الفرصة مهيأة لهطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    البليهي: تفكيرنا الآن في مباراة الوحدة.. وننتظر الجماهير غدًا    يايلسه: يجب أن يعلم الجميع أين كنا الموسم الماضي    واتساب يختبر ميزة لإنشاء صور ب"AI"    اللجنة الوزارية تنقل أزمة غزة إلى باريس    "SANS" تدير الحركة الجوية بمطار البحر الأحمر    المملكة تستهدف تحلية 16.2 مليون م3 من المياه يوميًا    جيسوس: مالكوم ظلم بعدم استدعائه لمنتخب البرازيل    اتفاقية ب25 مليون دولار لتصدير المنتجات لمصر    توجيهات عليا بمحاسبة كل مسؤول عن حادثة التسمم    دار طنطورة.. التراث والحداثة بفندق واحد في العلا    "العلا" تكشف عن برنامجها الصيفي    المخرجة السعودية شهد أمين تنتهي من فيلم "هجرة"    تحذيرات علمية من مكملات زيت السمك    تراجع أسعار الذهب في تعاملات اليوم    معالي أمين منطقة عسير يزور معرض صنع في عسير    خريجو «خالد العسكرية»: جاهزون للتضحية بأرواحنا دفاعاً عن الوطن    ارتفعت 31.5 % في الربع الأول    أمسك.. حرامية المساجد!    متى القلق من آلام البطن عند الطفل ؟    قد لا تصدق.. هذا ما تفعله 6 دقائق من التمارين يومياً لعقلك !    5 أطعمة تعيق خسارة الوزن    الاتفاق يتغلب على الشباب بهدف في دوري روشن    «رحلة الحج» قصص وحكايات.. «عكاظ» ترصد: كيف حقق هؤلاء «حلم العمر»؟    السلاحف البحرية معرضة للانقراض    الفتح يتغلب على الحزم بهدفين في دوري روشن    الاتحاد يتغلب على ضمك برباعية في دوري روشن    مصدر هلالي ل "الرياض": إصابة مالكوم غير مقلقة    لندن: تقديم رجل مسن للمحاكمة بتهمة مساعدة روسيا    هزة أرضية بقوة 3.9 درجات تضرب نيو ساوث ويلز الأسترالية    توقف الخدمات الصحية في أكبر مستشفيات جنوب غزة    مواجهة الهلال والوحدة بين الطائف والرياض    «الحونشي»    «الثقافة» و«التعليم» تحتفيان بالإدارات التعليمية بمختلف المناطق    سفارة المملكة في إيرلندا تحتفي بتخرج الطلبة المبتعثين لعام 2024    الاستثمار الثقافي والأندية الأدبية    حظي عجاجه والحبايب (قراطيس) !    الدكتوراه لفيصل آل مثاعي    القمر يقترن ب «قلب العقرب» العملاق في سماء رفحاء    هل بقيت جدوى لشركات العلاقات العامة؟    نمو الجولات السياحية ودعم الاقتصاد الوطني    تنوع أحيائي    ثانوية السروات تحتفي بتخريج الدفعة الأولى من نظام المسارات    نزاهة: حادثة التسمم الغذائي بأحد مطاعم الرياض لن تمضي دون محاسبة    فيصل بن خالد يرأس اجتماع الجهات الأمنية والخدمية المشاركة في منفذ جديدة عرعر    فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة الشرقية يكرم موظف سوداني    فيلم "نورة"يعرض رسميا في مهرجان كان السينمائي 2024    مستشفى أبها للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للربو"    القبض على وافد بتأشيرة زيارة لترويجه حملات حج وهمية ومضللة    دفعة جديدة من العسكريين إلى ميادين الشرف    أمير حائل يشكر جامعة الأمير محمد بن فهد    رفع كسوة الكعبة المشرَّفة للحفاظ على نظافتها وسلامتها.. وفق خطة موسم الحج    تمكين المرأة.. وهِمة طويق    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 142 مجندة من الدورة التأهيلية    الخريجي يقدم العزاء بمقر سفارة إيران    الاستعداد النفسي أولى الخطوات.. روحانية رحلة الحج تبعد هموم الحياة    توريد 300 طن زمزم يومياً للمسجد النبوي    دشن هوية «سلامة» المطورة وخدمات إلكترونية.