمير جازان ونائبه يتفقدان عددًا من المشروعات التنموية والسياحية بمحافظة فيفاء    اللجنة التنفيذية للتعاون الإسلامي تؤكد ضرورة وقف إطلاق النار في غزة    رئيس بلدية صبيا يطّلع على مشاريع التدخلات الحضرية لتحسين المشهد العام في المحافظة    الشؤون الإسلامية في جازان تنظم عدد من المناشط الدعوية في محافظات المنطقة    إطلاق برنامج "حكايا الشباب 2025" في الباحة وأبها والطائف    المملكة تُشارك تجربتها في إدارة الموارد المائية    الطيران المدني تصدر تقرير التزام المطارات والناقلات الوطنية بأوقات الرحلات لشهر يونيو 2025م    جامعة جازان تعلن مواعيد التسجيل الذاتي للفصل الدراسي الأول 1447ه    الصين تعلن تقديم "احتجاجات رسمية" للاتحاد الأوروبي    سوري يشتري عملات ويسلمها للمتحف    نجم يكشف أسرار منكب الجوزاء    مجسات ذكية لراحة مرضى السكري دون ألم    أسباب وعواقب إدمان الحلويات    لماذا غسل الدجاج غير مستحب    إطلاق كود"البنية التحتية" بمنطقة الرياض بعد 15 يوماً    ربط التعليم التقني باحتياجات السوق.. أمير المدينة: معامل ابتكارات الحرف نموذج للاستثمار في رأس المال البشري    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة عبدالرحمن بن فرحان    جذور العدالة    أكد دعم سوريا لضمان أمنها واستقرارها.. مجلس الوزراء: السعودية تدعو لاتخاذ قرارات عملية أمام التعنت الإسرائيلي    "البيئة": تمديد مهلة رخص مياه الآبار لمدة عام    ترحيب سعودي ببيان الشركاء الدوليين المطالب بإنهاء الحرب على غزة    أكد وجود انتهاكات جسيمة.. لجنة تقصي الحقائق تسلم تقريرها للرئيس السوري    المنتخب السعودي يشارك في أولمبياد الأحياء الدولي    وزير الداخلية يلتقي منسوبي الوزارة المبتعثين في بريطانيا    اختتام تدريب الخطباء بتبوك    منسوبات واعي يطلعن على مركز التراث وبيت الحرفيين بجازان    منع الفنان راغب علامة من الغناء في مصر    عزز صفوفه بالخيبري.. الأهلي يشارك في السوبر بديلاً للهلال    سبعة آلاف طفلٍ في مركز ضيافة المسجد النبوي    حكمي.. قصة تحدٍ ملهمة في عالم التوحد وحفظ القرآن    دينية الحرمين توقع اتفاقية تعاون لبرامج نوعية    مفوض إفتاء جازان يستقبل منسوبي إدارة جمعية سقيا الماء    النصر يتراجع عن صفقة هانكو.. ويخسر الجابر    رئيس الوزراء يدعو لتعزيز التواجد في عدن.. تحذير يمني من وجود المقرات الأممية بمناطق الحوثي    تصاعد الضغوط لإنجاز اتفاق وقف النار بغزة    "هلال مكة" يفعل مساراته الطبية الإسعافية القلبية والدماغية    155 ألف مستفيد من خدمات مستشفى ينبع    نبض العُلا    أمير جازان ونائبه يتفقدان عددًا من المشروعات التنموية والسياحية بمحافظة فيفاء    الجامعة العربية تدعو المجتمع الدولي لكسر حصار غزة    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل رئيس ووكلاء جامعة جازان    السعودية ترحب بمطالبة دولية لإنهاء حرب غزة    تقنية تحسن عمى الألوان    رئيس باكستان يمنح رئيس أركان القوات البحرية وسام "نيشان الامتياز" العسكري    أمير جازان يستقبل مدير فرع إدارة المجاهدين بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بعد الماركسية ؟
نشر في الحياة يوم 14 - 01 - 1998

الماركسية التي خرجت من سقوط جدار برلين لا تشبه الماركسية التي كانت قائمة قبله.
