على أيام زمان كان يُشار للطفل البدين بالبنان، أما الآن فأصبح أمر السمنة شائعا حتى في أصغر الأعمار، فهل تغيرت عادات الإنسان؟ أم تغيرت قواعد الأوان؟ أم اجتمع هذا وذاك فكان النتاج سمان يرزحون تحت وطأة عبء ثقيل يظلم جسدهم الغض الطري؟ قصة البدانة تستحق الاهتمام؛ فهي جذابة بسردها، مؤذية بحقيقتها، وردهاتها تنتظر استكشافها حتى لا تباغت أبناءنا في عصر جله غذاء مثير ومآكل مما لذ وطاب. والبدانة ليست مرضا بحد ذاتها؛ فهي عرض ومظهر يخفي تحت عباءته تراكما زائدا للدهون في الجسم. هناك الزيادة بالوزن التي لا ترقى لدرجة البدانة، وهناك البدانة التي تمثل المشكلة حقا. إن مجرد أخذ وزن الطفل لا يكفي لتشخيص البدانة؛ فهناك أطفال بجسم رياضي وهيكل عظمي ضخم وطول زائد، وفي الممارسة الطبية هناك مقاييس ومخططات تساعد مع الفحص السريري بتحديد البدانة وتعيين شدتها. ما السبب الكامن خلفها؟ أسباب عدة؛ فهناك ما يدعى بتوازن الطاقة الإيجابي؛ حيث يتناول الطفل طعاما زائدا على حاجته، ومع الزمن يتراكم الفائض. أما لماذا يتناول الطفل الغذاء بشكل التهامي زائد، فالعوامل عدة من نفسية وعصبية وغدية نخامية ودماغية وهرمونية وحتى وراثية واجتماعية وثقافية وبيئية. إن عوامل البيئة المحيطة تأتي بالطبع في المقام الأول، فالطفل يقلّد ذويه، وكذلك فإن الطفل الذي يفقد الحنان والمحبة ربما يعوض عن ذلك بجعل الطعام حبيبه؛ فيلتهم منه ما تصل إليه يداه، والنتيجة بدانة ليس إلا. إن جسم البدين يمكن أن يقاوم الانسولين فيزداد هذا ويساعد في عدم حل الدهون وبالتالي تخزينها وزيادة السمنة، كما أن تعويد الرضيع على الزجاجة كلما اشتكى أو بكى أمر غير محبذ؛ حيث إنه يخلق لديه عادة اللجوء إلى الطعام كلما ضاقت عليه السبل. إن إدخال الأطعمة الصلبة عالية الحراريات باكرا بشكل غير ضروري يمكن أن يؤدي إلى زيادة وزن سريعة، كما أن نمط التغذية وحياة الراحة والكسل ومراقبة التلفاز وألعاب وبرامج الكمبيوتر لساعات طويلة ونقص الجهد ومعاداة الرياضة والاعتماد على الوجبات المتعددة والسريعة والمآكل الجاهزة المكتظة بشحومها كلها أمور وثيقة الصلة بالبدانة.