جابرييل يمنح أرسنال فوزا صعبا 2-1 على حساب نيوكاسل    دوري المقاتلين المحترفين يختتم جولة نصف النهائي ونزالات الجولة النهائية في الشرقية    مدرسة ابتدائية مصعب بن عمير تحتفل باليوم الوطني ال95    "الشؤون الإسلامية" تعزز خدماتها لتوعية مرتادي مسجد الحل بالجعرانة بمكة    منتدى فكر بجامعة جازان يناقش الوسطية والانتماء    حقيقة مفاوضات الاتحاد مع تشافي هيرنانديز    مساعدات إغاثية سعودية جديدة لغزة    دعم العلاقات الصناعية مع فيتنام    إيران تندد بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة    إنزاجي: الهلال يدرك قوة ناساف وفضلنا إراحة نونيز    المملكة تحث المجتمع الدولي على ضرورة تحمل مسؤولياته تجاه حل الدولتين    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الملكي الأميرة عبطا بنت عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود    وزير العدل: التشريع في المملكة يرتكز على الوضوح والمشاركة المجتمعية    أمير حائل يستعرض مع وزير البلديات والإسكان خطط تطوير الخدمات وتحسين جودة الحياة    "إثراء" يختتم فعاليات اليوم الوطني 95 بعروض رسخت قيم المواطنة    نائب أمير جازان يطلع على تقرير هيئة الأمر بالمعروف ويشيد بجهودها التوعوية والميداني    نائب أمير تبوك يكرّم مدير الشرطة السابق ويستقبل خلفه المعين حديثًا    نائب أمير الرياض يستقبل وزير الشؤون الإسلامية    الرافع يكرم الفائزين والفائزات بجائزة الاميرة صيته بنت عبدالعزيز    أمير الشرقية يُدشّن ويضع حجر أساس 122 مشروعًا بيئيًا ومائيًا    95 لوحةً فنية ترسم مشاعر طلبة تعليم مكة المكرمة باليوم الوطني    جامعة الإمام عبدالرحمن أول سعودية تحصد الاعتماد الدولي من الكلية الملكية بكندا    بن شفلوت يرعى إحتفال اليوم الوطني في أحد رفيدة    إرادة بالرياض: الصيدلة شريك محوري في تعزيز الصحة النفسية رغم التحديات    مستشفيات د. سليمان فقيه ضمن قائمة نيوزويك لأفضل المستشفيات الذكية لعام 2026    الاتحاد ينهي التعاقد مع المدرب لوران بلان    ضبط 5 مخالفين للائحة الأمن والسلامة لمزاولي الأنشطة البحرية في جدة    المعتمدون على أدوات الذكاء الاصطناعي أكثر استعداداً للكذب والخداع    تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بالمملكة ترتفع إلى 22.8 مليار ريال    المملكة ترأس جلسة أعمال المناقشة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة    المثالية: لعنة النجاح المؤجل!    أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق في المملكة    الشرع: سورية عادت لمكانتها التاريخية الفاعلة بين الأمم    الصليح يحتفل بزواج عمار    أوباما: لا مبرر لقصف غزة وإقامة دولة فلسطينية ضرورة    تعزيز الابتكار والاستدامة.. السعودية تستضيف (يونيدو) للتنمية الصناعية    القادسية يعبر الفتح ويقفز ل «وصافة روشن»    الفيحاء يتنفس الصعداء بنقاط النجمة    الناقور يحتفل باليوم الوطني    ملتقى سعودي عن الذكاء الاصطناعي في سيئول    16 باحثاً سعودياً ضمن قائمة الأفضل عالمياً    فسح وتصنيف 40 محتوى سينمائياً في أسبوع    روشن تعرض مشاريعها السكنية    وسط مساعٍ أمريكية لوقف الحرب.. 120 غارة إسرائيلية على غزة و52 قتيلاً    «زاتكا»: 1511 حالة ضبط لممنوعات بالمنافذ الجمركية    53.6 مليون قاصد للحرمين الشريفين في ربيع الأول    الاهتمام بتطوير التجربة الإيمانية لضيوف الرحمن.. «الحج» : التنسيق مع ممثلي 60 دولة للموسم القادم    ضبط 12 متورطاً واحباط تهريب 234 كجم مخدرات    «قط وكلب» يتسببان في طلاق زوجين    الملك عبدالعزيز الوحدة والمنهج    كيف قرأ العالم اتفاقية السعودية وباكستان    أزمة قلبية تنهي حياة عريس    قطرات تقلل ألم مرضى الشبكية    خطر خفي لنقص سوائل الجسم    %20 استعادوا النبض بعد توقف القلب    دراسة: كبسولات صغيرة تسعى للحد من التهاب الدماغ    حماة البيئة    محافظ قلوة يرعى احتفال أهالي المحافظة باليوم الوطني ال 95    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخطات وتراجعي ليس عيبا
الحميدي ل «عكاظ»:
نشر في عكاظ يوم 21 - 10 - 2011

ربما يتفق الجميع على أن مراجعات أستاذ العقيدة في جامعة أم القرى ورئيس القسم السابق الدكتور عبدالعزيز الحميدي، كانت من أكثر المراجعات التي تم عرضها على شاشات التلفزيون إثارة لردود الأفعال.
