ما حدث في تونس ومصر لم يكشف الواقع كما هو، لأنه جاء سريعا، وسريعا اختفى الواقع المعاش خلف أماني وأحلام الشعوب بحياة أفضل، بيد أن ما يحدث في ليبيا جعل الواقع أكثر وضوحا ويمكن لنا رؤيته والتدقيق فيه، لمعرفة هل كان الخلل «في الزعيم» ، أم أن الخلل هو من أنتج لنا الزعيم وأشباهه ؟ بسؤال أوضح : هل الزعيم نبتة غريبة في تربة ديمقراطية، أم التربة تنتج هذا الصنف، لهذا لا يمكن لتلك الأحلام أن تتحقق ما لم يتم تغيير التربة التي تصنع الطغاة ؟ هذا السؤال يجيب عليه المشهد الليبي الآن، فالجميع تابع العدد الهائل من أركان الحكومة الوزراء وقادة عسكريين والسفراء والدبلوماسيين في الخارج وهم يقدمون استقالاتهم تباعا، بعد أن ضعفت سلطة الزعيم، وكان البعض يجير هذه الاستقالات لمصلحة الثورة، مع أن هذه الاستقالات تقول لنا شيئا آخر، أو هي تطرح سؤالا : ما الذي تغير بالزعيم طوال 42 عاما وهو على رأس السلطة، ليدفعهم إلى تقديم الاستقالة ؟ بالتأكيد لم يتحول الزعيم من قائد الإصلاح أو رجل الديمقراطية إلى ديكتاتور كبير، فهو ومنذ أن جاء للسلطة يدير الدولة بنفس الطريقة وبنفس الآلية، ويتحكم بمقدرات وثروات الوطن ولا أحد يسائله لماذا تفعل هذا، أو لماذا تدعم الثوار والانفصاليين وتحاول اغتيال الزعماء وتفجر طائرات تقل أبرياء لا دخل لهم بالسياسة، بدل أن تدعم التطور ونشر الوعي في ليبيا ؟ وكان دائما يصفي ويقمع المعارضة الليبية حتى وإن تركوا الوطن وذهبوا للخارج، وكل هذا أمام أعين الوزراء وقادة الشرطة والجيش والسفراء والدبلوماسيين، ولم يتقدم أحد منهم باستقالته، بل كانوا يوجدون له المبررات، فما الجديد الذي دفعهم لتقديم الاستقالات الجماعية ؟ إنه وباختصار : انتهت مصالحهم الشخصية مع هذا الطاغية الذي لم يعد قادرا على حكم البلاد بالقوة، ومصالحهم الشخصية تحتم عليهم التخلي عن هذا الطاغية الذي سقط، وتبرئ نفسها من 42 عاما من الطغيان، لتعد نفسها من جديد لطاغية جديد، تنتجه هذه التربة فتحقق مصالحها.. علينا أن ننتبه أننا هنا نتحدث عن النخب السياسية والثقافية وليس عن فقراء المجتمع، وإن كانت النخب قابلة للعبودية، فمن الطبيعي أن يرتهن العامة لهذه العبودية. أتمنى ألا نحشر هنا «التفاؤل والتشاؤم»، فالأمر هنا محاولة لقراءة الواقع، وما لم نواجه واقعنا القبيح ستستمر التربة صالحة لزعيم جديد. S_ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة