أمير الرياض يصل لشقراء في جولة تفقدية ويدشن عددًا من المشروعات التنموية    مبادرة «يوم لهيئة حقوق الإنسان» في فرع الاعلام بالشرقية    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 34596    فيصل بن فهد بن مقرن يستقبل مدير فرع "الموارد البشرية"    تعليم عسير يحتفي باليوم العالمي للتوحد 2024    هاكاثون "هندس" يطرح حلولاً للمشي اثناء النوم وجهاز مساعد يفصل الإشارات القلبية    الشرطة الأمريكية تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض الاعتصامات المؤيدة لغزة    السعودية تدعو لتوحيد الجهود العربية لمواجهة التحديات البيئية التي تمر بها المنطقة والعالم    العدل تُعلن عن إقامة المؤتمر الدولي للتدريب القضائي بالرياض    سعود بن بندر يستقبل رئيس القطاع الشرقي لشركة المياه ويطلع على التقرير السنوي لغرفة الشرقية    محافظ الحرجة يكرم المشاركين في حفل إِختتام اجاويد2    مساعد وزير الدفاع يناقش الموضوعات المشتركة مع فرنسا ويبحث نقل وتوطين التقنية    مجمع الفقه الإسلامي الدولي يشيد ببيان هيئة كبار العلماء بالسعودية حول الإلزام بتصريح الحج    إحلال مجلس إدارة إنفاذ محل لجنة تصفية المساهمات العقارية    المنتخب السعودي للرياضيات يحصد 6 جوائز عالمية في أولمبياد البلقان للرياضيات 2024    انعقاد أعمال المنتدى العالمي السادس للحوار بين الثقافات والمؤتمر البرلماني المصاحب في أذربيجان    سماء غائمة بالجوف والحدود الشمالية وأمطار غزيرة على معظم المناطق    مبادرة لرعاية المواهب الشابة وتعزيز صناعة السينما المحلية    الوسط الثقافي ينعي د.الصمعان    الذهب يستقر بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان رئيس الإمارات في الشيخ طحنون آل نهيان    برئاسة وزير الدفاع.. "الجيومكانية" تستعرض خططها    تيليس: ينتظرنا نهائي صعب أمام الهلال    سعود عبدالحميد «تخصص جديد» في شباك العميد    يجيب عن التساؤلات والملاحظات.. وزير التعليم تحت قبة «الشورى»    متحدث التعليم ل«عكاظ»: علّقنا الدراسة.. «الحساب» ينفي !    أشعة الشمس في بريطانيا خضراء.. ما القصة ؟    الهلال يواجه النصر.. والاتحاد يلاقي أحد    حظر استخدام الحيوانات المهددة بالانقراض في التجارب    اَلسِّيَاسَاتُ اَلتَّعْلِيمِيَّةُ.. إِعَادَةُ اَلنَّظَرِ وَأَهَمِّيَّةُ اَلتَّطْوِيرِ    هذا هو شكل القرش قبل 93 مليون سنة !    جميل ولكن..    أمي السبعينية في ذكرى ميلادها    الدراما السعودية.. من التجريب إلى التألق    «إيكونوميكس»: اقتصاد السعودية يحقق أداء أقوى من التوقعات    هكذا تكون التربية    ما أصبر هؤلاء    «العيسى»: بيان «كبار العلماء» يعالج سلوكيات فردية مؤسفة    زيادة لياقة القلب.. تقلل خطر الوفاة    «المظهر.. التزامات العمل.. مستقبل الأسرة والوزن» أكثر مجالات القلق    «عندي أَرَق» يا دكتور !    33 مليار ريال مصروفات المنافع التأمينية    لؤي ناظر يعلن عودته لرئاسة الاتحاد    النصر يتغلب على الخليج بثلاثية ويطير لمقابلة الهلال في نهائي كأس الملك    مدرب تشيلسي يتوقع مواجهة عاطفية أمام فريقه السابق توتنهام    وزير الصحة يلتقي المرشحة لمنصب المديرة العامة للمنظمة العالمية للصحة الحيوانيّة    «سلمان للإغاثة» ينتزع 797 لغماً عبر مشروع «مسام» في اليمن خلال أسبوع    تحت رعاية الأمير عبدالعزيز بن سعود.. حرس الحدود يدشن بوابة" زاول"    إنستغرام تشعل