ولد علي عبدالله صالح لأسرة فقيرة في ال21 من آذار (مارس) 1942، ترك يتمه المبكر والتحاقه بأمه مع زوجها الجديد، ندوباً في قلبه، لكنه أشربه الحكمة في مساومة الحياة والتفاوض مع الظروف، ليخرج منها بأفضل النتائج والمكاسب، وهو الأسلوب الذي عاش به طوال حياته، قبل أن تحيق به خيانة حلفائه بعد أيام من افتراق غير جديد بالنسبة إلى رجل يبرع في فك الارتباطات أكثر من وصلها. رعى الأغنام، مثل بقية أترابه في قرية بيت الأحمر بمنطقة سنحان الصنعانية، وتعلّم في كتّاب القرية، قبل أن يغادرها للانضمام إلى الجيش عام 1958. في عمر ال18 انضم إلى مدرسة الضباط، وبعد عامين شارك في ثورة ال26 من أيلول (سبتمبر) 1962، ودافع عن صنعاء في صف الجمهوريين أيام حصار السبعين، وتدرج في حياته العسكرية وترقى في رتبها حتى وصل إلى قائد للواء تعز عام 1975، بالتزامن مع الانقلاب الأبيض، الذي قام به الرئيس إبراهيم الحمدي، لينهي حكم الرئيس عبدالرحمن الأرياني، وكان فرصة لبروز نجم صالح. كان الحمدي رئيساً إصلاحياً صاحب مشروع، عمل على بناء مؤسسات وتنفيد برامج إنمائية، ولكن مشروعه كان يصطدم مع البنى التقليدية، التي لم تكن ترتاح إلى توجهاته. وتم اغتياله في ظروف غامضة، وتولى أحمد الغشمي رئاسة الجمهورية، ولم تمض ثمانية أشهر حتى اغتيل هو الآخر بحقيبة مفخخة، وتولى عبد الكريم العرشي رئاسة البلاد موقتاً، وكان صالح في ظل كل هذه الأحداث الدراماتيكية يدب بهدوء على أرض أحلامه الشخصية، ونال إجماعاً بتسميته رئيساً للجمهورية العربية اليمنية، بعد أن انتخبه مجلس الرئاسة، الذي يتمتع بعضويته، فأصبح رئيس اليمن الشمالي والقائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية في ال17 من تموز (يوليو) 1978، برتبة مقدم. وأول قرار اتخذه صالح في ال10 من آب (أغسطس) 1978 هو إعدام ثلاثين شخصاً متهمين بالانقلاب على حكمه، فيما بدا وكأنها الطبخة التقليدية لتصفية الخصوم والمنافسين وامتلاك أزمة البلاد وأمورها. وقام بتأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي سيصبح القبضة المحكمة على اليمن، وتزامن مع سقوط الاتحاد السوفياتي ضعف موقف جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، فاتفق علي سالم البيض مع علي عبد الله صالح، بعد سنوات من المفاوضات على الاتحاد، واعتبار صالح رئيساً للجمهورية اليمنية، والبيض نائباً للرئيس. حكم التحالفات الهشّة بدأ صالح صياغة طريقة عمل تمكنه من الانفراد بحكم اليمن، يدفعه إلى ذلك طلب السلامة من غيلة الخصوم، الذين يتقافزون على حكم البلاد، وهو ما جعلها عرضة للانقلابات في كل مرة. أفضل طريقة بالنسبة إليه كانت اللعب على بناء وفك التحالفات، بحسب الظروف المتغيرة، فأول ما شرع فيه إضعاف القيادات الجنوبية وتهميشها، بحيث لا يكون للحزب الاشتراكي تأثير في البنية السياسية اليمنية، وسرعان ما اندلع خلاف بينهما، ما أدى إلى اندلاع حرب ضارية بين قوات الشمال والجنوب في 1994، انتهت بانتصار قوات الشمال، وانتخب صالح رئيساً لليمن عام 1999. وخلا له وجه اليمن السعيد، وبدأ في إعداد وصفة الحكم التليد، طبيعة البلاد القبلية ساعدته في حين، وكلفته في حين آخر إيجاد طريقة ما للتعامل مع كل هذه الشروط المختلفة لضمان استمراره حاكماً مطلقاً وأوحد لليمن الموحد. ولزيادة تحصين كرسي الحكم، ومواجهة كل النيات المتربصة به لإزاحته أو محاولة مشاركته في الحُكم، تخلص من قيادات في المؤسسة العسكرية لم تكن تُدين له بالولاء في بدايات حكمه، كما عزّز وضعه الداخلي بالاعتماد على العائلة والقبيلة، فباتت المؤسسة الأمنية والعسكرية حكراً على أفراد عائلته، وتولّى أقاربه المناصب الأساسية في قيادة الفرق الأساسية للجيش. ونجحت تقريباً وصفته للبقاء في رأس السلطة أكثر من ثلاثة عقود، تعامل خلالها بمنطق «حكم اليمن كالرقص على رؤوس الثعابين»، ولم يسلم من بعض التنازلات التي كانت تفرضها الأوضاع الاقتصادية الصعبة في بلده، والآثار الطبيعية للحكم المطلق، والظروف السياسية الساخنة التي كانت في محيطه العربي والإقليمي. واجه تحديات كبيرة بسبب احتدام الصراع على السلطة في البلاد من جانب الحوثيين في الشمال، والجنوبيين الذين يعتبرون أن الوحدة تمت على حسابهم، بجانب صعود تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ونشاطه في اليمن، ولكنه نجح في تحويل دفة الأمور لمصلحته. لم يكن اليمن فترة حكمه «سعيداً» كما يجري وصفه عادة، إذ انتشر الفساد في عهده، وصُنفت البلاد بأنها من أكثر دول العالم فساداً، وفق تقارير منظمات دولية. وقالت منظمة الشفافية الدولية إن قطاعات في الجيش ورجال أعمال سيطروا على الاقتصاد، وتورطوا في قضايا فساد عدة، وتذيلت اليمن قائمة منظمة الشفافية الدولية، وكان كل شيء في اليمن يوحي بالذبول، وكانت النتائج الطبيعية للحكم الديكتاتوري تظهر على وجه البلد المنكوب.