وزير الحرس الوطني يرعى حفل تخريج الدورة الخامسة من برنامج القيادة والأركان للعام 1445ه    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق متباينة    الأخضر تحت 23 يتغلب على كوريا الجنوبية بثنائية    السعودية والكويت.. رؤية واستدامة    «مسام» ينزع 5,726 لغماً وقذيفة غير منفجرة وعبوة ناسفة في شهر    وزير الحرس الوطني يرعى حفل تخريج الدورة الخامسة من برنامج القيادة والأركان    مانشيني يستبعد أيمن يحيى من معسكر الأخضر    هل وصلت رسالة الفراج ؟    فريق أكاديمية مهد يشارك في بطولة كارلوفي فاري بالتشيك    أحمد جميل ل«عكاظ»: ناظر قادر على إعادة توهج العميد    محاصرة سيارة إسعاف !    «التعليم» تحذر «الغشاشين»: «الصفر» في انتظاركم!    المثقف والمفكر والفيلسوف    الاغتيال المعنوي للمثقف    الاقتصاد لا الثقافة ما يُمكّن اللغة العربية خليجياً    سفير خادم الحرمين لدى كوت ديفوار: خدمة ضيوف الرحمن مبدأ ثابت في سياسة المملكة    "الحج والعمرة" تطلق Nusuk Wallet أول محفظة رقمية دولية لخدمة الحجاج والمعتمرين    أمير عسير يفتتح مقر" رعاية أسر الشهداء"    ولي العهد يهاتف الشيخ صباح الخالد مهنئاً    محافظ بيش يرأس لجنة السلامة المرورية الفرعية بالشخوص ميدانياً    الأمن الغذائي    أمير القصيم شهد توقيع الاتفاقية    خادم الحرمين يتلقى رسالتين من ملك الأردن والرئيس المصري    كأس أمم أوروبا 2024.. صراع كبار القارة يتجدد على ملاعب ألمانيا    رونالدو يتطلع لتعزيز أرقامه القياسية في يورو 2024    5441 منتجاً عقارياً على الخارطة    بدء رحلات «إيتا الإيطالية» إلى الرياض    ثمّن دعم القيادة للتطلعات العدلية.. الصمعاني:المملكة موطن للفرص والمهن القانونية    وزير العدل: دعم القيادة الرشيدة غير المحدود يضع على أفراد العدالة مسؤولية كبيرة لتحقيق التطلعات العدلية    محمد بن سلمان.. الجانب الآخر    منفذ حالة عمار يواصل خدماته لضيوف الرحمن    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية    محافظ جدة يكرّم المشاركين في" الاعتماد الصحي"    الحركة و التقدم    نهاية حزينة لحب بين جنية وإنسان    تكريم المُبدعين    «سناب شات» تضيف عدسات الواقع المعزز    خبراء أمميون يحثّون كافة الدول على الاعتراف بدولة فلسطين    القرار    السكر الحملى: العلاج    أكدت ضرورة أخذ التطعيمات.. إخصائية تغذية: هذه أبرز الأطعمة المفيدة للحوامل في الحج    اكتشاف أدمغة مقاومة ل" الزهايمر"    أمير حائل لمنظومة «الصحة»: قلّلوا نسبة الإحالات الطبية إلى خارج المنطقة    أمير تبوك يشيد بجهود الجوازات في منفذ حالة عمار    متعب بن مشعل يكرم الفائزين بجائزة "المواطنة المسؤولة" بالجوف    خمسة آلاف وظيفة نسائية «موسمية» بقطاع خدمات حجاج الخارج    الشورى يطالب بحماية المستهلك ومنع الممارسات الاحتكارية    تمديد «أوبك+» يدعم أسواق النفط    أمير قطر والرئيس الأمريكي يبحثان وقف إطلاق النار في غزة    الفريق اليحيى يقف على سير العمل بجوازات مطار المدينة ومنفذ حالة عمّار    واشنطن: مقترحات بايدن سُلّمت ل «حماس» الخميس.. والكرة في ملعبها    هل نتائج طلابنا تعكس وتمثل واقعهم المعرفي والمهاري فعلاً؟    القبض على شخصين لترويجهما 4000 قرص "إمفيتامين" بعسير    محافظ حفرالباطن يتفقد مدينة الحجاج بمنفذ الرقعي    كلوديا شينباوم أول زعيمة للمكسيك    تطهير المسجد النبوي وجنباته خمس مرات يومياً خلال موسم الحج    «العقار»: تراخيص جديدة للبيع على الخارطة ب 6 مليارات ريال    مستشفى أبها للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للتصلب اللويحي المتعدد"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرغيزستان: التوتر العرقي يجهِض مفاعيل الثورة... وعجز دولي عن المساعدة