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يتفقد سير العمل في الدفاع المدني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصحوة مرحلة طغت فيها الأفكار المستعجلة والاندفاع
أكد أن الأمم الخاملة لاتتعرض للمشاكل .. المفكر د. علي النملة ل "عكاظ" :
نشر في عكاظ يوم 01 - 07 - 2010

نفى المفكر الدكتور علي بن إبراهيم النملة أن تكون الأمة تعيش حالة كبيرة من التردي والتراخي، موضحا أن المؤشرات تدل على أن الأمة ينتظرها مستقبل أفضل، وحذر في حوار مع «عكاظ» من بعض من ينادون بتطوير الخطاب الإسلامي والذين يمسون بهذا التطوير ثوابت الأمة ليس مباشرة، بل البدء بأطراف الثوابت وما له علاقة بها مما لا تقوم الثوابت إلا بها، مرحبا بالتجديد المتزن بعيدا عن المساس بثوابت الدين. ولفت النملة إلى أن البعض استغل حالة الضعف والوهن للأمة بجر أذهانها إلى التفكير التحريضي الذي جر بعض المتعجلين إلى تسويغ الخروج على الدولة والحاكم، بتكفيرهم وتكفير جميع من يتعاملون معهم ويوالونهم، مشددا على أن نهوض الأمة لا يكون بالتطرف والإرهاب.
ورفض النملة تسمية ما يدور في الساحة بالصراع الفكري، مؤكدا أنه لن تكون عائقا عن تقدم مجتمعنا بدليل عدم توقف مشروعات الإصلاحات المتنوعة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. ورفض النملة استخدام التنصيف كليبرالي، تنويري، وعصراني وغيرها ، مشددا على أن من ينادي بهذه الألقاب يحق رغبة أعداء الأمة في شرذمتها وإشغالها بخلافات داخلية لا تنتهي.
ودعا الدكتور علي إلى استخدام الدراسات العلمية موضحا أن التوجه إليها يختصر الطريق ويوفر المال، ويحد من الارتجالية، ويقلل من «لوحات التقبيل» في جميع المشروعات الصغيرة والكبيرة، ويقضي على الفشل في هذه المشروعات ، فإلى التفاصيل :
• بداية كيف ترى واقع الأمة الإسلامية اليوم؟
رؤيتي لواقع الأمة الإسلامية رغم كل ما هو مشاهد اليوم ما يزال بخير وإلى خير. وما المشكلات الطارئة التي تعصف بالأمة إلا دليل على أن الأمة مقبلة على خير. والأمم الخاملة لا تتعرض لمثل هذه المشكلات. وبعضنا لا يريد أن يواجه مثل هذه التحديات ما دام أنه على الصواب. ومن قال إن من هم على الصواب لا يتعرضون للتحديات؟!
ولقد كثرت المناحات على واقع العالم الإسلامي، وجرى توجيه الأذهان إلى المجابهة بالخطاب الثوري الذي جر بعض المتعجلين إلى تسويغ الخروج على الدولة والحاكم، بتكفيرهم وتكفير جميع من يتعاملون معهم ويوالونهم. صحيح أن هذه رؤية متطرفة، والذي جر إليها التطرف في الموقف من الواقع المؤلم للعالم الإسلامي. وتصحيح هذا الوضع لا يتم بالنظرات المتطرفة، وإنما من المعالجة إعادة ترتيب البيت من الداخل والإكثار من التوعية المنهجية القائمة على الكتاب والسنة والأدلة الواضحة في مراحل التغيير ومراتبه، دون القفز على الأمور ومن ثم الإسهام في تأزيم هذا الوضع.
