زئبق سام وعصابات بمشاريع تنقيب ذهب الأمازون    رسميًا.. السعودية تستضيف بطولة "كأس آسيا تحت 17 " حتى 2028    المناعة مرتبطة باضطرابات العقل    فوائد غير متوقعة للرياضة على مرضى السرطان    حرس الحدود يطلق وطن بلا مخالف في جازان    مكة المكرمة الأعلى هطولا للأمطار ب17.6 ملم    ارتفاع شهداء غزة إلى 52495    انطلاق أعمال المؤتمر ال 38 للاتحاد البرلماني العربي في الجزائر    "الهيئة السعودية للسياحة" توقع مذكرة تفاهم لتقديم عروض وتجارب نوعية للزوار    أبو سراح يكرم داعمي أجاويد 3 بظهران الجنوب    الشلهوب يقود أول حصة تدريبية للهلال    وارن بافيت: لا ينبغي أن تكون الرسوم الجمركية سلاحا    "الغذاء والدواء" تُسخّر التقنيات الحديثة لرفع كفاءة أعمال التفتيش والرقابة في الحج    أوبك+: زيادة الإنتاج ب411 ألف برميل يوميا في يونيو    أنشيلوتي يُعلق بشأن مستقبله بين ريال مدريد والبرازيل    "المنافذ الجمركية" تسجل 3212 حالة ضبط خلال أسبوع    إحباط تهريب (176) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في عسير    أسطورة الهلال يدعم الأهلي قبل نهائي دوري أبطال أسيا    إلزامية تقديم البيان الجمركي مسبقا للبضائع الواردة عبر المنافذ البحرية    شجر الأراك في جازان.. فوائد طبية ومنافع اقتصادية جمة    مجتمع تيك توك: بين الإبداع السريع والتمزق العميق    مراكز الاقتراع تفتح أبوابها للتصويت في الانتخابات العامة بأستراليا    النور والعدالة أبطال فئتي الناشئين والبراعم في ختام بطولة المملكة للتايكوندو    نجاح عملية جراحية معقدة لاستئصال ورم ضخم في كلية مسن ببريدة    واقع الإعداد المسبق في صالة الحجاج    الملحقيات الثقافية بين الواقع والمأمول    «اليدان المُصَلّيتان».. يا أبي !    اللغة تبكي قتلاها    جامعة جازان تحتفي بخريجاتها    جمعية خويد تختتم برنامج "محترف" بحفل نوعي يحتفي بالفنون الأدائية ويعزز الانتماء الثقافي    سجن بفرنسا يطلق عن طريق الخطأ سراح نزيل مدان بسبب تشابه الأسماء    العطية يتصدر المرحلة الأولى من رالي السعودية    أميركا توافق على تزويد أوكرانيا بقطع غيار لمقاتلات أف-16 وتدريب طياريها    مركز التحكيم الرياضي السعودي يستقبل طلاب القانون بجامعة الأمير سلطان    مانشستر سيتي يهزم وولفرهامبتون ويصعد للمركز الثالث مؤقتاً    القادسية يقسو على الخلود برباعية في دوري روشن للمحترفين    أمين الطائف يطلق برنامج الأمانة لموسم الحج الموسمية    قطاع ومستشفى المجاردة الصحي يُفعّل مبادرة "إمش 30"    ذخيرة الإنسان الأخيرة" يخطف الأضواء في الطائف    إمام المسجد النبوي: الاشتغال بما لا يعني سببٌ للتعاسة ومصدرٌ للخصومات والندامة    إمام المسجد الحرام: البلايا سنة إلهية وعلى المؤمن مواجهتها بالصبر والرضا    أمير القصيم يشيد بجهود جمعية "كبدك" في تنمية مواردها المالية ويثني على أدائها المميز    مغادرة أولى رحلات "طريق مكة" من إندونيسيا عبر مطار جاواندا الدولي إلى المملكة    "الراجحي" يحصل على الماجسير مع مرتبة الشرف    "العليان" يحتفي بتخرج نجله    نائب أمير المنطقة الشرقية يرعى تخريج الدفعة 46 من طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل    أمير المدينة المنورة يرعى حفل تخريج الدفعة السابعة من طلاب وطالبات جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    الترجمة الذاتية.. مناصرة لغات وكشف هويات    في إلهامات الرؤية الوطنية    ذواتنا ومعضلة ثيسيوس    عدوان لا يتوقف وسلاح لا يُسلم.. لبنان بين فكّي إسرائيل و»حزب الله»    إطلاق 22 كائنًا فطريًا مهددًا بالانقراض في متنزه البيضاء    أمير تبوك: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    خلال جلسات الاستماع أمام محكمة العدل الدولية.. إندونيسيا وروسيا تفضحان الاحتلال.. وأمريكا تشكك في الأونروا    مدير الجوازات يستقبل أولى رحلات المستفيدين من «طريق مكة»    أمير تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج بالمنطقة    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل العام لجمهورية إثيوبيا بجدة    آل جابر يزور ويشيد بجهود جمعيه "سلام"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين تدافع الفتوى والتَّسارع إليها

نحن في هذا العصر نعيش معضلة (التَّسارع إلى الفتوى) وهي وإن كانت معضلة في أمور الدين قديمة كما هو موجود في كتب السير والفقه والتاريخ، إلا أنها قد تعاظمت في زماننا هذا بسبب تهاون كثير ممن أوتوا شيئاً من العلم بها، وتسارعهم الذي لا يخفى علينا إليها، وبسبب وجود المنابر الإعلامية التي تفتن كثيراً من أهل العلم ببريقها، وتنسيهم خطورة التسارع إلى الفتوى على أنفسهم أولاً، ثم على من يستمعون إلى فتاواهم ويستقبلون آراءهم من عامة الناس.
