حذّر صندوق النقد الدولي في تقرير أخير له الحكومة الألمانية، من «فورة الابتهاج بالنمو المتنامي في البلاد من جهة، ومن نسيان حقيقة أن عدم إقرار الإصلاحات الضرورية في الاقتصاد سيتعرّض النمو فيه إلى الاختناق على المدى الطويل». وفي وقت تعاني فيه أوروبا من أزمة ديون خانقة، نصح الصندوق الدولي في تقرير تحليلي جديد على غير عادته، ب «عدم اللجوء إلى التقشف المفرط». وشدد على أن «لا بدّ من إصلاح سوق العمل الألمانية وتقوية الاستهلاك الداخلي لمتابعة مسيرة النمو الحالية بنجاح». صحيح أن المؤسسة المالية الدولية أثنت على شفاء ألمانيا السريع من تداعيات الأزمة الاقتصادية الدولية والداخلية التي ضربتها في خريف عام 2007، وتوقعت نمو ناتجها القومي السنوي من 3.2 في المئة هذه السنة، لكنها رجحت أن يتراجع النمو العام المقبل إلى 2 في المئة». وفي حال عدم إجراء الإصلاحات الضرورية، تنتظر أن «ينخفض النمو السنوي في الأعوام المقبلة إلى ما بين 1.25 و 1.5 في المئة». وعزا التقرير الدولي الخاص بألمانيا، أحد أسباب التراجع إلى «تغيّر هيكلية عمر السكان والنقص المتزايد في اليد العاملة خصوصاً تلك المؤهلة». ورأى أن على الحكومة الألمانية «تشجيع مزيد من الناس على دخول سوق العمل من خلال تعديل سياستها الضريبية من جهة، وزيادة الاستثمارات في القطاعين التعليمي والمهني لرفع الإنتاجية باستمرار». وعلى عكس الحكومة الألمانية وغالبية الخبراء والاقتصاديين في البلاد، ذكر صندوق النقد في تقريره، أنه ينظر إلى قرار برلين المتخذ بوقف الاستدانة من المصارف لسد العجز في موازنات الدولة بدءاً من عام 2016 نظرة متشائمة. وبعدما طلب من الحكومة الألمانية «ألا تبالغ كثيراً في جهودها للتقشف، وأن تعتمد سياسة ضريبية تترك مجالاً لتعزيز النمو»، نصحها في الوقت ذاته بإعادة النظر في قرار منع الاستدانة إذا فرضت الظروف ذلك. ورأى نائب مدير مكتب صندوق النقد الدولي في أوروبا يوها كاكونن في تعليقه على التقرير، أن في حال تحققت الإصلاحات المطلوبة في ألمانيا، «ستتمكن على المدى المتوسط من زيادة نموها وتقوية نشاط سوقها الداخلية». واعتبر أن في حال حدوث ذلك «ستكون ألمانيا قادرة على تحقيق نمو متزايد على المدى الطويل، لأن اقتصادها سيصبح أقل اعتماداً على عامل الصادرات». ولم ينسَ التقرير الإشارة إلى المحاذير التي لا تزال تواكب عمل قطاع المصارف في ألمانيا، مشدداً على ضرورة إجراء إصلاحات أخرى فيه. ولاحظ أن المؤسسات المالية الألمانية «لا تزال واقعة تحت عجز كبير، والأرباح التي تجنيها ضئيلة مقارنة بغيرها»، مشيراً إلى أن المصارف الكبرى فيها «لا تزال مرتهنة بشدة إلى الأسواق المالية لإعادة تمويل رأس مالها».