ويرجع مراقبون حصول هذه الردود على المراجعات الفكرية التي أطلقها الحميدي عبر برنامج همومنا الفضائي أخيرا، إلى اختلافها كثيرا عن غيرها من المراجعات السابقة التي عرفت على مستوى العالم العربي لأسباب منها تمتعه بالقيمة الأكاديمية والعلمية، وحصوله على الدكتوراه في العقيدة من جامعة أم القرى وكان رئيسا لقسم العقيدة في كلية الدعوة وأصول الدين في الجامعة نفسها لمدة سنتين ابتداء من 1422ه.
كما أن كثيرا مما ورد في مراجعاته تتعلق بتخصصه الأكاديمي الذي بني عليه كثيرا من الأفكار المهمة لدى حملة الفكر الجهادي كموضوع الولاء والبراء والموقف من غير المسلمين في البلدان الإسلامية وضوابط النصرة وغيرها.
ربما يتفق الجميع على أن مراجعات أستاذ العقيدة في جامعة أم القرى ورئيس القسم السابق الدكتور عبدالعزيز الحميدي، كانت من أكثر المراجعات التي تم عرضها على شاشات التلفزيون إثارة لردود الأفعال.
ويرجع مراقبون حصول هذه الردود على المراجعات الفكرية التي أطلقها الحميدي عبر برنامج همومنا الفضائي أخيرا، إلى اختلافها كثيرا عن غيرها من المراجعات السابقة التي عرفت على مستوى العالم العربي لأسباب منها تمتعه بالقيمة الأكاديمية والعلمية، وحصوله على الدكتوراه في العقيدة من جامعة أم القرى وكان رئيسا لقسم العقيدة في كلية الدعوة وأصول الدين في الجامعة نفسها لمدة سنتين ابتداء من 1422ه. كما أن كثيرا مما ورد في مراجعاته تتعلق بتخصصه الأكاديمي الذي بني عليه كثيرا من الأفكار المهمة لدى حملة الفكر الجهادي كموضوع الولاء والبراء والموقف من غير المسلمين في البلدان الإسلامية وضوابط النصرة وغيرها.
وأخيرا؛ فإن انقطاع الحميدي المنشغل بقضايا الجهاد عن الناس خلال الفترة الماضية، أتاح له البحث باستقلالية من خلال أدواته العلمية التي انعكست على حديثه التلفزيوني.