المنافسة ب «الورقة الصغيرة»    العثور على قطة في طرد ل«أمازون»    أشاد بدعم القيادة للتكافل والسلام.. أمير نجران يلتقي وفد الهلال الأحمر و"عطايا الخير"    في الجولة ال 30 من دوري روشن.. الهلال والنصر يواجهان التعاون والوحدة    دورتموند يهزم سان جيرمان بهدف في ذهاب قبل نهائي «أبطال أوروبا»    اطلع على المهام الأمنية والإنسانية.. نائب أمير مكة المكرمة يزور مركز العمليات الموحد    أغلفة الكتب الخضراء الأثرية.. قاتلة    مختصون: التوازن بين الضغوط والرفاهية يجنب«الاحتراق الوظيفي»    مناقشة بدائل العقوبات السالبة للحرية    سمو محافظ الخرج يكرم المعلمة الدليمي بمناسبة فوزها بجائزة الأمير فيصل بن بندر للتميز والإبداع في دورتها الثانية 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور سليمان الضحيان يتحدث بشفافية مطلقة وينثر اجاباته في حوار مثير:
نشر في عاجل يوم 21 - 03 - 2008

في حوار لاتنقصه الصراحة .. الدكتور سليمان الضحيان يؤكد :
= أنا مدين للصحوة بأجمل فترات عمري
= اعتقال رموز الصحوة الكبار خلق جوا من الحرية للتفكير الفردي للإسلاميين
= حتى ساعتي هذه لم أكتب مقالا في نقد إنسانا بعينة بل نقدي موجه للأفكار
= الإمام أحمد وابن تيمية يملكان نفوذا هائلا في العقل السلفي المحلي وهذه قصتي مع نصر حامد أبو زيد
يؤكد الدكتور سليمان الضحيان الاكاديمي المعروف وصاحب الاطروحات المثيرة للجدل انه منذ مارس الكتابة النقدية عبر العديد من الوسائل لم يتعدى او يتجاوز لينتقد بشكل شخصي ويكشف ان ابن تيمية والامام احمد بن حنبل يملكان نفوذا كبيرا داخل التيار السلفي في المملكة
الكثير من الاراء والإجابات الشفافة ساقها الدكتور الضحيان في حواره مع الزميلة مجلة القصيم فإلى نص الحوار :
تنتمي إلى جيل تفتّحت مداركه المعرفية على ما اصطلح بتسميته بالصحوة الإسلامية , كيف أثّرت تلك الفترة على تكوينك الثقافي والمعرفي ؟ وما الذي بقي لك فكرياً من تلك المرحلة ؟
الفكر الديني للصحوة في مجتمعنا المحلي مر بثلاثة أطوار ، الطور الأول من بداية الصحوة في حدود بداية التسعينات الهجرية إلى قبيل حرب الخليج 1409ه ، وهذا الطور يعبر عن العمق الفكري إذ كان الإسلاميون آنذاك معنيون بالاجتماعات الأسبوعية المغلقة على عدة أشخاص لقراءة بعض الكتب الشرعية والثقافية والفقهية والتاريخية وتحليلها ونقدها وكتابة البحوث ، وإلقاء الدروس ، ثم الطور الثاني من 1409 ه إلى 1416 ه تحول الاهتمام من القراءة والبحث لدى جمهور الصحوة إلى متابعة المحاضرات التي تلقى في المساجد والنقاش حولها ، والطور الثالث بعد 1416 ه وهو طور توقف الزخم الصحوي وبداية الانشقاقات الفكرية ، ومن وجهة نظري فإن أعمق الأطوار الفكرية للصحوة هو الطور الأول إذ كان الاهتمام آنذاك متوجها لغرس حب القراءة والإطلاع في نفوس الشباب مما خلق جيلا صحويا مثقفا معنيا بمتابعة الكتب والقراءة والتساؤل ، ومن حسن حظي أنني عاصرت بعض ذلك الطور وتأثرت بالأجواء الثقافية التي خلقها ، وأحدث ذلك كله فيَّ تأثيرا عميقا في الاتجاه إلى طلب العلم ، و القراءة في التراث في العقيدة والتفسير والفقه والسيرة والتاريخ ، وقراءة الفكر الإسلامي المعاصر كأطروحات سيد قطب ومحمد قطب ومالك بن نبي ومحمد حسين والندوي ، ومتابعة المجلات الإسلامية كالمجتمع والفرقان والبلاغ ،و قد شكلت تلك القراءات وعيي الفكري آنذاك ، وصاغت نظرتي للتاريخ والأعيان والوقائع
.