نشر في الحياة يوم 17 - 04 - 2011

كان البازار الرئيسي في مدينة أوش مشهوراً في ما مضى كونه من أكثر الأسواق نشاطاً في آسيا الوسطى. إلا أن أجواء غريبة تطغى عليه في أيامنا هذه، إذ يمكن أن يرى المرء في أزقّته بائعين نابضين بالحياة، قدموا من أرجاء مختلفة من المنطقة لبيع أنواع الفاكهة والخضار التي ينتجونها. ويمكن العثور، على منصات أخرى، على أقمشة مستوردة من الصين المجاورة أو على سلع للمنازل من باكستان. إلا أن لا يسع أي زائر أن يتجاهل واقعاً يفيد بأن هذه المنصات قائمة بمعظمها في مقدم متاجر ومستودعات احترقت ولا تزال مدمرة. وفي أرجاء المدينة، يمكن العثور باستمرار على متاجر ومطاعم محروقة ومهجورة. ولا تكتفي هذه الأبنية بالتذكير بالعنف الذي طغى على هذه المدينة في حزيران (يونيو) 2010، إذ إن عدم المباشرة في ترميمها يعتبر شاهداً على أن مستويات التوتر لا تزال عالية بين المقاطعات الإدارية.
وتجدر الإشارة إلى أن التوتر والمنافسة بين أكبر مجموعتين في جنوب قرغيزستان، أي القرغيز والأوزبك، يسود منذ الاستقلال. وعلى مر عقود عدّة، تسببت المنافسة على الموارد النادرة، على غرار الأرض والمياه، بسلسلة من الحروب الصغيرة، ونتج عنها توتر عرقي. إلا أن ثورة نيسان (أبريل) في بشكيك وسلسلة الأحداث التي تلتها هي التي حوّلت التوتر السائد منذ وقت طويل إلى موجة من العنف بين الأعراق.
ولا يزال عدد من التحقيقات الوطنية والدولية مستمراً لمعرفة أسباب النزاع. إلا أن المنظمات غير الحكومية الدولية، على غرار «منظمة العفو الدولية» و «هيومن رايتس ووتش» نشرت تقارير توثّق كيف أن الشرطة والقضاء المؤلفَين حصرياً من العرق القرغيزي ضيّقا الخناق على أفراد ينتمون إلى العرق الأوزبكي. وعلى سبيل المثال، ومن بين أعداد لا تحصى من الدعاوى القضائية التي تنظر فيها محاكم أوش حالياً، فإن الدعاوى كافة رفعها أفراد من العرق القرغيزي ضد آخرين من العرق الأوزبكي. فضلاً عن ذلك، هناك حالات منتظمة تفيد بإقدام الشرطة على سوء معاملة الأقليات العرقية.
الأسباب المباشرة وغير المباشرة
بهدف فهم أعمال العنف التي شهدها عام 2010، يجدر التطلع إلى التوتر الذي كان سائداً في المنطقة، وإلى الشرارة التي ساهمت في إشعال الفتيل. وتقع أوش على الطرف الشرقي لوادي فرغانة، وهو عبارة عن أرض خصبة في آسيا الوسطى. وتحدّ المدينة سلسلة جبال عالية في الشرق، وحدود أوزبكستان في الغرب. ولطالما كان سكان أوش من الأكثرية التي تنتمي إلى العرق الأوزبكي، والتي سيطرت في شكل تقليدي على بازار أوش وعلى العمليات التجارية في المنطقة، وبقيت في الوقت نفسه تشتهر بعامليها الزراعيين. وكان التوتر سائداً بين الأعراق منذ أيام الاتحاد السوفياتي، ويعود السبب جزئياً إلى التزايد السكاني وإلى النزوح الداخلي للعرق القرغيزي الذي انتقل من القرى الجبلية إلى الوادي الخصب. وأدت سياسات الجنسيات التي اعتمدها السوفيات إلى نشوء هويات عرقية مناطقية، بعد أن حددت موطناً اسمياً لكل إدارة مناطقية. وتجدر الإشارة إلى أن العرق القرغيزي الذي نزح عن القرى الفقيرة قاصداً مقاطعة أوش تطلّع بحسد إلى المزارع الغنية التي يسيطر عليها الأوزبك الذين رسخوا مقامهم في المكان منذ وقت طويل. وفي تسعينات القرن العشرين (الأيام الأخيرة للنظام السوفياتي) سبق للمنافسة على الأرض في أوش أن تسببت باشتباكات بين الأعراق، وخصوصاً في مدينة أوزغين المجاورة، ما تسبّب بأكثر من ثلاثمئة ضحية.