تردي الأمة
• تؤكدون بأنه ليس من المسلم به أن الأمة تعيش حالة كبيرة من التردي والتراخي، بينما المؤشرات تمعن بأن حالها يسوء يوما بعد يوم.. فكيف يكون المخرج من هذه الأزمة التي يتكرر ترديدها على أذهاننا سواء عبر الإعلام أو حتى الندوات؟
نعم ليس من المسلم به أن الأمة تعيش حالة كبيرة من التردي والتراخي، وليس من المسلم به كذلك أن المؤشرات تمعن بأن حال الأمة يسوء يوما بعد يوم. هذا نوع من اليأس والإحباط، وأحسب أنه لا يخلو من قدر من القنوط. الأمة الإسلامية تمر بمرحلة إرهاصات وتمحيص بعد مرحلتين سابقتين للإحيائية التي يسميها بعضنا بالصحوة، فكانت الأولى عاطفية طغت فيها الأفكار والرؤى المستعجلة وضعف فيها العلم وتقدم فيها الفكر والاندفاع، ثم جاءت الإحيائية الثانية التي نزعت إلى العلم والبحث في الدليل الشرعي، ثم نحن الآن في الإحيائية الثالثة التي اتسمت بالموضوعية والعمل الإسلامي المؤسسي، سواء أكان عملا سياسيا أم اقتصاديا أم اجتماعيا أم تربويا. وهذا من المؤشرات الإيجابية التي تؤكد ما أقوله هنا.
• هل تصعيد مفهوم جلد الذات يؤدي لا محالة إلى حالة من الهوان والخذلان؟ أم أن منفعته تعيدنا إلى الطريق السوي الذي يعيدنا إلى التوازن في فهم الأمور وتصدير الأحكام؟
بلغني أن التعبير بمصطلح «جلد الذات» تعبير كنسي، ويمكن أن يستعاض عنه بالتهوين من الأمة وقدراتها والتهوين من الذات. وهناك خلط في السؤال بين التهوين من الأمة أو «جلد الذات» ونقد الذات، ونقد الذات مطلوب باستمرار، ومن يأنف من نقد الذات يضيع ذاته ويضيع الأمة. جلد الذات نعم يؤدي إلى الهوان والقنوط واليأس كما ذكرت . أما الذي يعيدنا إلى الجادة الصواب فهو التركيز على نقد الذات والتقويم والتطوير وعدم الوقوف على مقولات لبشر مؤداها أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، أو أنه لم يدع السابق للاحق شيء، وأن المرء لن يأتي بما لم تستطعه الأوائل، فهذه مثبطات، دون أن تتعمد التهوين مما جاءت به الأوائل فلهم فضل السبق والعلم والإخلاص والصواب.
الهيمنة والخطاب
• ذكرتم في غير مرة بأن الأمة الإسلامية تتعرض لهيمنة سياسية غربية بيد أنها هيمنة غير مسلم بها بل وغير مقبولة .. فكيف تكون غير مقبولة ونرى أوجهها متجسدة في أدق تفاصيل حياتنا اليومية، والشواهد أمامك كثيرة، فلك أن تنظر في فلسطين والعراق مثلا كيف تحكم سيطرتها عليها دون مراعاة لأحقية هذه المجتمعات وتفرض وصايتها؟
لا أذكر أنني قلت إن الأمة الإسلامية تتعرض لهيمنة سياسية غربية. فالتوجه الذي أثق به أن الهيمنة قائمة، لكنها ليست طاغية، فهناك «مقاومة» ضمنية بأساليب دبلوماسية وفكرية. ومرة أخرى لا يبرئ موقفي هذا وجود محاولات واضحة للهيمنة بطرق شتى. ونشهد الآن تلاميذ من أولادنا ذكورا وأناثا يرسخون رغبة الآخر في الهيمنة، فهم لهم سفراء. ولكن صوتهم خافت وإن حصلت لهم قنوات ينفذون منها.
• الكثير من أرباب الفكر والثقافة طالبوا بسرعة تغيير خطابنا الاسلامي، وها نحن اليوم ننصاع لهذه المطالب ونسير في الخطوات الأولى للتغيير .. فهل هناك ثمة مفارقة تلحظها بين الخطاب القديم والجديد؟ أم أن أدواته وأشكاله وعباراته القديمة تطغى على مضامينه اليوم؟
هناك دعوة قوية لإعادة النظر في الخطاب الإسلامي من حيث التطوير، وهذه دعوة لها مفهومان؛ المفهوم الظاهر وهو ما يتعلق بما نسميه فقه الواقع وفقه التيسير، وما إلى ذلك من دعوات، قد لا تكون مقبولة من بعض أهل العلم، وربما يصمون من يدعون لذلك بأنهم عصرانيون أو تنويريون، وهذا الوصم هو جزء من التصنيف الذي ابتليت به الساحة الإسلامية اليوم. والأصل أن توظف هذه التصنيفات بالشكل الذي يخدم الساحة، لا بالشكل الذي يحقق رغبة الأعداء في «شرذمة» الأمة وإشغالها بذاتها، بدلا من أن تلتفت للقضايا الكبرى.