فالصيغة القديمة لماركسية مطلع القرن العشرين أي الماركسية السوفياتية خلافاً للصيغة الكلاسيكية كانت ترى الى التاريخ حقلاً منكشفاً بالكامل، ومتاحاً بالتمام.
وتخيلت هذه الماركسية في نفسها القدرة على استحواذ هذا الحقل، في ماضيه وحاضره ومستقبله. وحددت خطوط التطور لا بلغة المراحل او التشكيلات العامة وحدها، بل بلغة الصراع الطبقي الخالص، مسندة أدواراً محددة، متجوهرة، للطبقات، ومستنبطة شكلاً تنظيمياً واحداً محدداً، يوائم التغيير.
كما انها سعت، في جموح يتجاوز تخوم استنتاجات القرن التاسع عشر الأكثر احترازاً وتواضعاً، الى تفسير كلي للكون: الطبيعة، المجتمع، الفكر ثلاثية هيغل الأثيرة.
انطوى ذلك كله، بالمضمر او المعلن، على عالم معروف بكليته، عالم قابل للتنبؤ، بل قابل للسيطرة والتحكم القبلي.
ما كان بوسع آلهة الأغريق، او العناية الالهية الكنسية ان تجاري هذا.
يقيناً لم تكن هذه القدرة او الادعاء بها على التنبؤ والتفسير والابداع التاريخي، وليدة عقل حالم، طوباوي، بل ثمرة انجاز الماركسية الكلاسيكية من تحليل واستبطان وحفر لتاريخ المقتضيات الاجتماعية في نظم اقتصادها ونظم فكرها وسياستها. عممت الماركسية الكلاسيكية الأولى بقدر او بآخر معارف القرن التاسع عشر. وابتدعت حلولاً مثلما استنبطت امكانات للتطور البشري، لما أسمته الانتقال من عالم الضرورة الى عالم الحرية الرحب. وحملت بعضاً من محدودية القرن التاسع عشر، والكثير من تفاؤليته الارتقائية، وشيئاً من غبش الغائية الصوفية، وبعضاً من نزعة التمركز الأوروبي، كما ورثت بعض مغريات اليوتوبيات السالفة التي انتقدتها. بقيت الماركسية، خلال القرن التاسع عشر، تعلي شأن الموضوعية الخالصة للتطور، حتمية التاريخ الحديدية، مقلصة دور الذات البشرية، مبررة كبوات هذه الأخيرة وتوهماتها، مثلما راحت صيغها في مطلع القرن العشرين، توسع رحاب الفكر والممارسة، فاعلية الذات.
في كل هذا كانت الماركسية في صراع مع التاريخ ومع نفسها ايضاً. ولعل أحد منابع هذا الصراع طبيعة صبواتها. ذلك انها كانت فلسفة، ومنهج تحليل، ورؤية للتاريخ، ومشروعاً للتحرر، وحركة سياسية آنية.
وكان حاملها يتخذ صوراً شتى: الباحث المتجرد، والفيلسوف المتأمل، والمناضل المفعم بالألم والأمل، والبيروقراطي المتغطرس او التكنوقراطي المتسلق، او حتى الأصولي المتصوف.
هذا الطابع المتعدد لم يسم أية فكرة معاصرة أخرى. فلا الكانطية ولا الديكاترية ولا الهيغلية استطاعت ان تجمع ذلك في اطار واحد، ولا كانت تريد. زد على هذا ان الماركسية خرجت من تعميماتها العالمية في حدود اوروبا الى رحاب العالم لتجد نفسها في حقول حضارية متنوعة تمتاز في أول القرن لا آخره اما بإفراط الرأسمالية، او جنينيتها، او غيابها.
فامتزجت الماركسية، لذلك، بحاجات آنية، موضعية، من ازاحة الرأسمالية، الى البدء في التنمية، الى حروب التحرير او التوسع؟.
لعل في منبع القبول بهذا الاتساع اللامتناهي الرغبة في التساوق مع ادعاءات الشمول. ولعل هذا منبع قوة الماركسية وموطن ضعفها في آن. فقد كان عليها، كيما تحافظ على نفسها، كذات داخل حقول التاريخ، وكوعي خارج هذه الحقول، ان تفحص نفسها، تاريخها الباطني ان تقف داخل التاريخ، وأن تقف خارجه. وهذا محال من الناحية العملية، قبل ان يكون ايضاً محالاً منطقياً. غير ان الجهد البروميثوسي لبلوغ هذا المنال الصعب هو ما يمنح الماركسية فرادتها.
