لا ترم كنزك: الموظفون القدامى وتشكيل النجاح    ضبط مقيمَين من الجنسية التشادية في بحرة لترويجهما الكوكايين    47 ألف بلاغ إسعافي بالشرقية    ترسيخ الاعتدال ومحاربة التطرف    676 مستفيدا من الاستشاري الزائر بصامطة    وفاة الأمير الوليد بن خالد بن طلال بعد غيبوبة استمرت 20 عاما    الديوان الملكي: وفاة الأمير الوليد بن خالد بن طلال بن عبدالعزيز    وفاة الوليد بن خالد بن طلال بعد معاناة مع المرض    الذئاب يستعيد مدربه    بدء القبول في المعاهد الصناعية والدبلوم المسائي بالرياض    برشلونة يتعاقد مع ماركوس راشفورد بنظام الإعارة    تين هاغ غير منزعج رغم خسارة ليفركوزن بخماسية وديا    تير شتيغن سيخضع لجراحة في الظهر مما يهدد مصيره مع برشلونة    روسيا: أوكرانيا خسرت أكثر من 1195 جنديا خلال يوم واحد    ترمب يقاضي مردوخ ويطالبه ب 10 مليارات دولار    رغم إعلان وقف إطلاق النار.. خروقات في السويداء وعدد القتلى يرتفع إلى 940    أمير منطقة جازان يفتتح مبنى فرع وزارة "الموارد البشرية"    حسام حبيب: السعودية أصبحت مركزا فنيا عالميا    السعودية تُرحب بالتوقيع على إعلان مبادئ بين الكونغو وتحالف نهر الكونغو    جمعية نجوم السياحة بمنطقة جازان تشارك في فعالية "ثقف" بنسختها الثالثة    514 مليار ريال الصادرات غير النفطية السعودية في 2024    مجلس الجمعيات الأهلية بجازان ينفذ لقاء التواصل الثالث مع ممثلي الجمعيات بالمنطقة    مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع مساعدات غذائية وإيوائية للنازحين من محافظة السويداء إلى محافظة درعا    الأونروا: لدينا غذاء يكفي غزة لثلاثة أشهر لكنه عالق بسبب إغلاق إسرائيل المعابر    المملكة تحصد 7 جوائز دولية في الرياضيات والمعلوماتية    صدور قرار تقاعد مدير مكتب التعليم بطريب والعرين الأستاذ حسين آل عادي    رياح نشطة وأتربة مثارة في عدة مناطق    الداخلية : ضبط (23167) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    حرائق الغابات تلتهم 6 ملايين هكتار في كندا حتى الآن    الاتحاد يضم الغامدي حتى 2023    بوصلة إيزاك تتحول من ليفربول إلى الهلال    الفريق الفتحاوي يواصل تدريباته بحضور رئيس النادي    تراجع أسعار النفط    الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    أمير الشرقية يدشّن المخطط العام لمطار الملك فهد الدولي... الأحد    إدارة "النصر"تعيّن البرتغالي"خوسيه سيميدو"رئسياً تنفيذياً    "وِرث" و"السودة للتطوير" تطلقان برنامجًا تدريبيًّا لفن القط العسيري    1.9 مليون مصلٍ بالروضة الشريفة وأكثر من 3.4 مليون زائر للنبي صلى الله عليه وسلم    حسين آل الشيخ: النميمة تفسد الإخاء وتورث العداوة    المعيقلي: «لا حول ولا قوة إلا بالله» كنز من كنوز الجنة    أبعاد الاستشراق المختص بالإسلاميات هامشية مزدوجة    إنقاذ مريضة تسعينية بتقنية متقدمة في مركز صحة القلب بمدينة الملك سعود الطبية    جراحة تنهي معاناة مريضة من آلام مزمنة في الوجه والبلع استمرت لسنوات ب"سعود الطبية"    تجمع مكة الصحي يفعّل خدمة فحص ما قبل الزواج بمركز صحي العوالي    اختتام أعمال الإجتماع الأول للجان الفرعية ببرنامج الجبيل مدينة صحية    خارطة لزيادة الاهتمام بالكاريكاتير    جامعة الإمام عبد الرحمن تختتم فعاليات برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي    (إثراء) يعلن عن فوز 4 فرق في المنافسة الوطنية لسباق STEM السعودية    برنامج تطوير الثروة الحيوانية والسمكية يعلن توطين تقنية «فيچ قارد»    المملكة تعزي العراق قيادة وحكومة وشعبًا في ضحايا «حريق الكوت»    أمير منطقة جازان يستقبل وكيل الإمارة والوكلاء المساعدين الجدد    وزارة الحج والعمرة تكرم عمر بالبيد    إسرائيل تكثّف ضرباتها على سوريا رغم تعهدات التهدئة.. اشتباكات دامية في السويداء والجيش يفرض السيطرة    20 قتيلاً.. وتصعيد إنساني خطير في غزة.. مجزرة إسرائيلية في خان يونس    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة غربة
نشر في الحياة يوم 24 - 03 - 2009

في الخامسة صباحاً باءت محاولاتي في علاج ريم بالفشل، وكان لابد من التصرف، فمنذ الثالثة والبنت لم تتوقف عن الكحة والحشرجة والقيء، صعوبة شديدة في التنفس وتوتر وميل إلى الزرقة والاختناق. ذهبت لإيقاظ محمود وهي على كتفي، وقلت: لا بد من الذهاب إلى مستشفى. رد بهدوء ويقظة كاملة، وقال إنه لا يعرف مستشفيات هنا، «شوفي إنت وأنا أوصلكم».