والموقف الآخر الخطير في تجديد الخطاب الإسلامي أو الفكر الإسلامي هي تلك الدعوة التي تمس ثوابت الأمة، ليس مباشرة، بل البدء بأطراف الثوابت وما له علاقة بها مما لا تقوم الثوابت إلا بها. فإذا أكلت الأرضة الأعمدة سقط البناء. وهذا موقف واضح عند بعض من ينادون بتجديد الخطاب وهم الذين ينخرون في جسد الأمة باستخدام مصطلحاتها. وينبغي التنبه لذلك، بحيث لا نرفض هذه الدعوة نفيا قاطعا ولا نقبلها قبولا قاطعا. والمرجو التريث في قبول مصطلحات قد تدغدغ العواطف. والدين لا يؤخذ بالعواطف، بل الدين علم ونقل وعقل. ولا يتعارض العلم والعقل مع النقل.
ضعف وتيهان
• لكن هناك كثيرون يرون أن خطابنا لا زال يعيش حالة الضعف والتيهان عند تفسيره للوقائع، لكون منبعه عاطفي ومليء بالهوى غير العقلاني .. فكيف تكون سمة العقلانية لهذا الخطاب؟
أظن أننا بدأنا منذ زمن في الإحيائية الثالثة عشرين سنة مضت تقريبا التقليل من الضخ العاطفي كما ذكرت من قبل أما الهوى فهو موجود بحكم تسلط بعض الجماعات والأحزاب والحركات التي جانبت الصواب في بعض مسارها، وليس في مسارها كله. والترديد لمفهوم العقلانية ترديد يحتاج إلى تحرير. فترديد المصطلحات لا ينبغي أن يؤخذ بسهولة. ولا يعني هذا تعطيل العقل، فهذا مناف لدعوة القرآن الكريم، لكنها تلك العقلانية التي تنطلق من النص الشرعي الذي لم يصغ من عقول البشر، بل نزل به الروح الأمين، وهو كلام الله تعالى المحيط بأمور الدنيا والآخرة. وهذا مزلق لا بد من الوقوف عنده؛ لأن هناك من يريد أن يحكم العقل حتى على النقل الثابت من كتاب أو سنة، وفي الجانب الآخر هناك من يريد تعطيل العقل بحجة أنه يخاف على النقل من العقل. وقد وقع بعض من أسلافنا في هذا المزلق، فكانوا فرقا انطلقت من إخلاص، لكن الذي ظهر أنه جانبها الصواب.
صراع فكري
• هل هناك ثمة صراع فكري قاد إلى مفهوم جديد، ربما على الساحة اليوم، وهو المزاج الفكري الذي أشغل الرأي العام، بل أخرنا عن حقيقة الإصلاحات المتنوعة اقتصاديا واجتماعيا وحتى سياسيا؟ أم أنه أمر أدخلنا تحت طائلة التصنيفات الفكرية فظهرت هذه المفاهيم؟
لا أسمي ما يدور الآن على أنه «صراع» فكري، ولم تتوقف بسبب ذلك مشروعات الإصلاحات المتنوعة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. فهذا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يكمل ما بدأه حكام هذه البلاد الراحلون رحمهم الله تعالى من مسيرة الإصلاح المؤطر من خلال خطط التنمية الخمسية التي بدأها فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى سنة 1390ه/1970م، واستمرت إلى يومنا هذا. والطموح نحو المزيد من الإصلاح واضح من خلال هذا الحراك القائم على مختلف الأصعدة. ولو توقف بعض المتابعين على ما قد يعترض هذه المسيرة من عقبات فهذا جزء من المعاناة التي يواجهها ولاة الأمر عندما يتبين أن هناك من يسيء التعاطي مع هذه المسيرة بالفساد أو غيره. وهذه حالات تعالج بقدرها، وتقتلع من جذورها، ولا ترتقي إلى تعطيل المسيرة، لا سيما أن هذه المسيرة المباركة تخضع للتقويم المستمر، وأنها ابتداء مستقاة من الروح الشرعية التي تقدم من خلال المنهج الذي قامت عليه هذه البلاد وتواصل المسير عليه الآن.