أستاذ العقيدة في جامعة أم القرى الدكتور عبدالعزيز الحميدي، فصل الكثير مما ورد في مراجعاته عبر حوار مع «عكاظ» في السطور التالية، وعرض الواقع الراهن في الوسط الفكري والديني وكثيرا مما يتعلق بالأفكار المتطرفة مفككا الشبه والملابسات المحيطة حولها.. فإلى نص الحوار:
• كيف تقيم الواقع الفكري لدينا في هذه الفترة؟
يجب أن ننتبه قبل أن نقيم الواقع الفكري لدينا أنه انفتحت موارد الناس وعقولهم لاستقبال المعلومة من العالم كله وأي فكرة ومعلومة وخبر في جميع أنحاء العالم تعرف بسرعة وكذلك أي تحليل أو شرح لها. وبطبيعة الحال فإن الناس يتفاوتون في قدراتهم العقلية وأرضيتهم الفكرية وأي فكرة قد تجد قبولا لها لدى الآخرين. هذا واقع ينبغي أن نعترف به. فنحن عندما نتحدث عن النواحي الفكرية ينبغي أن يكون لنا أهداف كثيرة أولها الحفاظ على أصولنا الدينية وقيمنا وموروثاتنا العظيمة التي ورثناها عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه والجيل الأول. هذا هدف لجميع العلماء والمربين والمعلمين والأسرة لأننا نعيش في بلد هو بقدر الله واختياره الحاضن للإسلام، فمنه ظهر وانتشر وإليه سيعود بإذن الله. بالتالي لا يمكن أن نحجم أو نضيق أو نضعف هذا الهدف الكبير. لا ندعو لحجب المعلومة لأن لغة المنع لا تجدي ولكن نحاول أن نصحح الأرضية الذهنية لأبنائنا وأي معلومة تردنا ينبغي أن تجد عقلا ناضجا وقلبا حيا وفكرا نيرا يستطيع أن يستفيد منها إذا كانت فائدة ويستطيع في ذات الوقت وبكل قوة أن يردها إذا كانت فاسدة وتؤثر على أجيالنا القادمة وانتمائها الديني والوطني والاجتماعي.
لا بد أن نحافظ على أخلاقنا الطيبة التي هي منظومة كاملة عشنا عليها في السابق ونعيش عليها حاليا وسنظل عليها بإذن الله. في ما يتعلق بقضية التقييم لا شك أن هناك صراعا فكريا كبيرا جدا وهناك فجوة كبيرة بين الجيل الناشئ وأعني به أصحاب الإدراك والفهم من سن 15 أو أقل قليلا وما بين 20 أو أقل قليلا. هناك فجوة بين هؤلاء وبين المربين ابتداء من الوالدين والمعلمين وعموم من يتصدون للقضايا التعليمية والفكرية مثل المشايخ والدعاة والعلماء والإعلاميين. هناك نوع من الفجوة جعل كثيرا من الشباب يتجهون لمصادر كثيرة مستفيدين من ثورة الاتصالات والوصول للمعلومة ولذلك ربما وجدت كثيرا من الأفكار الواردة سواء كانت الأفكار الغالية والمتطرفة التي ولدت كثيرا من المشكلات والجنوح والإرهاب لدى فئات كثيرة من الشباب. وكذلك استقبال أفكار تتصادم مع الأخلاق الإسلامية والفكر الإسلامي مما أفرز أخلاقيات غير مقبولة تماما لدينا كعلماء ومربين ومعلمين وأسر حاضنة. هذه هي المشكلة. لا أحمل وسائل الاتصالات السبب في ذلك ولكن قد يكون هناك تقصير في إشباع رغبة التلقي عند الناشئة بلغة حية ومعلومات ثرية ومواكبة للنواحي النفسية والاجتماعية. هناك تقصير كبير من العلماء والدعاة والمحاضن التربوية والمدارس والجامعات والمعلمين والأساتذة وأصحاب الفكر وكتاب الصحف. هناك نوع من التقصير من كل هؤلاء مما أفرز هذين الاتجاهين المتناقضين. لذلك يجب أن نعمل على تسديدهما وتصحيحهما حتى نعود للمرحلة الوسطية السوية التي ننشدها والتي تخرج لنا شبابا ذوي وعي وملمين بثقافتهم الشرعية والدينية والناضجين المنفتحين الذين يمكن أن يواجهوا قضايا المستقبل.
التطرف والإرهاب
• تطرقتم لمسألة التطرف والإرهاب الذي اكتوت بناره هذه البلاد المباركة. إلى أي مدى تضرب جذور هذه الآفة وما الظروف التي أدت لوجودها وساعدت على انتشارها؟
أرى أن هناك ثلاثة أسباب أدت لتطورها ونشأتها:
الأول: وجود كتابات وكتب ورموز تغذي هذا التوجه الغالي الجانح البعيد عن حقيقة الإسلام الصحيح الناضج. وجود هؤلاء الرموز وفرضهم أنفسهم في الساحة الفكرية عن طريق الإنتاج العلمي في الكتب والأشرطة.
