كان أول لقاء له مع حبوب» أم قوسين» على مشارف الامتحان، بناء على نصيحة زميل أكد له أنها تنشط، وتزيد القدرة على التركيز، وأن لا ضرر منها، ولا تسبب الإدمان. واظب على أخذ الحبوب طيلة أيام الامتحان، لكنه بعيد الانتهاء منه حاول أن يتركها. لكن عبثاً، فقد وجد نفسه لا يستطيع الاستغناء عنها، بل أخذ يبلع المزيد منها. مضت أشهر وهو مثابر على تناول حبوب «أم قوسين»، فكانت الخاتمة مأسوية، اذ وجد نفسه في المستشفى وفي العناية المشددة إثر تعرضه لاضطراب في نظم القلب كاد يودي به لو لم يتم إسعافه على عجل. «أم قوسين» هو الاسم العامي الذي يطلق على حبوب «كبتاغون» التي تعد نوعاً من أشهر المخدرات المنتشرة في العالم، خصوصاً بين الشبان الذين يتناولونها على أساس أنها حبوب منشطة، لكن سرعان ما يجدون أنفسهم في ورطة كبيرة هي فخ الإدمان. واسم «أم قوسين» (لأنه يوجد قوسان صغيران على أحد وجهي الحبة) واحد من بين أسماء ترويجية كثيرة تسهل تداول حبوب الكبتاغون، من أشهرها البنفسجي، الليموني، النووي، الشبح، عين الدب، القشطة، أبو مسحة، أبو ريحة، البرتقالة، الفلوجة، الترابية، الرمادية، حلاوة، داتسون، أبو ملف، طباشير وغيرها. ويسميها البعض كبتي تصغيراً لكلمة كبتاغون. أما في البلدان الغربية فيطلقون عليها اسم اكتازي. ويتعاطى الذكور حبوب الكبتاغون أكثر بكثير من الإناث. وهناك عوامل تقود الى الإدمان، مثل التدخين، واضطرابات الشخصية، والتفكك الأسري، وشرب الكحوليات، وفقدان الأحبة، والفراغ، والفشل في الحب أو في الدراسة، وقلة الوعي، ولا يجب إغفال رفاق السوء الذين غالباً ما يكونون أصل البلية. إن حبوب الكبتاغون تؤثر في خلايا المخ مباشرة، إذ تسبب زيادة في إفراز النواقل العصبية الدماغية، فيشعر الشخص المتعاطي بنوع من الطاقة والنشاط والمقدرة على السهر ومقاومة التعب، لكن هذه المميزات تتلاشى مع الجرعات البسيطة فيضطر الشخص الى زيادة الجرعات للحصول عليها ما يوقع صاحبها في مكمن الإدمان لتظهر الآثار الجانبية الخطيرة التي لا ترحم، وكلما زادت مدة التعاطي والجرعات كانت العواقب خطيرة للغاية. إن الترويج لحبوب الكبتاغون بأنها تسبب النشوة في النفس، وتساعد على تجاوز المشكلات الحياتية، وتحفّز الذاكرة، وتضاعف القدرة على النشاط والعمل، وتقود الى الإبداع والتميز في أقل وقت ومن دون تعب، سرعان ما يتبين أنه دعاية باطلة نظراً الى الأضرار الصحية الكثيرة التي تجرها هذه الحبوب على المدمنين عليها والتي أثبتتها البحوث وليست من نسج الخيال، وتضم هذه الأضرار: - الشعور بالإحباط والكآبة وقلة الثقة بالنفس. - الهلوسات السمعية والبصرية. - البكاء من دون مبرر. - كثرة السرَحان والشرود الذهني والنسيان. - العدوانية التي تتحول بلاء على المدمن وكل من حوله. - الشك الدائم في الغير، ما قد يفضي الى العزلة عن الآخرين. - ارتعاش اليدين. - نوبات النوم المفاجئ. - النفور من الأصوات والأضواء بطريقة غريبة. - تدهور الصحة العامة نتيجة قلة النوم لفترات طويلة. - ارتفاع ضغط الدم، وزيادة دقات القلب، وضيق التنفس. - التهاب العضلة القلبية الحاد الذي يمكن أن ينتهي بالفشل. - تضيّق شرايين القلب والجلطات المفاجئة وظهور خلل في عمل الصمامات القلبية. - فقدان الشهية على الأكل وفقر الدم وسوء التغذية. - البرود الجنسي. - ضمور المخيخ والجهاز العصبي. - القيام بأفعال من دون وعي ولا إدراك. - الميل الى الانتحار. لكن كيف يمكن التعرف إلى الشخص الذي يتعاطى الكبتاغون؟ لا توجد علامات ثابتة للتعاطي، انما يجب الشك فيه عند كثرة مشاهدة صك الأسنان ببعضها البعض، وكثرة الحركة والكلام، وكثرة إخراج اللسان لترطيب الشفتين، وكثرة حك الأنف، وكثرة التعرق، وكثرة الشكوك، وكثرة السهر، واحمرار العينين، والتبدل المتناقض في السلوكيات. هل يمكن التعافي من إدمان الكبتاغون؟ إن التعافي من الإدمان على حبوب الكبتاغون ممكن ذاتياً شرط أن يتوافر عامل الإرادة القوية الذي يلعب الدور الحاسم، أما إذا لم يوجد هذا العامل فإن اللجوء الى المستشفيات والمصحات المتخصصة يصبح الحل الأفضل، خصوصاً أن بداية الطلاق مع الحبوب لن تكون سهلة، وتتزامن عادة مع مظاهر مزعجة، كالقلق، والتعب، والضعف المستمر، وعدم الراحة، والآلام الشديدة في العظام، والصداع، وقلة النوم، ونقص الشهية، والنرفزة، وكثرة الأحلام السيئة، وكثرة فرك الأنف، وارتفاع ضغط الدم، والضحك والبكاء من دون سبب، وبرودة اليدين، وتوسع حدقة العين، والحكة الجلدية، وكثرة التعرق. في المختصر، إن حبوب الكبتاعون قد تمد صاحبها ببعض الطاقة، ولكن المتعاطي، الذي يكون في كامل عقله في البداية، يجد نفسه، يوماً بعد يوم، مضطراً لتناول جرعات كبيرة تقود الى فقدان العقل حتماً، وربما الى الموت.