وانا مدين لتلك الفترة بحبي العميق للتراث وكثرة قراءتي فيه ، و تعلقي بالعلم والثقافة والفكر ، وتجميع الكتب وملاحقة الجديد منها .
وأرى أن تلك الفترة كانت من أجمل فترات عمري ، ومازلت من الناحية الروحية والحميمية متعلقا بها وبالأشخاص الذين عاصرتهم آنذاك فيها ، ومازال أثرها الفكري باقيا لدي إذ مازلت مؤمنا بمرجعية الإسلام نظاما للحياة والدولة في أي مشروع نهضوي أراه ، وما زلت مؤمنا بأهمية قراءة التراث والتعمق فيه لكل مفكر- مهما كان توجهه الفكري - يريد أن يضيف شيئا ذا بال في فكرنا العربي المعاصر ، ومازلت أرى أن التدين الصحيح الفطري البعيد عن الصراعات والمطامع والأهواء الشخصية ، غير المشوب بالأيديلوجيا هو أفضل طريقة لتربية النشء وغرس القيم والأخلاق فيه ، وهو المنهج الحقيقي لمن ينشد الراحة والطمأنينة .
لا يأتي الحديث عن المثقفين والكتٌاب الذين خرجوا من عباءة الصحوة وأعملوا أقلامهم نقداً في أدبياتها وخطابها الفكري , إلا ويذكر د . سليمان الضحيان .. بداية بماذا تفسر خروج هذا العدد من المثقفين ومعظمهم من الشباب عن مقتضيات الخط الصحوي ؟
نعود إلى التأكيد على أحادية مصدر التلقي في التيار الإسلامي السعودي ، هذه الأحادية جعلت الطرح الإسلامي موحدا منسجما أفكارا وآراء ومواقف ، واستطاعت قيادة الصحوة أن تجمع الإسلاميين الصحويين تحت برنامج معين , ذي خطاب واحد محدد, كان الإسلاميون كلهم محتشدين لبلورة هذا الخطاب , والتبشير به ، والدعوة إليه ، بعد غياب رموز وقيادات الصحوة الأوائل في عام 1416ه عن جمهورهم رجع كل إنسان ليعبر عن نفسه وآرائه ومفاهيمه الخاصة ، بعد أن انجلى العقل الجمعي والزخم الجماهيري الذي خلقه رموز الصحوة للإسلاميين, فالإنسان ينساق مع الجمهور دون أن يشعر, ولهذا بعد أن خلوا بأنفسهم بدأ كل واحد يفكر بطيريقته , وبدأت أفكاره الخاصة تتخلق جنينا في رحم عقله ، ولغياب وجود فسحة في طرح هذه الأفكار ومنابر حرة بقيت أفكارا حبيسة في العقول كان كل إنسان يؤمن بها يحتفظ بها لنفسه, وعندما جاء الإنترنت بدأت الكتابات واكتشف كل واحد أن هناك جمهورا يحمل مثل هذه الأفكار , كما يقول المفكر الإيراني عبد الكريم شروس \" الحرية لا تخلق واقعاً, وإنما تكشف عن واقع\" ، إذن الإنترنت كشف عن وجود هذه الواقع, وأصبحت أفكارهم تتلاقى, وأصبح هناك تيار واضح ، يحمل هما فكريا يختلف في بعض أطروحاته مع فكر الصحوة .