السبب الثاني: لم يقابل هذا الجهد العلمي الفكري لرموز التطرف والغلو ردود ناضجة علمية من العلماء وطلاب العلم والدعاة في البلاد. لسبب أو لآخر أحجم الكثير من العلماء والدعاة عن الخوض في ذلك الأمر حتى لا يفهم كلامهم بغير ما يريدون نظرا للحساسية في الحديث عن ذلك. هذا الإحجام عن الخوض في القضايا الشرعية والفكرية جعل عقول الكثير من الشباب تنفتح على استقبالها.
السبب الثالث: هو أن الأمة في الفترة الأخيرة شهدت العديد من الأحداث المؤلمة حيث احتلت دول إسلامية ونشبت حروب وحدثت الكثير من القضايا التي تحرك المشاعر فصادفت قلوبا خالية فنتج مثل هذا الجو ومن ثم برز التيار الذي عاد بضرر واضح على البلاد وبدأنا ربما متأخرين في علاج ذلك بالتصدي للطرح العلمي المؤصل المستلهم لروح الدين والعلم الشرعي. الحمد لله فإن النتائج في السنوات الأخيرة جيدة وطيبة وبإذن الله يكون المستقبل أفضل.
• تطرقتم لتحرج البعض من الرد على المغالين مع أن هؤلاء مسؤوليتهم تبصير الناس وإيضاح الطريق القويم. إلى الآن نلحظ نوعا من الخجل لدى البعض ولا توجد قوة مواجهة حتى الآن؟
نعم، هذا موجود وواقع بصورة كبيرة. المرجع في ذلك أراه يرجع إلى سببين أولهما أن الكثير من العلماء والمشايخ الفضلاء ربما لم يكن يتصور أن هذه الظاهرة ضربت بجذورها في مجتمعنا وذلك لتقصير منه بسبب انعزاله عن المجتمع وعن شريحة الشباب على وجه الخصوص. السبب الآخر الأكثر دقة هو وجود خوف لدى الكثير من طلاب العلم عن الخوض في بعض القضايا حتى لا يتم تصنيفه من قبل طلاب العلم بأنه موال للدولة أو أنه مثبط عن الجهاد وهذه تقدح في تصوره وفي هيبته وربما يخسر قطاعا كبيرا من الشباب، لذلك يلوذون جانبا ويتركون الحديث لغيرهم مما تسبب في تمكن هذه الآراء المغالية بسبب عدم وجود من يردون عليهم. كذلك فإن الكثير من الدعاة ربما كانوا يفضلون الحديث عن القضايا الاجتماعية التي تتعلق بالأخلاقيات العامة وهذا شيء طيب ولكن جل الحديث انصرف إلى هذه الجوانب مما أتاح الفرصة لظهور الظواهر السلبية.
• في فترة زمنية معينة دخل الكثير من المنتمين لأحزاب سياسية إلى هذه البلاد سواء للتدريس أو خلافه، هل أسهم ذلك لاحقا في بروز هذه الظواهر السلبية التي قصدتها في الجواب السابق؟
أرى أن رموز تلك التيارات والأفكار استطاعوا أن ينفذوا إلى عقول شبابنا عن طريق مسلكين، أولهما كثرة اتهامهم وهجومهم على علماء بلادنا واتهامهم بالضعف العلمي والخيانة وأنهم موالون للسلطان. هذا يمنع الشباب من الأخذ عن علمائنا ويدفعهم بالتالي إلى الأخذ عن هؤلاء بحجة أنهم يمتلكون الجرأة وأنهم من تصدوا للمآسي ومقارعة أعداء الأمة وجاؤوا ليجددوا ملة الإسلام. فالشباب بطبعهم يميلون إلى هذه الصفات والكاريزما ويصرفهم ذلك عن العلماء الحقيقيين الوسطيين بعد اتهامهم بموالاة السلطان وبالتالي نفذت هذه الأفكار، وللأسف كونت لها أرضية اتسعت مع مرور الأيام ولكنها والحمد لله بدأت تضيق بعد أن تنبه لهم أهل العلم واتضح الأمر وتأكد أن تلك الأفكار ما هي إلا ظروف طارئة.