• يقال، إن هناك ثمة دراسات عربية تجرى اليوم، وهي بمثابة مشروعات رائدة انشغل بها المهتمون والمتطلعون إلى عهد يحسن صورة الحراك الثقافي الإسلامي، بيد أن هناك من يحذر من منهجية هذه الدراسات كونها مكتظة بالتهم والازدراء والاستخفاف والتشكيك، بل ستؤدي إلى هز مصداقية العلوم الشرعية وتأويل ما تبقى منها .. فكيف توضح حقيقة هذه المسألة؟
التوجه نحو الدراسات يختصر الطريق ويوفر المال، ويحد من الارتجالية، ويقلل من «لوحات التقبيل» في جميع المشروعات الصغيرة والكبيرة، ويقضي على الفشل في هذه المشروعات. الدول التي تؤمن بالدراسات والبحوث تنفق كثيرا من ميزانياتها على الدراسات: إن مستوى الإنفاق على البحث العلمي في الوطن العربي بمجمله لا يتجاوز 0.2 في المائة من إجمالي الموازنات العربية، وهذا رقم أقل بكثير مقارنة بما يحدث في العالم كله، حيث تبلغ في فلسطين المحتلة 26 في المائة، وذلك مقارنة بما تنفقه الولايات المتحدة الأمريكية 3.6 في المائة، والسويد 3.8 في المائة، وسويسرا واليابان 2.7 في المائة، وفرنسا والدانمرك 2 في المائة.
هذا من حيث فكرة الدراسات والبحوث في مسيرة التنمية، والأمر نفسه في الدراسات العلمية والفكرية التي تمحص وتبين وتبحث عن معطيات ثقافية قد تكون كامنة بسبب من النزوع إلى الرأي الواحد، في مجال رحب من الرؤى التي لا تخرج عن المنهج العام. أما نزوع بعض الدراسات إلى الازدراء والاستخفاف والتشكيك فتلك تكثر في الدراسات الفكرية التي تعج بها المكتبة العربية. وهي نادرة في الدراسات العلمية، ذلك أن الدراسات الفكرية فيها قدر من الهوى، والدراسات العلمية ليس فيها هوى، على حد قول الإمام الحافظ عبد الرحمن بن مهدي (من كبار أئمة الحديث الثقات، ت 198ه/813م) حيث يقول: «أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم».
الطعن في الدين
• إذا كانت بهذه الصورة من الاستخفاف والارتياب تجاه مفاهيم الشريعة .. هل يدخل ضمن معاني الطعن في الدين؟
هي ليست بتلك الصورة من الاستخفاف والارتياب، إلا ما ذكرت من مساهمات فكرية لا ترقى إلى العلمية، مهما ادعى أصحابها علميتها ودبجوها بالمراجع والاستشهادات. وهي على رواجها قليلة وقراؤها محدودون، هم من تلك الفئة القلقة التي تريد أن تحدث تغييرا لأنها ترى ركودا فكريا، فترغب في التغيير من أجل التغيير. وهذا لا يتأتى في مجتمع له جذوره الثقافية إلا ما يكون ضمن هذا الإطار الثقافي، وهذا من عمل العلماء لا «المفكرين» إياهم، إذا كان الأمر يحتمل هنا المقارنة بين المفكر والعالم، وقد يجمع العالم بين العلم والفكر، ونادرا ما يجمع المفكر بين الفكر والعلم. ولهذه المعادلة تجد أن «المفكرين» ربما يلمزون العلماء، ويعيرونهم باهتماماتهم ذات الأبعاد الخاصة بفئة من المجتمع، كأحوال المرأة الفيزيولوجية ومسائل العبادات التوقيفية فقط. وإنما أراد بعض المفكرين بهذا التهوين من إمكانات العلماء، إما من باب الغيرة، أو من باب المصادرة والاستئثار بالساحة الفكرية. وأحسب أن الذي يوقف المفكر هو العالم، ولا أظن أن المفكر يملك القدرة على إيقاف العالم؛ لأن العالم محصن بالحجة والدليل والبرهان.
