منذ ثلاثة عقود تقريباً، تغيرت الأشكال والقواعد والطرق والأساليب التي تُشكّل وتُنتج الإعلام بمختلف ألوانه ومستوياته، التقليدية والعصرية على حدٍ سواء. لم تعد المصادر والمراجع المعلوماتية التي تُستقى منها الأخبار والأفكار والثقافات والقناعات والعلوم والآداب والفنون وغيرها من المجالات والتخصصات هي نفسها التي كانت في العقود السابقة، لم تعد كذلك، بل صدّر المشهد الجديد الكثير من الأشكال والنماذج الحديثة التي أصبحت هي من تجذب وتؤثر في المجتمع بكل فئاته وشرائحه، بل وفي نخبه ومؤثريه. كانت القراءة هي المصدر الأهم والأعمق للحصول على الأفكار والمعلومات، حيث كانت الصحف والمجلات والكتب والموسوعات، إضافة إلى المصادر التقليدية الأخرى كالتلفزيونات والإذاعات، هي المصادر المهمة والرصينة للمعرفة والمعلومة. تلك هي المنابع/ المصادر الأساسية التي كانت توفر البيانات والمعلومات، وقد استمرت لعقود طويلة، ولكنها الآن لم تعد كذلك، فمنذ ثلاثة عقود تقريباً، بدأت مرحلة جديدة حطمت وغيرت كل القواعد والأطر التقليدية، ليبدأ عصر جديد هو أشبه بشبكة عالمية للمعلومات البشرية، يُصيغها ويتداولها كل البشر بمختلف ثقافاتهم وإمكانياتهم. نحن نعيش الآن عصر المحتوى الرقمي الذي أصبح يُسيطر على كل مفاصل/ تفاصيل الحياة، الصغيرة والكبيرة، لقد انحسر وتراجع دور الوسائل والمصادر المعلوماتية التقليدية، وأصبحت المواقع/ الشبكات الإلكترونية هي الأكثر استخداماً وانتشاراً وتأثيراً، وبمجرد ضغطة زر تتدفق المعلومات والبيانات، تماماً كما لو كانت منسابة من فانوس علاء الدين مصدر الحكايات والمعجزات. مع بداية الألفية الثالثة، سيطر الإعلام الجديد بكل وسائله ووسائطه على واقع وطبيعة الحياة، وأصبح هو من يقود فكر ومزاج الأفراد والمجموعات، الإعلام الجديد، خاصة شبكاته الاجتماعية والتي يقودها إكس وفيسبوك وإنستغرام وسناب شات، هو الأكثر جذباً وتأثيراً في قناعة وسلوك البشر، وهنا تكمن الخطورة وتتعاظم المشكلة، ففضاء مفتوح كهذا على كافة الصعد والمستويات، وبلا ضوابط وقوانين ثابتة وواضحة، ويملك قدرة فائقة على تدفق الأخبار والأفكار والمعلومات، يُعتبر هو التحدي الأكبر لكل المجتمعات والشعوب والأمم. نعم، هناك الكثير من المخاطر والتحديات التي تُفرزها وتُنتجها مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنها "سلاح ذو حدين" كطبيعة كل الأفكار والأشياء، فكما هي وسيلة رائعة لنقل وتبادل المنافع والخبرات والأفكار والثقافات والقصص، هي أيضاً تُمارس الخداع والتضليل وتُروج الإشاعات والأكاذيب. وهنا يقفز هذا السؤال: هل ستصمد وتستمر مواقع التواصل الاجتماعي وكل أشكال الإعلام الجديد أمام التحولات والتحديثات اللحظية التي تنتجها التقنيات الحديثة بكل أشكالها وشبكاتها أم سيشهد العالم قريباً ظهور أشكال ونماذج ومنصات أخرى؟