هل يقصد بعض قنوات التلفزيون افتعال «شغب» ذاتي لصناعة حماسة عالية تجذب المشاهدين؟ وهل أصبحت «نسب المشاهدة» هي الشغل الشاغل للعديد من القنوات الخاصة؟ نذكر هنا برنامج قناة «القاهرة والناس»، «نفسنة» الذي أطلقته العام 2014 من تقديم ثلاث ممثلات. ولأنه عبارة عن مساحة زمنية مفتوحة في المساء لكل ما يخطر على بال الثلاث، فقد كان فرصة لأن تنطق كل منهن بما لا يمكنها أن تقوله في برامج أخرى. ومن هنا طفت أول أزمات البرنامج حين طالبت انتصار الشباب بأن يتحرر، مؤكدة أن الدخول على المواقع الإباحية ليس عيباً بالنسبة الى من يعانون من الكبت. وبالطبع قامت الدنيا ولم تقعد، وطالب بعضهم بالقصاص منها، ووصل الأمر إلى المطالبة بسجنها، أما هي فانسحبت لفترة حلّت فيها محلها أخرى، ثم عادت مع انسحاب أو خروج واحدة من الفريق ثم دخول فتاتين... وهكذا توالت عمليات الدخول والخروج من منصة التقديم مع احتفاظ البرنامج بطابعه الذي يجمع بين معظم ما يدور في جلسات الجنس الناعم من آراء واغتياب لأخريات وغضب وتعليقات على حوادث عامة وشخصية وهو ما جمعه في هذا العنوان «نفسنة». ولأن البرنامج كما يبدو حظي باهتمام شريحة لا بأس بها من المشاهدين دفعت مقدمات للتباهي بأنه البرنامج الأول من نوعه في مصر والعالم العربي، فقد ظهر على شاشة أخرى برنامج مماثل. القناة هي «دبي الأولى» التي تقدم برنامج «وشوشة شات» مع أربع نساء منهن اللبنانية والتونسية والخليجية في سجال قريب من «نفسنة». كما أن «القاهرة والناس» تقدم برنامجاً مماثلاً، هو رجالي هذه المرة، جمعت فيه بين مقدمَي برامج، أحدهما له خبرة سابقة ناجحة مع قناة «سي بي سي 2» التي أغلقت، وهو الإعلامي محمد علي خير الذي بدأ يقدم برنامجه هنا باسم «المصري أفندي». أما الثاني فهو اسم جديد على هذه الساحة وهو أحمد سالم الذي ظهر منذ عام في برنامج قصير يتحاور فيه مع نفسه، وحين ترك مقدم البرنامج الأهم في «القاهرة والناس» القناة وبرنامجه «القاهرة 360» ليذهب إلى شبكة «دي إم سي» الجديدة، لم يشأ مالك القناة إنهاء البرنامج وأحضر سالم ليقدمه، وحين لم يجد الصدى المطلوب دمج البرنامج مع البرنامج الجديد «المصري أفندي» ووضع العنوانين معاً في مساحة واحدة «المصري أفندي في القاهرة 360»، وقدمهما معاً على المنصة ذاتها. لكنّ الملاحظة الأولى هي أنهما غير متجانسين فكرياً، ولكن في حلقة السبت الماضي تطور عدم التجانس إلى خلاف معلن في الرأي، وإلى محاولة كل منهما دحض رأي الآخر أمام المشاهدين، على الهواء، وكان معهما ثالث، ليس ضيفاً لكنه مشارك في التقديم، ربما أحضره مالك القناة ليطفئ نيران الخلاف بينهما. وعلى رغم أهمية موضوع الجزء الأول من الحلقة والذي دار حول استمرار غلاء الأسعار على رغم هبوط الدولار، فإن الخلاف الحاد بين خير وسالم لم يتح للمشاهدين فرصة حقيقية للتعامل مع وجهة النظر في هذه القضية، بل إن انحياز بعض المتداخلين لرأي أحدهما قوبل بحدة من الثاني. وهو ما يضيف علامات استفهام حول هذا الأسلوب الجديد في تسيير البرنامج. وهل أصبح على المشاهد أن يتلقى اختلافات مقدمي البرامج ويحلها، أم إن مالك القناة يقصد خلق صراع أمام الشاشة وخلفها لاجتذاب مزيد من المشاهدين وبالتالي الإعلانات؟ وما قيمة كل لوائح العمل الإعلامي هنا بعد أن تحول مقدمو البرامج الى أصحاب الرأي الأول والآخر ما دام بإمكانهم طرح وجهات نظرهم، والخناق عليها، واستخدام المشاهدين كشهود؟