مفهوم الليبرالية
• دعني أعود بك إلى مفهوم الليبرالية، والذي تجاذبته الأحاديث يمنة ويسرة، كل يطرح رأيه، لكن مكمن سؤالي يبتغي تحليلا واضحا لأبعاد هذا المفهوم محليا، ومن ذلك من يقول بأن مفهوم الليبرالية الوطنية أصبح بمثابة المسوق لليبرالية غربية متشددة ستكبل تقدمنا وتحدث الثغرات بيننا؟
الحديث عن التحررية والعلمانية بفتح العين حديث غير دقيق. وقد ناقشت بعض المفهومات لمصطلحات منقولة إلى العربية، وبينت أوجه الغموض فيها في كتاب باسم إشكالية المصطلح في الفكر العربي المعاصر، ذلك أنه يكثر ترديدها دون الإحاطة التامة بأصل إطلاقها في الثقافات الأخرى، بما في ذلك الأصولية والتحررية «الليبرالية» والعلمانية والإرهاب وغيرها. لدينا في ثقافتنا مصطلحات شرعية تطلق على من يكون لديهم تقصير أو تهاون أو خروج عن الإطار العام للدين، مثل الإلحاد والنفاق والعصيان والفسوق والضلال والكفر. وبعض هذه المصطلحات الشرعية يصعب إطلاقها على المعين، ويحذر الشرع من ذلك تحذيرا مؤكدا، ومن أجل هذا الحذر لجأ بعض الناس إلى البديل الأجنبي الذي يكون إطلاقه على المعين أسهل بكثير من إطلاق مصطلح شرعي له حدود الإطلاق وخطورة التعيين. فأصبح من السهل على بعض الأشخاص أن يصموا شخصا بأنه «ليبرالي»، بينما يصعب أن يصموه بالإلحاد أو النفاق ناهيك عن الكفر؛ لأنه قد لا يكون كذلك، بل إنه يصعب على شخص أن يصم شخصا بأنه متحرر وهو المصطلح المقابل لمصطلح الليبرالي، ويسهل أن يصمه نفسه بأنه ليبرالي. أحسب أن هذه المصطلحات تحتاج إلى تحرير، مع أن من يتبنونها موجودون، وكانوا موجودين، وسيظل وجودهم قائما.
• كثيرا ما كتبتم عن مسألة التهويل والتهوين، وكذلك مبدأ التوافق والتلاقي بين المشتركات القيمية التي يحتضنها تاريخنا الإسلامي.. ألا ترى أن هذا كله يصطدم بخطاب محتدم ثائر، لم يمكنا من وضع أرضية مشتركة نلتقي عليها ونتحاور؟ أم أن المجتمع بعده غير مهيأ لهذه الأرضية؟
في هذه المرحلة مما نسميه بالتلاقح الفكري يبرز لدينا تياران، أولهما يهون من التحديات التي نواجهها، والآخر يهول منها، ومن ذلك مثلا هاجس المؤامرة الذي يتجسد فيه بوضوح هذان التياران: التهويل والتهوين، فنحن إذا هونا الأمور ما وجدنا أمامنا تحديات، ولا عملنا على مواجهتها، وإذا هولنا من الأمور عجزنا عن مواجهة هذه التحديات. الرغبة في عدم التهويل لا تتجاهل الواقع الذي نعيشه وعشناه في أصقاع شتى من المحيط الإسلامي في الشرق والغرب، في البوسنة والهرسك التي برزت فيها الروح الصليبية على لسان الصرب أنفسهم، إلى كوسوفا فالصومال الجريح والعراق المكلوم وأفغانستان المنكوبة وفلسطين الصابرة، بل إننا في ديارنا لم نسلم من منغصات العيش الهانئ. هذه كلها تحديات، لكن التهوين منها لا يعين على مواجهتها، والتأويل منها لا يعين على العمل على تلافيها أو الحد منها.
وعلى الساحة الفكرية لا يتجاهل منهج التحذير من التهوين والتهويل وجود أفكار تتلاطم على حساب المنهج الحق، ولكنها لا تصمد أمام الحق إذا وفق أهله لتبيانه، فالأصل في الإنسان الخير، والأصل عنده اتباع الحق. ومهما طال الصراع بين الحق والباطل والخير والشر فإن الحق والخير هما المنتصران، جعلني الله وإياكم من أهل الخير ومن أتباع الحق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.