•في حالتك الشخصية ألا ترى أن ما كتبته من نقد للخطاب الصحوي تجاوز الموضوعية إلى ما يمكن وصفه بالمكايدات والحسابات الشخصية ؟
هذه أول مرة منذ أن بدأت أكتب في الصحف والمجلات والانترنت يتهمني أحد بأني تجاوزت الموضوعية فيما أكتب ، ولست أدري هل هذا الرأي بناء على قراءة ما كتبت أو هو حكاية عما يقال؟
فإن كان بناء على ما كتبت فغير صحيح لأمرين ، أحدهما أن كتاباتي النقدية للخطاب الصحوي قليلة جدا تعد على الأصابع ؛ فقد كانت أغلب مقالاتي في التأصيل المعرفي الإسلامي ؛ عن قراءة النص الشرعي ، وعن المصلحة والنص الشرعي ، والقطعية والظنية في مدلول النص ، وعن إعادة قراءة التراث ، والموقف من الآخر المسلم وغير المسلم ، ونادرا ما تعرضت لنقد ممارسات الصحوة والصحويين ، والأمر الثاني : فحتى ساعتي هذه لم أكتب مقالا واحدا نقدت فيه شخصا باسمه إلا أن أذكر اسمه مقرونا بنقد كتاب له أو رأي علمي له ويأتي ذكري له في سياق حديث طويل عن ظاهرة ما ، دون أن يكون المقال مخصصا لنقده ، ولو كانت الكتابة لتصفية الحسابات لخصصت مقالات مطولة لأولئك الذين أريد تصفية الحسابات معهم .
وإن كان هذا الرأي إنما حكاية عما يقال عن كتاباتي في المجالس ، فغالب ما يقال مبني على تقييم من أناس لم يقرؤا إنما جل حديثهم قال وقيل ، ولم تقتصر التهم في المجالس على مثل هذا ، بل هي كثيرة جدا ، وهذا أمر طبعي في مثل حالتي ؛ إذ خرجت عن المعهود دينيا عند كثيرين وهذا دفعهم إلى تصنيفي في خانة المنحرفين والعقلانيين وما إليها من تصنيفات ، وغالب الذين يتكلمون ويصنفون أناس أخيار طيبون بسطاء يدفعهم حماسهم الديني وغيرتهم إلى التحذير من فلان ، وينقلون الأحاديث عما يقال عنه بحسن نية وهو يحسبون أنهم يحسنون صنعا
•القارئ للخطاب الديني المحلي يلحظ تأكيداً على مرجعية هذا الخطاب للمصادر الأولى \" القرءان الكريم والسنة النبوية المطهرة \" وأنه امتداد للمنهج السلفي الصحيح , في حين تكثر داخل هذا الخطاب الإحالات المرجعية للمذهب الحنبلي وتحديداً آراء شيخ الإسلام ابن تيمية ... في تقديرك كيف لنا أن نفهم هذا الخطاب وفق تلك الإحالات المرجعية ؟
المرجعية التي ينادي بها الخطاب الديني المحلي هي الرجوع للكتاب والسنة من خلال مرجعية المنهج السلفي في التعامل مع النصوص ، وهذا المنهج له آباء ورموز ، ومن أهم آباء هذا المنهج على امتداد التاريخ الإسلامي علماء المدرسة الحنبلية كالإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية ، فالإمام أحمد جاء في حقبة تاريخية كانت تعيش صراع مناهج متعددة في طريقة تناول النص الشرعي بين أهل الحديث وأهل الرأي فقهيا ، وأهل الحديث والمعتزلة والجهمية عقائديا ، فمثَّل الإمام أحمد لحظة التميز لمنهج أهل الحديث الذي عرف لا حقا بالمنهج السلفي ، وابن تيمية مثَّل نقلة نوعية في المنهج السلفي وذلك بعقلنة الأطروحات العقدية السلفية مما مكَّن الرؤية السلفية أن تقارع الطرح الأشعري الغالب في المجتمعات الإسلامية آنذاك ، ومن هنا فلا عجب أن يكون هذان الرجلان يملكان نفوذا هائلا في العقل السلفي اليوم ، مما يجعلهما حاضرين بقوة في أي خطاب سلفي اليوم ، وهذه ظاهرة طبعية فالفكر- أي فكر - يتمثل في التاريخ والواقع من خلال رموزه المنتجة له ، وهؤلاء الرموز لهم نفوذ على الأتباع ، والاستشهاد بمقولاتهم وأطروحاتهم تضفي الشرعية على كل من استشهد بها لدى معتنقي هذا الفكر ، فالخطاب الأشعري ينادى بمرجعية الكتاب والسنة ، لكن مشروعيته لدى أتباعه في ترديد مقولات أبي الحسن الأشعري والغزالي ، والفكر الشيعي يجد مشروعيته لدى أتباعه في ترديد مقولات الصادق والباقر وبقية أئمة الشيعة ، وهكذا فلا عجب أن يكون خطابنا المحلي يجد مشروعيته في تنظيرات الإمام أحمد وابن تيمية رحمها الله .
