الكثير منا يحمّل التجّار ومربي الماشية ووزارة التجارة والزراعة مسؤولية ارتفاع أسعار اللحوم في السعودية ووصولها لهذا المستوى ، الذبيحة التي كان سعرها لا يتجاوز 400 ريال قبل 10 سنوات أصبحت اليوم ب 1500 ريال كحد أدنى ، مع أن الحقيقة أن المستهلك هو المسؤول بالدرجة الأولى والثانية وحتى العاشرة ، فالنمط الاستهلاكي الذي جعلناه يتحكم في تقديرنا للأمور هو ما يدفع الأسعار لهذه التضخمات المتتالية ،والتي إن بقي هذا النمط الاستهلاكي فلن تتوقف عند هذا الحد . نشرت وزارة الزراعة في مجلتها الدورية بأن عدد المواشي التي تم استيرادها لغرض الذبح خلال عام 1433ه بلغت نحو 8 ملايين رأس ، بزيادة قالت إنها بلغت 25% عن العام الذي قبله ، ومن خلال تصريح أحد مسؤولي الغرفة التجارية بجدة في جريدة المدينة الذي يقول إن الانتاج المحلي لمواشي الذبح لم يتجاوز 40% نستنتج أن إجمالي المعروض العام (المستورد والمحلي) في حدود 13 مليون رأس ، طبعاً نحو 2.5 مليون منها هي أضاحي للحجاج يجب استبعادها ، يتبقى نحو 10 ملايين رأس يفترض أنه يغطي حاجة الاستهلاك الاجتماعي ، حسناً لنضع هذا الرقم في مخيلتنا ونتأمل استهلاك الأسر السعودية للحوم الحمراء ، بالاعتماد طبعاً على معرفتنا بعادتنا الاستهلاكية فقط . بعض الأسر السعودية ( ولا أقول معظمها ) تشتري عادة كل شهر ذبيحة .. تعرف بذبيحة الثلاجة ، وهذا يعني أنها سنوياً تستهلك 12 ذبيحة لوحدها ، فلو قلنا أن لدينا مليون أسرة من إجمالي عام يقدر بنحو 6 ملايين أسرة تنتهج هذا النمط الاستهلاكي فسنصل إلى ما يعادل 12 مليون ذبيحة للثلاجة فقط ، أي أعلى من معدل الانتاج المحلي والمستورد من المواشي معاً , هذا لسدس الأسر فقط .. إذ لم نحسب بقية الأسر السعودية وغير السعودية فهل يعد هذا النمط الاستهلاكي متوازناً مع المعروض العام أعلاه ؟ ..طيب تعالوا نأتي للمسألة من جهة أخرى غير جهة ذبيحة الثلاجة ، ما رأيكم بمطابخ الولائم في موسم الصيف فقط ؟. في إحدى المحافظات بمنطقة عسير سألت أحد ملاك المطابخ وقلت كم تذبحون تقريباً في اليوم خلال موسم الإجازة الصيفية فقط ؟ لن تصدقوا الرقم .. ( 120 ) رأساً يومياً !! وللتنويه هذا المطبخ صغير ولا يقارن بأصغر مطبخ في الرياض مثلاً ، لكن مع هذا سنتجاوز مسألة الحجم ونقول إن جميع المطابخ في السعودية بهذا المعدل ، وموسم الصيف طبعاً 90 يوماً فقط .. ما يعني أن هذا المطبخ يستهلك وحده نحو 11 ألف ذبيحة . فإذا اعتبرنا أن في المحافظة نحو (10 ) مطابخ مثله كحد أدنى فسيقفز الرقم لأكثر من 100 ألف رأس. ولو افترضنا أن عدد محافظات عسير هي 10 محافظات - مع أنها أكثر من 15 محافظة- فسنصل لنحو مليون رأس !! ولو افترضنا أن مناطق المملكة جميعها متطابقة مع منطقة عسير في تعداد السكان وتعداد المحافظات - وهذا مستحيل طبعاً .. فمحافظات الرياض وحدها ذات التصنيف ( أ ) تتجاوز 20 محافظة - لأصبح مجموع ما يذبح في إجازة الصيف لقصور الأفراح وحدها نحو ( 14 مليون ) رأس ، ناهيكم عن المراكز والقرى التي تجاوزناها .. فهل هذا متوازن مع المعروض؟. الخلاصة .. هلاكنا يكمن في نمط استهلاكنا ، حقيقة يجب أن يعيها كل فرد منا ، فثقافة المفطحات وذبيحة الضيف وذبيحة الثلاجة وذبيحة الكشتة علاوة على ذبيحة العيد والتمائم ونحوها لن تترك للسوق فرصة ليتنفس ،ولن تنخفض الأسعار حتى ولو جلبنا كل مواشي الدنيا ، الحل هو أن نعود أنفسنا على نمط استهلاكي معقول .. يحقق لنا حاجتنا من اللحوم ويحفظ في ذات الوقت استقرار السوق ..لكن السؤال كيف ؟ سأترك لكم الإجابة .. أما أنا فمعزوم هذا المساء على ذبيحة.