- الرأي - خلود النبهان - جازان : تُسلّط صحيفة " الرأي " الضوء على أحد أهم رموز الزينة التي تميز المرأة الجازانية، وذلك في تقرير خاص. رافقنا في هذا العمل الباحثة في موروث المنطقة الأستاذة آمال أبو طالب – من محافظة صامطة – التي قدّمت قراءة معمّقة ل"الحُسْن" و"دوكات البندقية". وقد شرحت كيف حافظت هذه التفاصيل على حضورها في ذاكرة المجتمع الجازاني عبر الأجيال، لتبقى شاهدًا على أصالة المكان وتاريخ الفرح الجازاني. يُعدّ "الحُسْن" واحدًا من أبرز رموز الزينة التراثية في منطقة جازان، وركنًا أساسيًا من مظاهر الفرح التي توارثتها الأجيال عبر مئات السنين. فهو ليس مجرد مسحوق أحمر يزيّن شعر العروس، بل علامة اجتماعية وثقافية تُعلن بداية "العضية" وانطلاق أولى أيام العرس. يُحضَّر "الحُسْن" من حجر أحمر يشبه حجر الكحل، يُطحن بعناية وتُضاف إليه العطور ليصبح جاهزًا للزينة. عندما يحين يوم "العضية"، يتهيأ "الحُسْن" والظفر والطيب والنباتات العطرية، فيتحوّل البيت إلى مسرح فرح تملؤه الأهازيج. وتبرز براعة إعداد "الحُسْن" حسب مهارة تلك التي تقوم بطحنه وتجهيزه، حتى يصبح ناعمًا كالحرير ويُزيّن به شعر العروس. والحُسْن ليس حكرًا على الأعراس فحسب، بل يُستعمل في الأعياد أيضًا؛ ففي ليلة العيد تتزيّن الفتيات جميعهن ب"الحُسْن" في شعورهن، ليصبح العيد لوحة من الألوان والعبق. وكانت كبيرات السن يمتنعن عن وضع "الحُسْن"، ليبقى رمزًا للشباب والحيوية. بعد تزيين الشعر بالحُسْن، كان يوضع "الشماس أو المحفّ" أولاً، وهو عبارة عن ثلاثة صفوف من دوكات البندقية تثبّت بعناية على قطعة من القماش وتربط على مقدمة الرأس استعدادًا لليلة الزفاف. تقول الباحثة آمال أبو طالب ل"صحيفة الرأي": "كانت دوكات البندقية تسمى في الجزيرة العربية المشاخص، ومفردها مشخص، ووردت في عدد من الوثائق التاريخية بهذا الاسم، مما يدل على عمق حضورها في الذاكرة المحلية." دوكات البندقية هي عملات ذهبية أصيلة من مدينة البندقية في إيطاليا، تميزت بنقاوة ذهبها وثبات وزنها. انتشرت من أسواق إيطاليا إلى حوض البحر الأبيض المتوسط ثم إلى موانئ الجزيرة العربية، وكان ميناء جازان – بموقعه الاستراتيجي على البحر الأحمر – محطة رئيسية لعبور القوافل البحرية والتبادل التجاري، مما جعل هذه العملات تصل إلى بيوت أهل المنطقة. وبعد "الشماس أو المحفّ"، كان يوضع على الشعر "المصرّ الترتر"، وهو قطعة فاخرة تُستورد من عدن، ولا يقتنيه إلا بعض الأسر الميسورة لصعوبة ومشقة الحصول عليه. كان "المصرّ الترتر" يضيف للشعر لمعة خاصة ويحوّله إلى لوحة متلألئة في أجواء الليل، مكتملًا مشهد الزينة قبل أن تزف العروس في ليلة الفرح. ولم يترك الشعر الشعبي هذه اللحظة تمر دون أن يخلّدها في الأهازيج، إذ جاء في أحد الأبيات القديمة: مع العصر ركِّبوا شمستها ورَكِّبوا الحجل والعقودِ بيت يلخص اكتمال الزينة وجاهزية العروس لاستقبال الفرح الكبير. ورغم مرور العصور ودخول مستحضرات التجميل الحديثة إلى كل بيت، لا يزال "الحُسْن" حاضرًا في وجدان نساء جازان، يربطهن بجذورهن ويعيد رسم ملامح الفرح كما كانت قبل مئات السنين. إنه اللون الأحمر الذي لا يبهت، والذاكرة التي لا تشيخ، والاحتفال الصامت الذي يبدأ من شعر العروس ولا ينتهي إلا عند قلبها. الحُسْن يظل اللون الذي يعلن الفرح في جازان، ويبقى "الشماس" الشاهد الذهبي على عراقة المكان وعظمة الحكاية. ‹ › ×