توافد حجاج الأردن وفلسطين والعراق    أرامكو تبدأ طرح 1.5 مليار سهم    القهوة السعودية.. رمز الأصالة والضيافة    "الدفاع" تفتح باب التسجيل بالكليات العسكرية للخريجين    "مسبار" صيني يهبط على سطح "القمر"    الأهلي يلاقي الأهلي المصري في اعتزال خالد مسعد    تواصل تسهيل دخول الحجاج إلى المملكة من مطار أبيدجان الدولي    "الصحة العالمية " تمدد مفاوضات التوصل إلى اتفاقية بشأن الأوبئة    السعودية تتوسع في تجربة تبريد الطرق بالمشاعر المقدسة لمعالجة "ظاهرة الجزيرة الحرارية"    كارفخال يشدد على صعوبة تتويج الريال بدوري الأبطال    إرهاب «الترند» من الدين إلى الثقافة    «الصهيونية المسيحية» و«الصهيونية اليهودية».. !    البرلمان العربي يستنكر محاولة كيان الاحتلال تصنيف الأونروا "منظمة إرهابية"    ارتفاع ملموس في درجات الحرارة ب3 مناطق مع استمرار فرصة تكون السحب الممطرة على الجنوب ومرتفعات مكة    عدا مدارس مكة والمدينة.. اختبارات نهاية الفصل الثالث اليوم    جنون غاغا لا يتوقف.. بعد أزياء من اللحم والمعادن.. فستان ب «صدّام» !    توجيه الدمام ينفذ ورشة تدريبية في الإسعافات الأولية    جامعة بيشة تحتفل بتخريج الدفعة العاشرة من طلابها    أمير تبوك يهنئ نادي الهلال بمناسبة تحقيق كأس خادم الحرمين الشريفين    «الشؤون الإسلامية» بالمدينة تفعّل خدمة «فعيل» للاتصال المرئي للإفتاء بجامع الميقات    غرامات وسجن وترحيل.. بدء تطبيق عقوبة «الحج بلا تصريح»    المملكة تستضيف بطولة العالم للراليات 2025    الهلال.. ثلاثية تاريخية في موسم استثنائي    المملكة تدعم جهود الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار    آرسنال يقطع الطريق على أندية روشن    الإسباني" هييرو" مديراً رياضياً للنصر    فرنسا تستعد لاحتفالات إنزال النورماندي    التصميم وتجربة المستخدم    مقاطع ريلز التجريبية أحدث ميزات «إنستغرام»    الدفاع المدني يواصل الإشراف الوقائي في المسجد النبوي    إحباط تهريب 6,5 ملايين حبة كبتاغون في إرسالية "إطارات كبيرة"    «المدينة المنورة» صديقة للتوحد    لهو الحيتان يهدد السفن في المحيط الأطلسي أرجعت دراسة ل "اللجنة الدولية لصيد الحيتان"، سبب    تعزيز العلاقات الاقتصادية مع ايطاليا    «تراث معماري»    بعضها أغلق أبوابه.. وأخرى تقاوم.. تكاليف التشغيل تشل حركة الصوالين الفنية    اطلاق النسخة الثالثة من برنامج "أيام الفيلم الوثائقي"    البرامج    قصة القرن 21 بلغات العالم    قيصرية الكتاب: قلب الرياض ينبض بالثقافة    تكريم «السعودي الأول» بجائزة «الممارسات البيئية والحوكمة»    تعاون صناعي وتعديني مع هولندا    "أسبلة المؤسس" شهود عصر على إطفاء ظمأ قوافل الحجيج منذ 83 عاماً    توزيع 31 ألف كتيب لإرشاد الحجاج بمنفذ البطحاء    روبوتات تلعب كرة القدم!    