الكتب والمؤلفات
• ماذا عن الكتب والمؤلفات العلمية التي أسست لذلك الفكر؟
أرى أن كتب من سمي بأبي محمد المقدسي بالذات كان لها تأثير كبير على شريحة واسعة من الشباب ولذلك كان يوصل رسائل قوية وخطيرة ولم يرد عليه بأي رد علمي واضح طوال خمسة عشر عاما فأباض وافرخ. عندما تصديت له في إحدى المرات ثارت ثورته لأنه شعر أن عرشه بدأ يهتز وأن الستار الوهمي الذي كان يضربه على نفسه قد انكشف وزالت الهالة المصطنعة وأسفرت عن جهل وضحالة فكرية وعن غلو شديد. مما جعل الكثير ممن كانوا يحسنون الظن به يتنبهون لخطورته. لذلك أعتقد أن هذا الرجل وكتبه يتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية ما حدث.
• قلت إن هذا الرجل صنع لنفسه هالة منعت الآخرين من الشك فيه ونواياه. ألا ترى أن تقديس أمثال هؤلاء الرموز كان له دور كبير في عدم مؤاخذتهم ومناقشتهم؟
الرجل استخدم منهجية واضحة في كل كتبه التي خاطب من خلالها الشباب حيث يصدر كتابه بالهجوم العنيف على العلماء وأنهم خانوا أماناتهم وتخلوا عنها ويصور نفسه على أنه المنقذ لملة إبراهيم ودين الإسلام والمنقذ له من التحريف. هذا سبب قبولا له وسط الشباب. نحن بدورنا كعلماء ساعدناه على ذلك كما ذكرت لك بعدم التصدي له على مدار 15 سنة وعدم كشف ألاعيبه. الرجل احتج بأحاديث كثيرة وجدنا بعد البحث والتقصي أن معظمها ضعيف وموضوع وستصدر لي كتب في ذلك قريبا بإذن الله. الشباب الناشئون ليست لديهم القدرة على التمييز فلا يتقصون وراء هذه الأحاديث. ساعد على ذلك عدم تصدي العلماء لهم، فصار يقول أين علماؤكم، ولماذا لا يردون علي؟. وأصبح يستغل ذلك للتدليل على حقيقة ما يدعيه.
كشف الشبهات
• لكن البعض ربما رأى أنه لا يستحق الرد لتفاهته؟
هذا خطأ كبير لأن عدم الرد على هذا المرء جعل الكثير من الشباب يؤمنون بما يقول وبعض الشباب تقبلوا أفكاره ونتجت هذه المشكلات التي نتج عنها ما عانينا منه أخيرا. إذ كان لا بد من الرد عليه لأن له مؤلفاته وكتبه وموقعه، وكثيرون يستفتونه فيفتي بغير الحق، ينبغي التصدي له كما نتصدى لكاتب علماني هنا أو شيوعي هناك.
مسؤولية التصدي
• على من تقع مسؤولية الفجوة بين العلماء والشباب مما دفع الآخرين لكي يلجؤوا لأنصاف العلماء؟
هذه الفجوة أحملها بدرجة أكبر على عاتق العلماء لأنهم لم يواكبوا التطور الفكري للشباب. واللغة التي نستخدمها في خطابنا الفكري هي لغة قديمة، وطريقة الاستدلال ربما تكون رتيبة.
