يظل الروائي التركي يشار كمال، كما اعتبره الدكتور محمود الضبع أستاذ النقد الأدبي بجامعة قناة السويس، كنزا أدبيا مفعما بالإنسانية زاخرا بالانتصار للفقراء والمحرومين، وسيظل بعد رحيله (قبل يومين) عن عالمنا رمزا لمكافحة الاستبداد وأنموذجا مشرقا لأديب يعرف أن شرف الكلمة يعني معاداة الحرب. حسب قراءة خاصة ب(عكاظ) أعدها الضبع فإن التنوع في إبداع يشار كمال بين الروايات والقصص وروايات الأطفال جاء نتاج ارتباطه العميق بعالمه ونشأته الأولى فاستلهم شخوصها من الريف الكردي والتركي، كما يحدث في روايته (شجرة الرمان). ولا شك أن نشأة يشار كمال والأحداث المأساوية التي عاشها في بواكير حياته جعلته يتلحف بالفكر اليساري ويدافع عن القضية الكردية، ويدفع ثمن ذلك بالسجن عدة مرات، وانعكست هذه النشأة خاصة في قلب الريف على إبداعات يشار كمال فجاءت روايته (الصفيح) المترجمة للعربية لترسم فضاء الريف بكل تناقضاته الإنسانية من دفء وقسوة باردة وفساد. وتعبير يشار عن فضاءات الريف بعمق إنساني جعله يثري إبداعه الروائي بالأساطير الشعبية مستخدما لغة تمزج اللهجة المحلية بالثقافات المختلفة، فاستحق عن جدارة لقب رائد الأدب الريفي. ولعل البيئة الأولى التي ترعرع في محيطها يشار وما حفلت به من دراما متواصلة حفزت ملكاته على الإبداع الروائي، وهو ما قد تجلى في روايته (محمد النحيل) 1955، والتي ترجمت للعربية بعنوان (محمد الصغير) قد استوحى حكاياها من قصة حياة ابن عمه قاطع الطريق في الجبال بصدق فني أكسبه شهرة عالمية وأهلته للترشح لجائزة نوبل عام 1973. فالرواية تتحدث عن شخص ينضم لمجموعة من قطاع الطرق وينتقم من إقطاعي متسلط على طريقة روبن هود، لكنه مزجها بالعديد من الحكايات والخرافات والأساطير ذات المغزى الدلالي والأخلاقي والسياسي، وصور الطبيعة البرية بسهولها وجبالها وفصولها وحيواناتها وطيورها. ويلعب المكان دور البطل في روايات يشار كمال، والبطل هنا هو - سهل تشوكوروفا - كان محورا رئيسا لمعظم رواياته. كما لعبت الأحداث المأساوية دورا مهما في تشكيل وعيه الدرامي والأدبي، فوفاة والده مبكرا في الخامسة من عمره كان حافزا لكتابة روايته (سلمان الأعزل). فهذه من أهم أعماله، حيث يجمع فيها بين رواية القرية ورواية المدينة، وتعكس ولع يشار كمال بلعب دور (بائع الحكايات) الذكي الذي يعرف الترويج لبضاعته و(الحكواتي) البارع الذي يحسن فنون التقديم والتأخير وشد الحبكة لجذب القارئ.