تركيا: تكاثر ضحايا هجمات الكلاب الشاردة    إصدار 99 مليون وصفة طبية إلكترونية    ورشة عن سلامة المختبرات الطبية في الحج    توصيات شوريَّة للإعلان عن مجالات بحوث تعزيز الصحة النفسية    شرطة الرياض تقبض على مقيمَين لترويجهما «الشبو»    بلد آمن ورب كريم    ثروتنا الحيوانية والنباتية    وزير الداخلية يلتقي أهالي عسير وقيادات مكافحة المخدرات ويدشن مشروعات جديدة    مشروع الطاقة الشمسية في المركز الميداني التوعوي بالأبواء    ترحيل 13 ألف مخالف و37 ألفاً تحت "الإجراءات"    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مازلت حداثيا ساخرا وأمنيتي بطاقة تخفيض وانتقاداتي ثرثرة
حوار الأسبوع المعلم السعودي بحاجة إلى إكرام.. أستاذ الأصول وشيخ الشعر محمد عيد الخطراوي ل«عكاظ»:
نشر في عكاظ يوم 31 - 07 - 2009

يجمع الكثيرون على أن الدكتور محمد عيد فرج الخطراوي أصولي وحداثي في آن واحد، فالرجل الذي لبس عمامة الشيخ وطاقية طلاب الأزهر بدأ إماما بالحرم وأستاذا بالمعاهد العلمية وإعداد الدعاة، جالد العلماء في حلق الذكر ورفع راية الفقه وأصوله أستاذا في العقيدة وعلم الفرائض، حتى أصبح شيخا للمفتي العام، وهو في الوقت نفسه مثقف غير تقليدي يحمل راية الشعر ،ويقود قافلة التحقيق والنقد، وخريجو مدرسته الشعرية والدينية مزيج مركب من الثيوقراطيين والتكنوقراطيين، بل يمكن القول إنه استطاع الجمع بين نقيضين لا يلتقيان دائما.. الخطراوي يعيش مرحلة صحية غير مستقرة؛ لكنه مازال حاضر الذاكرة ولم يغير عاداته في القراءة والبحث والنقد الساخر.. اعترف بمسؤوليته عن حالة القطيعة مع الذين خالفهم أو اختلف معهم، لكنه ظل ناقدا لحالة التشاعر التي تحولت إلى ظاهرة بين الأدباء السعوديين.. واعتبر أن الشعراء الحقيقيين مغموطون في المملكة، وتراجع عن انتقاداته الدكتور غازي القصيبي، ممتدحا شعره الرومانسي.. الخطراوي رفض أن يجره البعض لانتقاد أستاذه عبد العزيز الربيع رحمه الله رغم ما بينهما من خلافات في الرأي، وأشار من بعد إلى دواعي خروجه من لجنة الآثار التي بدأت منذ أيام الأمير عبد المجيد رحمه الله، ولم تنته بعد من أعمالها؛ وكأنه يطرح علامات استفهام .. ولأنه بدأ مدرسا ويتمنى أن يموت مدرسا فقد دعا إلى إكرام هذه الوظيفة، ولو عن طريق بطاقة تخفيض تخصص لكل معلم .. حوار يخرج إلى النور دون أن يمس الكثير من القضايا الحساسة في الوسط الأدبي؛ للحالة الصحية التي يمر بها الرجل وليس بالإمكان أفضل مما كان .. عشت طفولة عادية ومزدحمة بالتساؤلات، وخصوصا عن الغد، بدأت دراستي في المدينة المنورة بتعلم القرآن الكريم وحفظه، حيث كان هذا النوع من الدراسة هو ما يهم والدي رحمه الله حتى حفظت القرآن الكريم كاملا وعمري أحد عشر عاما، وصليت التراويح وعمري أربعة عشر عاما، حيث كان إمام المسجد النبوي يؤم المصلين في صلاة التراويح العامة، وبعدها يتوزع المصلون في مجموعات مختلفة في رحاب المسجد النبوي الشريف، ويؤم كل مجموعة حافظ من حفظة كتاب الله الكريم، وقد كنت أنا أحد هؤلاء الأئمة.