لغة الخطاب
• كذلك ينبغي ألا نتجاهل قضية الاستدلال العقلي؟
نعم، وحتى الاستدلال النصي ينبغي عرضه بلغة حية، فنحن في زمن لا ينفع فيه استخدام اللغة القديمة والمصطلحات التي كانت سائدة أيام ابن تيمية. لا بد من تطوير اللغة لأنها المدخل الصحيح إلى عقول الناس ولا بد من احترام الشباب وعدم ازدرائهم أو الاستهانة بأسئلتهم لأن الكثير من الشباب كانوا يشتكون من إعراض العلماء عن أسئلتهم، وبعض الدعاة ربما يتهربون من الإجابة على بعض القضايا فيميلون إلى استخدام التعنيف. بإمكان الشباب أن يدخلوا على الإنترنت للحصول على ما يريدونه، لذلك ندعو العلماء والدعاة الذين لديهم رصيد علمي طيب للاهتمام بالشباب والدخول لوسائل الإعلام الحديثة بقدر معين ومخاطبة الشباب في البرامج الحوارية بلغة سهلة وسلسة واستقبال أسئلتهم برحابة صدر ومناظرتهم. لا بد من ذلك لاحتضان الشباب وتطهير عقولهم من الأفكار الخاطئة وقطع الطريق على المشوهين.
الحركات الإسلامية
• ما دور بعض الحركات الإسلامية ومسؤوليتها عن ظهور هذه الأفكار المتطرفة؟
لا أميل للتصنيف وتوزيع الاتهامات وأعتبر ذلك من أسباب المشكلة.
فمن السهل أن تقول عن هذا أنه إخواني أو صوفي أو أن لديه بدعا، ولكن ما النتيجة؟. كل راض بما عنده والرأي مختلف كما يقال. هناك قواسم مشتركة كثيرة والمسلك الخاطئ نطرحه على موائد النقاش والحكم للدليل الشرعي. على المخطئ الإذعان للحق وألا يتمسك بمذهبه أو مصدره فالجمود خطأ كبير. حتى لا نعادي بعضنا ونوصل هذه التصنيفات الخاطئة للناشئة. الاختلاف في حياة الناس ليس ظاهرة سلبية بل هو ظاهرة صحية. ومع ذلك هناك مسائل قطعية لا يجوز الاختلاف حولها لأن ذلك يولد البدعة ويدعم الضلالة، وهناك أمور تحتمل النقاش وتتسع لها الصدور وهذا موجود في سلفنا الأول حيث كانت هناك مراعاة وبعضهم يحترم الآخر، والاختلاف المضبوط بضوابط الشرع لا يولد البدعة والضلالة ولا يولد إشكالات أو خلافات ولا يعطي أحدا الحق في تحقير الآخر.
الرأي الأوحد
• هل يعني كلامك أن سيادة الرأي الأوحد هي التي سببت تلك الإشكاليات؟
نعم، وسيادته لم تكن بقوة الدليل بل بالتعصب وقول (إنا وجدنا آباءنا على ذلك). ما كان فيه شبهة دليل أو اجتهاد يراعى وهذا لا يفسد للود قضية.
الصحوة والإرهاب
• ألا ترى وجود تقاطع بين ما ذكرته وفترة الصحوة كما يقال أم أن الأمر مجرد ادعاء؟
هناك تقاطع كبير والحمد لله فإن الصحوة لم تكن وليدة هذا الزمن فقط، الأمة الإسلامية تمر بفترات ضعف وتراخ في انتمائها الديني والشرعي والانخداع بكثير من الأفكار ثم تعقبها فترات نضج وصحوة، والمهم هو من يقود هذه الصحوة ويكون لها الأطر العلمية الشرعية. إذا كان ذلك يتم عن طريق العلماء الناضجين فإنهم يقودونها إلى نضج وسداد، أما إذا كان يتم عن طريق قليلي العلم أو أصحاب أفكار معينة أو ناشئة يغلب عليهم الحماس فإنها ربما تتجه اتجاهات خاطئة كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «لكل عابد شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنة فقد رشد ومن كانت فترته إلى بدعة فقد غوى». فترات الصحوة ينبغي أن يتولاها أصحاب الأطر الشرعية الصحيحة حتى لا يقود إلى أفكار سلبية تعود بفترة انعكاسية. أي جنوح فكري يؤدي إلى رد معاكس مما يهدد بضياع الوسطية.