كنت أعرف أنه يتساخف، لكنه لم يكن هناك وقت للنقاش، فأنا التي جئت إلى تورونتو قبل ثلاثة أشهر لن أعرف أفضل من الذي عاش فيها ثماني سنوات. ولم يكن أمامي سوى الدليل التجاري للتعرف على الخدمات مثل المستشفيات والصيدليات القريبة. بحثت عن مستشفى الحي الذي نقطنه SCARBOROUGH واتصلت به، فرد عليّ صوت رجالي هادئ. بدأتُ مضطربة بجملة أملتها علي الضرورة «I AM A NEW COMER». تلك الجملة جعلت محدثي يتكلم ببطء، ويكرر ما يقوله، ويستمع لأسئلتي التي تبدو للآخرين بديهية، ولكنها تمثل لي معضلة كوني غريبة. كانت ريم تحشرج وتحاول التنفس، فسألني عن عنواني، ثم قال إن مستشفاه بعيد نسبياً، والبنت فيما يبدو متعبة، والأفضل الاتصال بخط الصحة الساخن - أملاه عليّ - حيث المسؤول عنه ممرض مختص - سيوجهني لأقرب مستشفى.
اتصلت بالخط الساخن - الذي أصبح في ما بعد ونيسي في ليالي مرض ريم - ردّ علي صوت رجالي مهذب ومتيقظ:
- Mike speaking, may I help you؟
تلك العبارة التي وجدتها تتكرر كثيراً هنا. في كل مكان في المحلات، في المكتبات، وعلى الهاتف عند الاستفسار عن شيء. يعرِّف مقدم الخدمة نفسه، ثم يسأل كيف يساعدني؟ شرحت له حالة ريم، فوصف لي مكان أقرب مستشفى، وكيف أصل إلى باب الطوارئ. وسألني أسئلة عدة بدت لي مغدقة بالإنسانية. سألني هل سأذهب وحدي؟ وهل لديّ أطفال آخرون سأضطر لتركهم وحدهم؟ وهل معي نقود؟ ثم أوصاني ألا أنسى «بطاقة التأمين الصحي وأدوية ريم». شكرته بحرارة وامتنان، لكنه أكد أن هذا عمله.
لم يكن المستشفى فخماً كما تصورت، لكنه كان متسعاً ونظيفاً. حين دخلت الطوارئ كانت في ذهني صورة مسلسل ER لستيفن سبيلبيرغ، حيث الأطباء يهرولون هنا وهناك، والخدمة الطبية تقدم فور وصول المريض. على العكس، استقبلونا بهدوء شديد معتبرين الحالة مجرد ضيق بسيط في التنفس في حاجة إلى «ماسك اوكسيجين وفنتولين».
كان الطبيب هادئاً، وبدأ يشرح لي حالة ريم - التي أعرفها جيداً - ببطء شديد. في هذه الأثناء وضعت لها الممرضة قناعاً ليساعدها على التنفس. الممرضة شقراء لطيفة ولكنها جادة. عرفت نفسها باسم «جين» خطيبة «طرزان» كرتون ريم المفضل، التي ضحكت كثيراً. ريم لا تخاف المستشفيات أو الحقن بل تعتبرها أشياء جديدة للفرجة. لم تبكِِ أو تشكو فهنأتها جين على شجاعتها.
انشغلت مع ريم والممرضة فلم ألحظ غياب محمود. أوصلنا إلى باب الطوارئ وذهب ليركن السيارة، لكنه غاب، وحين دخل متجهم الوجه، سأل عن الحالة، فأخبرته أنهم سيحتجزونها حتى الصباح، وسألته أين كان هذه المدة، فقال أنه كان بالخارج يشرب القهوة ويدخن لأنه يعاني صداعاً، ثم ترك لي أجرة التاكسي ومضى.
هدأت نوبات الكحة فنامت ريم. جلستُ على مقعد بجانب فراشها وغفوت. في السابعة، أيقظتني جين، وناولتني صينية إفطار ريم التي لم تتناول غير الحليب، بينما أكلتُ الكيك وشربت القهوة التي يوزعونها على المرافقين. في التاسعة، أتى الطبيب وأمر برفع «الماسك» فعادت نوبات الكحة. شرح لي، أنه لسوء الحظ لن يستطيع وضع «ماسك الفنتولين» أكثر من ذلك لأنه يضر القلب، وأنه لسوء الحظ أيضاً فإن أدوية الكحة غير مسموح بها لمرضى Asthma. ضايقتني جمله التي كانت تبدأ ب لسوء الحظ Unfortunately، وشكوت له من عدم قدرتها على الأكل أو الشرب. فقال أن الماء كاف حتى تتحسن، والأفضل أن تستخدم الماصة. تحدث الطبيب بلهجة بريطانية فبدا كممثلي مسرحيات شكسبير، وكان يشبههم بوجهه المشرب بحمرة، وشعره الفضي.
لم أجد فائدة من المناقشة فأعددت ريم للرحيل. سألتني جين عن زوجي، فقلت إنه ذهب ليستريح، وقلت إنني سآخذ تاكسي، فرفعت سماعة تليفون بالمستشفى فجاء تاكسي ليقلنا إلى البيت.
بينما جلست ريم سعيدة تلعب بعرائسها في غرفة المعيشة، كان محمود لا يزال نائماً، فذهبت إلى حجرتي وفتحت الدليل التجاري ودليل التليفون. صرت أقضي وقتاً طويلاً في القراءة ومحاولة التعرف على الحياة في تورنتو، ونظام العلاج على وجه الخصوص. كنت أقرأ وأنا أبكي تحسباً لمزيد من الوحدة والبرودة التي بدا أنها لن تزول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.