مالذي يحتاجه الخطاب الديني الإسلامي في هذه المرحلة من تاريخ الأمة ؟•
الخطاب الديني اليوم يواجه تحديا هائلا في ظل التقارب العالمي وعولمة الثقافة الغربية ، وسيادة المفهوم الغربي للديمقراطية و حقوق الإنسان ، ومن هنا فإن الخطاب الديني مطالب بإعادة النظر أمور أربعة ؛ الأمر الأولى : إعادة النظر في منهج الاستنباط من النصوص المبني على الحرفية في التعامل مع النص وخاصة في غير الجوانب العبادية ، وذلك بتفعيل المنهج المقاصدي في التعامل مع النصوص ، وقراءة السيرة العملية للرسول صلى الله عليه وسلم وللجيل الأول من الصحابة والتابعين ، وذلك لتستوعب دلالة النص الشرعي كل المستجدات ، والأمر الثاني : ترتيب الأولويات التي يهتم بها الخطاب الديني فيجب توجيه الاهتمام اليوم إلى كليات الدين وأركانه وثوابته ، لأن المعركة التي يواجهها المسلمون اليوم معركة وجود قبل أن تكون معركة تفاصيل دينية ، ولهذا يجب أن تكون المشاريع الدينية والمناشط الدعوية موجهة إلى الاهتمام بهذه الأمور العظيمة ، الأمر الثالث : إعادة النظر في ملف التعامل مع الآخر المسلم والآخر غير المسلم ، فجل أحكام هذا الملف كتبت في عصور كانت الصراعات بين الأمم والمذاهب على أشدها مما كان له أثر في تدوين أحكام وضوابط هذا الملف ، وفي ظل التغير الجذري لعالم اليوم يجب أن يتوافق معه إعادة النظر في هذا الملف الشائك ، الأمر الرابع إحياء فقه الخلاف الديني وذلك بطرح الأقوال الفقهية المختلفة في المسألة الواحدة ، وتعويد الناس على سماع الخلاف الفقهي ليستوعب الجمهور سعة الدلالة الشرعية وعدم اقتصارها على راي مذهبه ؛ مما يولد تسامحا وسعة أفق عند الجمهور تجاه المخالفين له في الرأي أو المذهب .
•تشهد الصحافة المحلية حوارات ومطارحات ثقافية وفكرية حادة بين من يعبرون عن المدرسة السلفية ومن يتحدثون باسم الليبرالية ... في رأيك إلى أي مدى ستوثر هذه النقاشات على المناخ الثقافي والاجتماعي في المملكة ؟ ثم ألا ترى أن هذه الحوارات تحولت من مناقشة للأفكار إلى محاسبة للأشخاص ؟
هذه المطارحات والحوارات – مع ما فيها من حدة وتجن وخروج عن الموضوعية - ظاهرة صحية ، و وسطنا الثقافي أحوج ما يكون إليها ؛ لأن الحوار والنقد والتثاقف هو وقود الفكر ، والحوار والنقد لا يكون بين المتفقين فكريا ، ومتى اختفى النقد والحوار من مجتمع ما دل على موت الفكر في ذلك المجتمع وتحوله إلى مجتمع ذي فكر أحادي نمطي يعيد إنتاج مقولاته ، فالخلاف الفكري هو وقود التجديد والإبداع ، والأفكار الجديدة هي في محصلتها النهائية نتاج صراع الأفكار في جدلها مع الواقع ، وكلما كان الواقع حيويا صاخبا ثريا في الحضارة كان الصراع الفكري على أشده نظرا لكثرة الأفكار والأطروحات الفكرية ، ففي قمة عصر الحضارة الإسلامية في القرن الثالث الهجري كان المجتمع آنذاك يعج بالمذاهب والخلافات في الفكر العقدي والمذاهب واللغة والنحو والفقه مما أنتج تراثا إسلاميا هائلا في تلك العلوم ، وحينما انحدرت الحضارة الإسلامية وأغلق باب الاجتهاد انحدر الإنتاج الثقافي للأمة وتحول إلى ترداد لما سبق إنتاجه .