• فترة الصحوة اشتهرت بالرحلات وما صاحب ذلك من أناشيد حماسية، البعض يقول هذا، هل ترى أنه ربما شابها نوع من الخطأ ؟
ربما شابها شيء من ذلك، لأنه تسلم التوعية فيها من ليسوا على علم بعموميات الشريعة وجزئياتها بحيث نحافظ على جمعية الأمة ونبتعد عن التصنيفات على أساس أن هذا ملتزم وهذا غير ملتزم بما يصور المجتمع على أنه خطان متوازيان وبالتالي أفرز نوعا من التصادم والشقاق. أعلم نماذج كثيرة من الشباب لهم حماس ولكن ربما تجاوزوا حقوق الوالدين وأهدروها حيث يرون في أنفسهم نوعا من الفوقية الدينية عليهم وأن والديهم ضعاف في الدين. هذا أتى بنتائج عكسية تخالف مقصودا شرعيا. بالتالي حدث نوع من العقوق ليس بسبب ضعف تدين الشباب وهذا ما كنت أحذر منه الشباب.
ظاهرة التصنيف
• هذا يقودنا مرة أخرى نحو موضوع التصنيفات والقول بأن هذا ملتزم وذاك غير ملتزم، هل ترى ذلك ظاهرة صحية؟
في مجتمعنا السعودي ينبغي أن لا توجد لأن عموم الشعب متدين بنسب معينة مثل المحافظة على الصلوات والشعائر الدينية واحترام مظاهر الدين من مساجد وقرآن. حتى المواطن العادي لديه احترام للعلماء المعروفين. القضية ليست مظاهر معينة بقدر ما هي قضية سلوك. قدمت برنامجا في رمضان الماضي بعنوان (حقيقة التدين) وأوضحت أنها لا تقتصر على الثوب واللحية على حساب الجانب الخلقي. البعض من هؤلاء يتجهم في وجوه الآخرين ولا يؤدي التحية كما ينبغي ولا يحترم من هم أكبر منه وليس له عمل اجتماعي في خدمة الناس. هذا جزء أساسي من التدين وضربت أمثلة على ذلك. النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إن العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم). هذه هي الثقافة التي نريد أن نشيعها في الشباب وعموم المجتمع. عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل المسجد وقت الضحى وجد شابا يصلي فسأله عن عمله فلما قال له إنه بلا عمل ويكتفي بالصلاة وعبادة الله قال له: من الذي ينفق عليك؟ قال له: أخي. فقال له: أخوك أعبد منك. إذا تصرفنا مثل هذا التصرف سيمتلئ المجتمع بالعاطلين. العمل وكسب الرزق يؤدي إلى كف وجه الإنسان عن سؤال غيره وتقديم خدمات للمجتمع وهذا من أفضل الأعمال وأجلها وأفضل من نوافل الصلاة والصيام.
• البعض يدعي أن بعض المنابر ومدارس التحفيظ لم يتم تأهيلها بمن ذكرتهم من أهل العلم المتمكنين، بم تعلق؟
لا شك أن مقام المنبر عظيم وكذلك مدارس التحفيظ التي نؤكد على دورها ونرجو انتشارها بين الجميع، ولكن بالنسبة للخطباء ينبغي أن يكون الخطيب ملما بعنصري النضج العلمي الشرعي بأفقه الواسع لأن رسالة الخطيب شرعية بالدرجة الأولى، وكذلك تلمس حاجات الناس ومشكلاتهم الشرعية والحياتية وما يحتاجونه حتى يضمنه في الخطبة التي كانت ولا تزال وستبقى إن شاء الله لها قيمتها وأهميتها في عموم بلاد المسلمين. أما إذا ابتعد الخطيب عن حياة الناس فإن ذلك يضيع جزءا كبيرا من أهمية الخطبة. كذلك إذا تم تدعيم مدارس التحفيظ ببرامج علمية ولو بالتعاون مع الجهات المختصة فإن ذلك سيساعدها على أداء مهمتها.