وحاول أول رئيس لقرغيزستان المستقلة أن يدمل الجراح من طريق رفع شعارات على غرار «قرغيزستان موطن مشترك». إلا أن هذه الدولة الضعيفة والفقيرة، التي كانت تختبر إعادة هيكلة اقتصادية وسياسية، نقصتها القدرة على التطرق للأسباب الكامنة. وبقي التوتر قائماً، من دون أن تتمكن الدولة من معالجته.
شهدت قرغيزستان ثورتين، أولاهما في عام 2005، وأدت إلى الإطاحة بعسكر أكاييف، وتسلم كرمان بك بكاييف مقاليد السلطة، وهذا الأخير بقي صامداً طوال خمس سنوات قبل أن يطاح به، هو التالي، في ثورة عام 2010. وتسببت هاتان الثورتان بصراع عنيف على السلطة في أوساط النخبة، وبخلاف حول موضوع إعادة توزيع الأملاك في الجنوب. ويشار إلى أن قرغيزستان منقسمة جغرافياً إلى شمال وجنوب، وتضم أيضاً هويات إقليمية فرعية، مع الإشارة إلى أن بكاييف أتى من الجنوب، وعيّن أشخاصاً موالين له، وخصوصاً شقيقيه وأبناءه، في مناصب حيوية. وساهم بكاييف أيضاً في زيادة التوتر بين عرقي القرغيز والأوزبك في الشمال، خصوصاً في مسقط رأسه، جلال آباد، وفي محيطه.
وفي أعقاب الانتفاضة التي شهدتها بشكيك في 7 نيسان (أبريل) 2010، فر بكاييف من العاصمة بشكيك، قاصداً مسقط رأسه، جلال آباد. وحاول أن يجند مؤيدين له هناك، لكنه تصدى لقوى معارضة مؤلفة من مجموعة مختلطة تضم أفراداً من عرق الأوزبك مروا بمعاناة في ظل حكمه. وخلال هذه الأحداث، حصلت اشتباكات في أيار (مايو) في جلال آباد، تلاها إحراق المنزل العائلي لبكاييف، وتشير الافتراضات إلى أن مفتعلي الحريق هم مجموعة من المعارضين المنتمين إلى العرق الأوزبكي. وساهم هذا الحدث في نقل الصراع، بصورة رمزية، إلى مستوى جديد، من اعتباره منافسة على القوة في أوساط القرغيز إلى اعتباره صراعاً عرقياً. ولو طرح أحدهم في بشكيك سؤالاً عن سبب الصراع، لأجيب بأن «الأوزبك هم السبب». ولقالوا إن الأوزبك كانوا يستعدون للحرب منذ وقت طويل، إذ اشتروا الأسلحة والذخائر، وأرادوا إنشاء دولتهم الخاصة التي تتمتع باستقلال ذاتي. إلا أن إحدى الإجابات تشير إلى الاتجاه الصحيح، وفيها أن «الأمر كان أشبه بالصفعة. وما كان يُفترَض أن يتدخلوا في الصراع بين القرغيز». أي بمعنى آخر، لم يملك عرق الأوزبك الحق بالتدخل في الفسحة السياسية التي تعود للقرغيز على رغم كونهم مواطنين في قرغيزستان، لقد تخطوا الخطوط الحمر عندما شاركوا في الحرب ضد بكاييف، وهو أمر لا يمكن تقبّله.
