تخيّل نفسك تتعرض لحصار حول مقر عملك يقف فيه جيش من المسلحين ليدققوا في أمرك، وهل يمكن أن يسمحوا لك بالدخول أم لا، وحين تفكر في عدم الوقوف لهم يمكنك أن تتلقى الضربات على أبواب السيارة أو زجاجها حتى تخرج... أو تفلت بعيداً. هكذا كان موقف الإعلاميين أمام مدينة الانتاج المصرية، خصوصاً بعد أحداث موقعة مقر «جماعة الإخوان» التي سالت فيها دماء كثيرة. كان الموقف يخص هؤلاء الذين يبثون إلينا كل جديد، لكنهم ما إن شعروا بالخطر حتى وجدوا أنفسهم وسط المجهول «المعلوم»، أي جماعة «الإخوان»، فلا شيء يؤمنهم والرئيس مرسي نفسه يخطب في مؤتمر من دون أن يتعرض لقطاع الطرق على الإعلاميين، بل وجدها فرصة للتشديد على الغضب منهم وتحذيرهم. في هذه الساعات لخص برنامج «بلدنا بالمصري» على قناة «أون» الموقف، وتمكنت مقدمته ريم ماجد ببراعة كبيرة من ضبط انفعالاتها وهي توقف صراع ضيفيها، جمال عيد رئيس الشبكة العربية لحقوق الإنسان، ومحمد علي ضيف عضو لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى عن حزب «الخضر»، والذي كان متحفزاً ضد الإعلام ومطالباً بفحص تجاوزاته في حق الأمن القومي المصري. بينما ثار زميله على هذا الطرح... وعلى رغم سخونة الحوار، إلا أن توالي المداخلات أضاف الكثير عبر شهادات مثل شهادة نقيب الصحافيين الجديد ضياء رشوان الذي منعه المحاصرون للمدينة من دخولها والحلول ضيفاً على عمرو أديب. قال رشوان أنها فضيحة على الهواء يراها العالم كله لمدينة اقتصادية إعلامية كبرى أحاطها البلطجية وتركتها الداخلية «أمانة» بين أيديهم! وأيضاً جاءت شهادة رئيس الحزب «الديموقراطي» الاجتماعي يحكي فيها قصة خروجه سالماً من المدينة بفضل براعة سائقه وذكائه. ومضت مقدمة «بلدنا بالمصري» تتلقى المداخلات من زملائها حول ما تعرضوا له وبطولاتهم في البحث عن الأبواب المغلقة في «ذيل» المدينة البعيد، ثم لباب ملاهي «ماجيك لاند»، أو باب فندق «موفنبيك»، وكأننا في بلاد من تلك التي تحكي عنها الاساطير ويدور الصراع فيها بين قوى خرافية. لكنها هنا ليست خرافية ولا أسطورية وإنما قوة سياسية تريد استلام البلد مشفية، أي من دون ناسها وشعبها وإعلامييها وكل ما يعكر صفو جماعة سياسية اعتقدت بأن ما عداها من بشر هم ديكور. وكم كان البرنامج في هذه الليلة القريبة معبّراً عن الرعب الحقيقي لدى الإعلاميين مما ينتظرهم على الأبواب من رجال مسلحين بأسلحة قدمتها الصورة للمشاهد، لكن رعب الصوت والنفس اقوى من صورة السلاح... وربما كان لسان حال البرنامج ومقدمته والقناة هو الاستنجاد بالمشاهد والتوثيق لما حدث أو قد يحدث في أية لحظة وإبلاغه بأن عليه – أي هذا المشاهد – أن يدرك أن المخاطر تمس الجميع، وحين يجيء «الزجل»، فإن عليه أن يترحم على مذيعه المفضل... وينسى أخطاءه.