إذن ما يدور في ساحتنا الثقافية من حوارات وصراعات هي ظاهرة صحية في عمومها لها أثر مهم في تلاقح الأفكار وتجديدها وتقويمها ، وتحول بعضها من نقد الأفكار إلى محاسبة الأشخاص موجود للأسف فثمة كتاب يتعاملون مع النقد على أنه سلاح لإسقاط الخصم ، ولكن وجود مثل هذا الأسلوب لا يجب أن يدفعنا إلى التقليل من أهمية النقد والحوار
•في السنوات الأخيرة شهدت الساحة الثقافية في المملكة توجهاً جاداً نحو القراءات الفكرية والفلسفية , وعلى الرغم من كثرة الإنتاج الثقافي في المملكة إلا أن هناك غياباً للمشاريع الفكرية الجادة والعميقة ... بماذا تفسر عزوف مثقفينا عن تبني مشاريع فكرية كما هو الحال عند مثقفي الأقطار العربية الأخرى ؟
المشاريع الفكرية العميقة تحتاج لأمرين ؛ مفكر عميق يكون الفكر والثقافة هي حياته كلها ، وفي الوقت نفسه يكون مهموما بالمساهمة في إصلاح الأمة ونهضتها ، والامر الثاني : وجود وسط ثقافي جاد ذو تقاليد ثقافية عريقة نتجت من تراكم معرفي طويل مر به المجتمع ، ويكون هذا المجتمع حاضنا لذلك المفكر ودافعا له على الإبداع والبحث والتأليف ، وبالنظر إلى واقعنا المحلي نجد أنه يخلو من الأمرين جميعا ؛ فلا وجود للمفكرين المعتكفين في محراب الفكر والثقافة ، فغالب من يوجد لدينا مثقفون لديهم اهتمامات فكرية ، و أيضا لا وجود للوسط الثقافي ذي التقاليد العريقة في البحث والتأليف ، ونظرا لحداثة الحراك الثقافي لدينا أعتقد أنه من المبكر الحديث عن طرح مشاريع فكرية عميقة في واقعنا المحلي
•في بحثه الموسوم ب \" مآلات الخطاب المدني \" يصف الباحث إبراهيم السكران كتابات منتقدي الصحوة من الذين خرجوا عن دائرتها الفكرية بأنها نوع من \" الارتباك الفكري \" الذي تحول إلى \" علمانية صريحة \" ..إذا أخذنا في الاعتبار حداثة أعمار هؤلاء الكتاب من جهة وطبيعة المدرسة التي تخرجوا منها ( خصائص الخطاب الصحوي) من جهة أخرى..ألا يمكن الاتفاق مع الباحث السكران بأن أفضل وصف لهذه الكتابات هو \" الارتباك الفكري \" ؟
أنا أرى أن أجمل وصف يمكن أن يوصف به بحث أخينا الأستاذ إبراهيم هو ( ارتباك فكري ) ، لأن ذلك البحث وقع في خطأين ، الخطأ الأول :أنه خلط في حديثه بين كتاب إسلاميين كانوا صحويين ثم تحرروا من أسر خطاب الصحوة وبقوا تحت مظلة الوصف الإسلامي ، مقرين بمرجعية الإسلام في كتاباتهم ، وكتاب آخرين تحرروا من الخطاب الإسلامي وتحولوا إلى خطاب علماني صريح ومعادِ لكل ما هو إسلامي ، والمفارقة أن الأستاذ إبراهيم في حديثه وتعقيبه على النقد الموجه لبحثه يقول : إن حديثه إنما كان عن الصنف الثاني وهو من تحولوا إلى علمانيين ، لكن الارتباك في ذلك البحث يخالف ما يقوله كاتبه .