الخطب والأحداث
• بعض الخطب تتحدث عن الأحداث، ماذا يحدث إذا لم يتم توظيف ذلك بصورة صحيحة؟
قصدت في حديثي آنفا، أن يكون الخطيب ملما بالأحداث وعنيت بذلك شريحة الشباب لأنهم هم الذين يستخدمون وسائل الاتصالات المتنوعة من طلاب المتوسطة والثانوية والجامعة. إذا وجد هؤلاء أن الخطبة بعيدة عما يجري وترجع للقرون الماضية فإن ذلك يتسبب في نفورهم. أما إذا زاد الخطيب وخرج عن المعقول فإن ذلك قد يأتي بنتائج عكسية. الخطيب ينبغي عليه أن يتمتع إضافة للبلاغة بالحكمة.
• كيف ترون ظاهرة المراجعات؟
لا أراها ظاهرة وكل إنسان قد يرجع عن فكرة كان مقتنعا بها في السابق. إذا ظهرت للإنسان قناعات جديدة تخالف ما كان موجودا لديه فليس هناك مانع من ذلك. الإمام الشافعي رحمة الله عليه كتب مذهبا كاملا في العراق وعندما انتقل إلى مصر اتسعت مداركه واطلع على علم أكثر فكتب مذهبه من جديد.
المراجعات والعيب
• البعض يرى الرجوع نوعا من العيب؟
العيب هو الجمود، والإنسان يأثم عند الله إذا تبين له أنه كان على خطأ وأصر عليه انتصارا لنفسه.
• ألا ترى ذلك موجودا ؟
موجود عند شريحة من الناس، وكذلك هناك كثيرون رجعوا عن بعض أفكارهم.
• ما المرحلة التي يمكن أن نقول إنها كانت مفصلية في حياتك؟
لا أريد أن أمدح نفسي ولكن الإنسان يجب أن ينضج وهناك مسائل كثيرة علمية وشرعية حتى في تعامله مع الناس. الإنسان السوي ينضج. ربما يكون قد حرر بعض أفكاره ووجد في ما بعد أنه توسع في ذلك.
• وربما كنت مخطئا في ذلك؟
نعم بالتأكيد أخطأت في بعض الأمور. ولدي كتب أعدت طباعتها بعد حذف بعض الأجزاء منها، أعيد دائما تجديد كتبي وتنقيحها وأستفيد مما يرد إلي من ملاحظات. لا يوجد إنسان كامل والنبي صلى الله عليه وسلم هو وحده المعصوم. حتى عمر رضي الله عنه عندما قام على المنبر خطأته امرأة وسكت عندما أدرك خطأه مع أنه صحابي جليل ولكنه لم يستنكف عن الرجوع للحق وقال: «أخطأ عمر وأصابت امرأة». هذا من ركائز الإيمان. إذا كنا نريد وجه الله وأفتينا في أمر ووجدنا شرعا وليس نتيجة لضغوط أنه خطأ فإن الرجوع يكون ديانة لله.
• وماذا عن ما نشر لك في الإنترنت؟
هناك دراسة بخصوص ذلك وأدرس هذه الفكرة بحيث يتم الأمر بصورة واعية.
• ألم تواجه عاصفة ردود أفعال بعد لقاءاتك الشهيرة في القناة الأولى؟
واجهت فئتين: إحداهما طيبة استفادت واقتنعت بما قلته والحمد لله كتب الكثير من الناس في ذلك وذكروا وجود فوائد علمية طيبة. وواجهت أيضا عاصفة من الانتقادات من فئة أخرى لم تنتقد الفكرة بل شخصنت حديثها ونقدها. قلت لهؤلاء اعتبروا أني غير موجود وناقشوا الفكرة.
• هل أنت مقتنع بما قلته؟
نعم والحمد لله. إذا لم أكن مقتنعا بما أقوله فإني أكون والعياذ بالله قد كذبت على الله ورسوله..
• بم توجه الشباب خصوصا في هذه المرحلة؟
أقول للشباب إن الصدق مع الله ورسوله يقود الإنسان إلى النجاة في الدنيا والآخرة. وكذلك إخلاص النية والمقصد. فلا ينبغي للواحد منا أن يعتقد أنه قد بلغ درجات العلا مهما كان، وأن يضع نفسه دائما في مكان المخطئ فهذا يقود الإنسان لإخلاص النية. الأمر الآخر أوجههم للعلم الشرعي من مصادره ومن المشايخ المعتمدين. العلم والعمل يقودان الإنسان نحو الخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.