العنف وتداعياته
عندما يسأل المرء مسؤولين قرغيزاً عن رد فعل المجتمع الدولي حيال العنف بين الأعراق، يجيبونه بصوت واحد: كانت للأجانب وجهة نظر منقوصة عن الأحداث ولم يفهموا ما حصل. حتى ان مسؤولاً قال: «يأتي أطراف دوليون إلى المكان لبضعة أيام، ويستمعون إلى المترجم الفوري أو السائق، ثم يرحلون». ويتهم هؤلاء المسؤولون الإعلام الدولي بتصوير الأقلية الأوزبكية في أوش على أنها ضحية العنف عندما – يزعمون أن - المنتسبين إلى العرق الأوزبكي تسببوا بالعنف منذ الأساس. ولكن عندما يسأل أحدهم إن كان قد حصل تغيير على مستوى التعاون الدولي أو الإغاثة الأجنبية، فيأتي الجواب بالنفي، ويقال إن العكس صحيح. حتى ان المساعدات الإنسانية المقدمة إلى قرغيزستان تزايدت منذ الأحداث. ولا يساعد هذا الوضع المتناقض على تمرير رسالة المجتمع الدولي إلى سلطات قرغيزستان، ومفادها أن هذه الأخيرة يجب أن تكف عن قمع شعب يُعتبَر ضحية منذ الأساس، وأن تعمل بدلاً من ذلك على إحقاق الحق معهم، ولو بصورة رمزية. وتشير الدراسات الدولية إلى أن نسبة تزيد عن التسعين في المئة من الضحايا تنتمي إلى عرق الأقلية (الأوزبك) الذين خسروا بدورهم كمّاً هائلاً من الأملاك.
ولم يساهم هذا العجز الدولي في مساعدة قلة من السياسيين القرغيز لربما تحلّت بالشجاعة الكافية للتصدي إلى موجة القومية القرغيزية المتصاعدة. وسبق للرئيسة روزا أوتونبايفا أن اعتمدت خطاباً مناهضاً للقومية، حتى أنها حاولت في آب (أغسطس) 2010 أن تطيح بمليس ميرزاكماتوف، رئيس البلدية القومي لمدينة أوش، إلا أن محاولتها باءت بالفشل بكل بساطة. واليوم، ما من شخصيات سياسية في قرغيزستان تجرؤ على قول الحقيقة، وخصوصاً عن الأوزبك في مدينة أوش وفي القرى المجاورة. وفي بلد يعتمد كثيراً على الإغاثة الدولية، قد يكون لقومية متصاعدة من هذا النوع تداعيات سلبية في المستقبل، مع أنه يبدو أن الأمر لا يزعج اليوم الجهات الواهبة الدولية.
وأخيراً، كان للأحداث وقع سلبي على منطقة تعتبر أصلاً فقيرة. وقد رحل من هم أكثر ثراء وأفضل تعليماً عن المنطقة، بحثاً عن الأمان في الخارج، ومن بينهم عائلات أوزبكية من المدينة. وإثر الأحداث، أغلقت أوزبكستان المجاورة حدودها «لأسباب أمنية» وهي تبقيها كذلك. ويعني ذلك أن الذين يرغبون في عبور الحدود أو في تمرير منتجات زراعية ومواشٍ عليهم أن يرشوا حرس الحدود على جانبيها، ما يصيب اقتصاد المنطقة بقدر أكبر من التوتر.
ثورة أم انهيار؟
تأتي الثورات من اليأس، إلا أن الإقدام عليها يتحوّل إلى مصدر أمل، إذ إن بداية جديدة تصبح ممكنة بفضل الإطاحة بالنظام القديم، ويصبح الأفضل في متناول اليد. وهذا ما حصل أيضاً في قرغيزستان في نيسان (أبريل) 2010، عندما تفاقمت حدّة التظاهرات التي حفّزها ارتفاع تكاليف الكهرباء والاتصالات وتسببت بالإطاحة بالطاغية الذي كان يحكم البلاد. ولكن بهدف ابتكار واقع جديد بعد التخلص من النظام الاستبدادي، يحتاج النظام إلى مجموعة قيم مختلفة في داخله، فضلاً عن تنظيم اجتماعي جديد لتولي القيادة. إلا أن تاريخ قرغيزستان الحديث يعلمنا أيضاً أن الثورات لا تنجح كلها في تحقيق ذلك. والواقع أن ثورة عام 2005 أدت إلى استبدال عسكر أكاييف بمن هو نسخة أسوأ منه، إذ لا يكتفي بأن يكون فاسداً وطاغية، بل إنه أيضاً مجرم.
تنجح ثورات أخرى في تدمير آلة القمع الحكومية لتكتشف أنها عاجزة عن استبدالها بأي خيار آخر، فتخفق وتتحوّل إلى وحدات فرعية ضمن المجتمع، تقوم مثلاً على هويات قبلية أو إقليمية أو مذهبية أو عرقية. وقد يتصوّر المرء أن هذه الحالة الأخيرة هي ما يحصل بالتحديد، عند مراجعة نتائج ثورة عام 2010 في قرغيزستان، من وجهة نظر مدينة أوش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.