الخطأ الثاني تعامل الباحث مع الفكر والتحول الفكري انطلاقا من مرجعيته الفكرية التي يؤمن بها ، ومن هنا فيصف من اختلف معه بأنه لا يعدو أن يكون ارتباكا فكريا ، وهذا خطأ منهجي قاتل في النقد الفكري ، نعم يصح توصيف تلك الكتابات إنها ارتباك فكري لو أن منتجيها مازالوا يطرحون أنفسهم على أنهم معبرون عن فكر الصحوة ، فيكون طرحهم المنسوب إلى الصحوة مخالفا لفكر الصحوة فيصح - حينئذ - توصيفه بالارتباك ، لكن الواقع أن منتجي هذا الخطاب الجديد مقرون بتحولهم الفكري ومغادرتهم لفكر الصحوة ، وتحولهم جاء نتيجة رؤية فكرية اختيارية آمنوا بها .
يبقى الحديث عن كتابات أولئك الكتاب هل هي كتابات فكرية عميقة أو هي مجرد ارتباك فكري؟ من الخطأ والظلم أن يوضع كل أولئك الكتاب في سلة واحدة فثمة تباين بينهم في العمق والأسلوب والتوجه والهدف ، ومن المصداقية في النقد أن يكون مبنيا على القراءة الجادة لإنتاج كل واحد منهم بعيدا عن التعميم وسوء النية
•كتبت مؤخرا موضوعا جاء تحت عنوان \" المناهج الحديثة في قراءة النص الشرعي ..نصرابوزيد نموذجاً \" ..للوهلة الأولى فإن العنوان يشيء للقارئ بأنه أمام دراسة نقدية عميقة غير أن الموضوع ينتهي دون أن تقول شيئا ذا بال في مايتعلق بمناقشة منهجية أبوزيد ..هل يمكن أن يكون هذا الموضوع مقدمة لدراسة نقدية لأفكار أبو زيد المرتبطة بقراءة النص الشرعي ؟
أحترم النتيجة التي خرجت بها من قراءتك للمقال ، وللمقال قصة ؛ فالمقال في أصله ندوة علمية ستطرح من خلال مجلة ( الإسلام اليوم ) ، فقد أرادت المجلة أن تعقد ندوة حول ( المناهج الحديث في قراءة النص الشرعي ومقارنتها بأصول الفقه ) واختارت للمشاركة بهذا الملف كل من : د عبد الله الزنيدي ، د عياض السلمي ، ود علي المطرودي ، ومحدثك سليمان الضحيان ، فوجهت لكل ضيف سؤالين ، وكان السؤال عاما عن المناهج الحديثة ، ولأن الحديث عن هذه المناهج جديد ويحتاج للدقة آثرت أن يكون كلامي موثقا فرجعت إلى كتب أبي زيد فطال الجواب ، ثم إن الدكتورين السلمي والزنيدي اعتذروا عن المشاركة ، فرأت المجلة أن أقتصر على جواب السؤال الأول وينزل المقال على أنه مقال بحثي ، وهو في حقيقته جواب على سؤال في ندوة ، وقد آثرت أن يكون المقال تعريف بالمشاريع الجديدة في تناول النص الشرعي ، ومشروع أبي زيد مع نقد الأساس الذي بناء عليه أبو زيد مشروعه ، دون التعمق في النقد والاستقصاء ؛ فمساحة النشر وطبيعة القاريء تحتم على الكاتب مراعاة ذلك .
و ثمة مشروع أطروحة دكتوراه لأحد الزملاء في كلية الشريعة في نقد أطروحات أبي زيد آمل أن تكون كافية في نقده .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.