إنَّ المسافة بين (التَّدافُع) والتَّسارُع) لمسافة كبيرة بحجم مسافة الفرق بين عالم ومتعالم، ووَرِعٍ ومتجرِّيءٍ، قليل الورع، وبين الحالتين فرقٌ كبيرٌ في المنزلة والمكانة والفائدة والضَّرر.
لقد كان السلف الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تابعهم معروفين بعدم التعجّل في إطلاق الفتاوى في معظم أمور الدين - خاصة ما يستجد منها- وكان التدافع رمزاً لهم، وشعاراً لحياتهم رضي الله عنهم، ومعنى التَّدافع أن يدفع العالم بالفتوى إلى من يرى أنه أعلم منه، خوفاً من أن يقول فيها بقول تحدث به مفسدة، ويناله منه إثمٌ عظيمٌ، وأن يدفع عنه الفتوى بقوله: لا أدري إذا كان لا يدري بما تضمّنه سؤال المستفتي ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنه: إنَّ من أفتى الناس في كل ما يسألونه لمجنون. ومعنى ذلك أن التسارع في الفتاوى ضرب من الجنون، خصوصاً حينما ينطبق على بعض المتسارعين في الفتوى قول العلماء «دعوى عريضة.. وضعف في العلم ظاهر» وهذا مما لا تبرأ به الذمة، ولا تصلح معه الأحوال.
إنَّ تدافع الفتوى من علامات الورع، والخوف من الله، ومن دلائل سعة العلم عند المتدافعين للفتوى. والقدوة في هذا رسولنا صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عنه في أكثر من موقف أنه يتوقف عن إجابة السائل أو السائلة حتى يوحي إليه ربه في شأن ذلك السؤال وحياً، ثم يدعو السائل فيعطيه الجواب، وقد سار على هذا النهج صحابته الكرام في مواقف كثيرة مبثوثة في كتب السيرة والتاريخ، وقد رسم لنا الصورة المثلى في ذلك عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في قوله ناصحاً: إنْ استطعت أن تكون أنت المحدَّث - بتشديد الدال وفتحها - فافعل، وهذا عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: أدركت عشرين ومائة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان منهم محدّث إلا وكان يودّ أن أخاه قد كفاه الحديث، ولا كان منهم منْ يفتي إلا وكان يود أنَّ أخاه قد كفاه الفتوى.
وهذان عبدالله بن الزبير وعاصم بن عمر يأتيهما ابن البكير قائلاً: إن رجلاً من أهل البادية طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها فماذا تريان؟ فقال ابن الزبير: إن هذا الأمر ما لنا فيه قول فاذهب إلى عبدالله بن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فسلهما ثم ائتنا فأخبرنا بما يقولان لك فذهب ابن البكير فسأل ابن عباس وأبا هريرة، فالتفت ابن عباس (حبر الأمة) إلى أبي هريرة قائلاً: افتيه يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة، فقال أبو هريرة: الواحدة تُبِيْنُها، والثلاث تحرِّمها حتى تنكح زوجاً غيره.
ويا لها من قصة تستحق أن يتأمَّلها المتسارعون إلى الفتوى في زماننا هذا، الذين يحلو لهم - مهما كان مستوى علمهم- أن يروا بريق لاقطات التصوير وهي تلتقط لهم صوراً بالصوت والصورة وهم يسارعون إلى الفتاوى التي تُبلْبِلُ عامة الناس، وتحدِّث من الاضطراب في عقولهم ما الله به عليم.
فنحن في هذه القصة أمام أسماء لامعة في العلم الشرعي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن الزبير، وابن عباس، وأبي هريرة، ومعهم عاصم بن عمر، ومع ذلك فقد رأينا التدافع الواعي منهم للفتوى دون تهاونٍ أو تفريط حتى وصلت إلى أبي هريرة رضي الله عنه، وإنَّ في دفع عبدالله بن عباس وهو حبر الأمة وعالمها الكبير باتفاق الصحابة -رضي الله عنهم- للفتوى عن نفسه، وإسنادها إلى أبي هريرة لدليل واضح على أن تدافع الفتوى عن سمات العلماء الكبار وأن التسارع إلى الفتوى من سمات غيرهم.
فابن عباس لم يقل: أنا حبر الأمة، وأنا العالم الذي لا يُشَقُّ له غبار، وأنا من أهل التفسير والعلم بالقرآن، وأنا الذي دعا لي الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوته الشهيرة، (اللهم فقهه في الدين وعلّمه التأويل) ولم يقل عن أبي هريرة: إنه راوية للحديث فقط، فهو من أهل الحديث وليس من أهل الفتوى، وإنما أسند أمر الفتوى إليه بنفس راضية، ونية صادقة.
أرأيتم أيها الأحبة: أننا نعيش في هذه الفترة في أزمةٍ عظيمةٍ هي أزمة (التسارع إلى الفتوى)؟
إن انفراد بعض من أوتوا نصيباً من العلم بالفتوى المتسرعة بعيداً عن هيئات كبار العلماء لمعضلة حقيقية تحتاج إلى معالجة سريعة، فهي أمانة في أعناقنا جميعاً، وصدق ابن القيم حين قال: من حرص على الفتوى وسابق إليها، قلَّ توفيقه واضطرب في أمره)، ونضيف إلى ذلك أن يعرِّض نفسه لمواقف لا يُحْسَدُ عليها في الدنيا، أما في الآخرة، فعند الله سبحانه وتعالى علمه وعلم ما نوى، فالله هو المطلع على ما في القلوب.
إشارة: قال سحنون بن سعيد: إنما يفتي الناس مُفْتٍ، أو أحمق، ولست بصاحب الأولى في هذه المسألة، ولن أكون صاحب الثانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.