يوم الأربعاء الثامن من ذي الحجة كان يوما حزينا عند أهالي جدة، ويوما عصيبا بالنسبة لي، فقد اضطررت للسير في سيارتي وهي تسبح في ماء السيل لأكثر من 6 ساعات لم يكن على لساني خلالها وفي معظم الوقت إلا: اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا فإنك تجعل الحزن إن شئت سهلا، وبدأ حضوري في الشارع من الساعة التاسعة صباحا حين توجهت لعملي، وبين العودة للبيت ثم العودة للعمل ثم العودة للبيت مرة أخرى كانت الساعات الست من السباحة في وسط سيول طينية، لم أر خلالها رجل مرور واحد مع أن كل شارع كان يحتاج الكثيرون منهم لتنظيم حركة السير، وقد راعني وأنا أسير وسط الماء منظر مئات السيارات التي مررت بها وقد توقفت بسبب الماء، وراعني أكثر جهل بعض السائقين وهم يسيرون بسرعة تجعل الماء يرتفع إلى حد قد يغمر السيارات الصغيرة التي تسير بجوارهم، ومع يقيني أن هناك من كان مستمتعا بمنظر الماء وهو يندفع من جوانب سيارته، إلا أن الأكيد أن هناك قدرا كبيرا من الذعر لدى هؤلاء هو ما دفعهم إلى تلك القيادة المتهورة، وإن كانت من كلمة شكر ينبغي أن توجه فهي للدفاع المدني قيادة وأفرادا، فهم من كانوا حاضرين في الميدان في تلك الساعات العصيبة وما تلاها، كانوا حاضرين بعقولهم وقلوبهم ونخوتهم وشهامتهم، فقد أنقذوا الكثيرين، وساعدوا الكثيرين، رأيت يومها كيف يتصرف الناس في الأزمات، وكيف يصرخ بعضهم، وكيف يصاب بعضهم الآخر بالذعر، وكيف تتحرك الشهامة والنخوة في نفوس البعض الثالث، فينظم السير، أو يدفع سيارة متوقفة أو يعين سائقا على تشغيل أخرى، رأيت الهدوء كما رأيت العنف والغضب، ولن أتحدث عن مناظر مرعبة في الشوارع وأنفاق ملأتها المياه، وسيارات توقفت وبيوت غمرت، وجثث طفت فوق الماء الجاري، كما أنني لن أتحدث عن المسؤول عن كل المناظر والمشاهد المؤلمة، فقد سبقني غيري لتناولها، بغض النظر عن طريقة وأسلوب التناول، ولا شك أن من تحدث ودماؤه تغلي من ألم المصيبة والفاجعة تحدث بغضب وحنق، ولكن وبعد أن هدأت النفوس دعونا نقف قليلا لا للعتاب ولا للحساب فلست في موضع المحاسبة لأحد ولكني في موضع النصح والتأمل والتحليل، ألا يستحق الموقف المراجعة؟ ألا يستحق الموقف التفكير بتلك الأرواح التي غادرت دنياها غريقة بمياه السيول أو المجاري التي طفحت وسارت في الشوارع لتدخل بيوت الآمنين المساكين؟ ألا يتطلب الأمر تشكيل لجان متخصصة لمعرفة الخلل؟ أم أننا كعادة العرب عموما تفور دماؤنا ونحن في وسط الأزمة حتى إذا انتهت نسيناها لنعود ونتذكر وبدم يفور أكثر حين تقع المصيبة مرة ثانية؟ أعتقد أن الأمر يتطلب كل ذلك، ويتطلب السرعة في التنفيذ، ومشروع جسر الجمرات خير شاهد على أننا حين ننوي الدراسة والتنفيذ نملك القدرة على ذلك، فقد كانت مصيبة موت المئات في جسر الجمرات قبل بضعة أعوام منطلقا للعبرة والدرس والتفكير، وها هو جسر الجمرات بأدواره المتعددة، وبطريقة تنظيم الداخلين والخارجين للرمي موجود واستفاد منه الملايين هذا العام، ودعوني أوجه الشكر والعرفان لكل من ساهم في بنائه تمويلا وبحثا ودراسة وتنفيذا، ومع أن الدولة تضع ميزانيات ضخمة لمشاريع الجسور والأنفاق، إلا أن المؤلم أن التنفيذ في بعض الأحيان يكون أدنى بكثير من المستوى المطلوب، ولا يأخذ المنفذون في الحسبان مثل هذه المتغيرات المتعلقة بالمطر أو بكثافة السيارات مع الزمن، والنتيجة أموال تهدر، وممتلكات تدمر، وأرواحا تزهق. أخشى أن لا نجد ما نقوله لخالقها يوم الحساب، ولا شك أن الأمر الملكي بكل ما احتواه من مقدمات وبما تضمنه من تعويضات وتشكيل لجان للتحقيق يستحق أن يقدر ويثمن، كما يستحق الوضع أن يتابع بنفس الحزم وبنفس الجدية الذي جاء به الأمر الملكي علنا نحيل قول الله عز وجل «فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا»، إلى واقع حقيقي. للتواصل ارسل رسالة نصية sms الى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 146 مسافة ثم الرسالة او عبر الفاكس رقم: 6327389 الهاتف: 2841552 الإيميل: [email protected]