أمسك مذكرة كثيرة صفحاتها، جمع قواه العقلية والنفسية على حفظها وفهمها، ولاحت في مخيلته ذكرى أستاذه وهو يتوعد تلاميذه بصعوبة الأسئلة والتدقيق في التصحيح. بدأ الطالب الموفق في القراءة والاستذكار، وفي كل جزئية تطرأ له إشكالية حولها يجد نفسه عاجزا عن فهمها، ومن ذا من الناس يمكنه أن يفهِمه تلك الجزئيات والجميع منشغل بالمذاكرة ليلية الاختبار. حاول أن يتذكر شيئا من شرح أستاذه ولا سبيل إلى ذلك فإن شرح الشيخ أعقد مما في المذكرة فلم يكن يتميز الأستاذ إلا بقوة الشخصية والوعيد ورفع الصوت وأما فن إيصال المعلومة المبني على فهم المادة الملقاة فليس لذلك المعلم نصيب منه إلا قليل. سهر الطالب ليلته في المراجعة والحفظ ومحاولة الفهم، وغدا صباحا ليجري الاختبار لكن الذي بغته هو وزملاءه طول الأسئلة وكثرة الفقرات والسؤال عن جزئيات دقيقة في المنهج. عاد التلميذ حزينا لما فاته من حسن الإجابة، لقيه والده بالبشر مستشعرا أن ابنه بذل كل ما في وسعه، فناجاه قائلا يا بني دع عنك التفكير في أي إخفاق مضى واستعن بالله على ما يأتي. وقضى الطالب يومه ذاك كئيبا وأقبل على مذاكرة مادة اليوم التالي. وغدا صباحا فسره وأفرحه وضوح الأسئلة وأنها في المعلومات الكلية، خرج هو وزملاؤه في تفاؤل وتجدد آمال. أحبتي القراء إن الكثرة الكاثرة من المعلمين من أعضاء هيئة التدريس ومعلمي التعليم العام بحسب ما نسمع من الطلاب في شتى المراحل على قدر كبير من الرفق بالطلاب مع ما يتميزون به من حسن إلقاء وحسن اختيار لأسئلة الاختبارات ورحمة بطلابهم في تصحيح أوراق الإجابة لكن بعض المعلمين ينفرون الطلاب من التعليم المنشود فترى أحدهم لا يعتني بحسن التحضير في شرحه لمادته ولا يكترث بالبحث عن ما يناسب الطلاب من أسلوب تعليمي يوصل لهم المعلومات في يسر وسهولة ومع هذا فهو عنيف معهم بتهديدهم وكثرة توعده لهم، وإذا تأملت ما يضعه من أسئلة فإنك تدرك ما يعانيه ذلك الأستاذ من سوء فهم لمقصود التعليم وأهدافه، حيث إن المقصد على الحقيقة هو أن يلم الطالب بما يمكنه الإلمام به من معلومات يفيد منها في دينه ودنياه. ومن الطريف أنك تجد ذلك النوع من الأساتذة يصحح أوراق الإجابة وكأنه يحقق مخطوطة علمية أو يناقش رسالة أكادمية وتراه يوزع الدرجات «بربع درجة» و«ثلث درجة» و«نصف درجة». وقد لاحظ تربويون أن تشديد بعض المعلمين غالبا ما يوجد حاجزا نفسيا بين الطلاب وبين المادة التي درسها ذلك الشيخ. وهنا ينبغي أن نتذكر توجيهات النبي (عليه الصلاة والسلام) فقد روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «إن الله يحب الرفق في الأمر كله». ومن المعلوم أن التعليم أشرف الأعمال والرفق فيه هو السبيل الأمثل في حصول المراد منه . * المشرف العام على الدعوة والإرشاد في منطقة المدينةالمنورة وخطيب جامع الخندق