هذا الكتاب هو محاولة لملامسة مظاهر من هذه الاشكالية. والاعتقاد الماثل وراء هذا المسعى ان من السابق لأوانه، بكثير، الاحتفاء بموت الماركسية، ومن السابق لأوانه احتفاء ما بعد الحداثة بموت "السرديات الكبرى" ليوتار مثلاً، أي سقوط النظريات الكلانية للتاريخ والفكر، ومن السابق للأوان الاحتفاء الليبرالي بنهاية التاريخ فوكوياما وكذلك الانتشاء بالعولمة المكتسحة للحدود والقارات، باعتبارها الظفر الأخير لليبرالية الجامحة.
هذا الكتاب محاولة متعددة الاجتهادات، في هذا الشأن. ولعل عنوان الكتاب نفسه يعبر عن هذا التعدد بما يكتنفه من لبس. فكلمة "ما بعد" قد تُفسّر بمعنى التجاوز، او معنى النسخ، او معنى السؤال. هل نغالي إذا قلنا ان ثمة حاجة محسوسة الى كل ذلك؟
مواد هذا الكتاب وأبحاثه هي ثمرة ندوة متخصصة نظمها "المنبر الثقافي" وعقدت في كلية الدراسات الافريقية والشرقية SOAS بجامعة لندن، أواخر حزيران يونيو 1995، على مدى يومين كاملين، بمشاركة خمسة عشر باحثاً اوروبياً وعربياً.
ميزة هذه الأبحاث انها تمثل، بمعظمها، استجابة اوروبية لتحليل أزمة الماركسية، وتجاوزها. وتغطي الأبحاث حقولاً عديدة: الفلسفة، علم المنهج، اقتصاد التنمية، اقتصاد التنظيم، علم السياسة، العلاقات الدولية، الخ.
وسبق ان صدرت الطبعة الانكليزية لهذا الكتاب عن "دار الساقي" عام 1997 بعنوان "ما بعد الماركسية والشرق الأوسط". وتقدم هذه الأبحاث الى العالم العربي مادة مفيدة للمقارنة، ولربما حافزاً لاطّراح الكسل، او الثنائيات التبسيطية. ما كان لهذه الندوةان تعقد أصلاً لولا جهود كثرة من الباحثين ممن تقبلوا عن طيب خاطر، التخلي عن أوقات الراحة لكتابة أوراق بحث خاصة، مختلسين الفسح وسط حشد الالتزامات المهنية. وما كان للنودة وللكتاب ان يريا النور ايضاً لولا الاستضافة الكريمة من جامعة لندن، وبخاصة جهود الصديق ايبرهارد كينله، استاذ العلوم السياسية، ومساهمة الصديقين البروفسور سامي دانيال جامعة كينغستون واستاذ علم الاجتماع سامي زبيدة كلية بيركبك، جامعة لندن.
واغتنم هذه المناسبة للاشادة بالدور الكبير الذي لعبه الزملاء سعد عبدالرزاق، مجيد الهيتي، عدنان حسين، سعدي عبداللطيف وهشام داوود من "المنبر الثقافي" وآخرون في التهيئة للندوة واخراجها الى النور.
وما كان للطبعة العربية ان تصل الى القارئ لولا الجهد الطوعي الذي بذله عدد من الأصدقاء في الترجمة والمراجعة الأسلوبية، أذكر منهم عبدالكريم كاصد، فاضل السلطاني، مجيد الهيتي، عبدالإله النعيمي ورضا الظاهر وغيرهم.
يشكل الكتاب الحالي الحلقة الثانية في سلسلة دراسات "المنبر الثقافي"، كان كتاب "القومية مرض العصر ام خلاصه؟" اول حلقاتها. اما الحلقة التالية فتدور حول الاسلام السياسي.
* كاتب عراقي مقيم في بريطانيا. والجدير ذكره ان المنشور اعلاه تصدير لكتاب "ما بعد الماركسية" الذي يصدر قريباً عن "دار المدى".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.