• الملاحظ تأخرك في التحصيل العلمي فالدكتوراه جاءت بعد الخمسين من العمر؟
تأخر دراستي المنهجية أو التعليمية يرجع إلى أن والدي رحمه الله كان يطمح أن أكون حافظا للقرآن الكريم، لكنني استطعت أن التحق بدراسة المرحلة الابتدائية والمتوسطة، ثم الثانوية من خلال الانتساب، ولأن والدي كان يقدر القيمة العلمية للجامع الأزهر في مصر وجامع الزيتونة في تونس، اختار أن أتم دراستي في جامع الزيتونة، ومنه حصلت على درجة الليسانس في الشريعة، وكان شيخي العالم الجليل صاحب التفسير المعروف للقرآن الكريم الطاهر بن عاشور، وإن كنت لا أنسى أساتذتي الشيوخ في مراحل التعليم الأولى في المدينة المنورة الشيخ أحمد الخياري والشيخ محمد الحافظ رحمهما الله والشيخ محمد الخضيري التونسي.
• إمام بالحرم وأستاذ لأصول الدين وشاعر يميل إلى الغزل والنقد ضدان لا يتفقان؟
ليس لهذه الدرجة فقد كنت أستاذا بالمعهد العلمي في المجمعة، وكذلك بمعهد إعداد الدعوة وكلية الشريعة، وقد طرح حولي مثل هذا التساؤل لأن أول كتاب طبع لي كان في مجال الشريعة الإسلامية عام 1381ه، وكان بعنوان «الرائد في علم الفرائض»، ومن يقرأ هذا الكتاب ويقرأ أحد دواويني الشعرية خاصة الغزلية منها يجد نفسه أمام مثل هذا التساؤل الذي يحتاج إلى جواب!! وهو أنني أنا كل ذلك.
• ألم تؤثر في طريقة تفكيرك بيئة المجمعة المنغلقة؟
في تلك الفترة كانت نجد بصفة عامة تعاني من مخاض ثقافي، وكل واحد كان يسرع لاهثا ليغير من شأنه، وأتذكر أنني كتبت في إحدى الحفلات الختامية في المعهد العلمي بالمجمعة تمثيلية تكلمت فيها عن طه حسين والرافعي فأوقعني ذكر أسمائهم في إشكالية كبيرة.
• من المعجبين بهم؟
لا، من المعجمين وللأسف.
• البعض يرى أن دراستك للشريعة حجبت جوانب من شخصيتك؟
لا أستطيع أن أقول إنها استغرقت بداياتي، أو نهاياتي لأن آخر كتاب كتبته عن (ثلاثيات القرآن الكريم) توصيفا وتأصيلا فأنا أكتب دون الإغراق في الهوية.
• قلت بأنك بعد هذا المشوار الطويل ظلمت نفسك، ولم تستطع أن تقنع الآخرين بكل توجهاتك؟
بدون شك فالتفاهم أو النقاش في الحوارات مع الأصدقاء قضية ذات طرق في عملية الإقناع، فقد أكون مقنعا وقد لا أكون، ولذلك لا أحمل المسؤولية من اختلفت معهم أو خالفتهم ثقافيا. ممن تناولوا انتاجي نقدا على مسؤوليتهم النقدية، أو طريقتهم الخاصة، فقد أكون أنا السبب لعدم قدرتي على التواصل معهم.
• بسبب اختلاف الرؤية؟
نعم ولاختلاف المدارس الأدبية أيضا.
• أو بسبب سخريتك من بعض الأشياء؟
أراد بعض الإخوان أن يصنفوني ضمن الشعراء الساخرين، ولكنني لست بساخر. قدر تعبيري عن حالة ثقافية أعيشها منذ فترة.
• شبهوك بالحطيئة؟
لا أدري هل هذا مدح أم هجاء، فالحطيئة كما تعلمون هجا كل من حوله، فقد هجا أمه ونفسه، واستعمل الهجاء للسيطرة على الأمراء والأصدقاء، واستفاد من شعر الهجاء وأسهم في تطويره، وكلنا يعلم أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد سجنه لسلاطة لسانه فقال قصيد ة يستعطف بها عمر بن الخطاب؛ فأخرجه من السجن بعدما أبكت عمر وأخرجت أدمعه على خديه:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ
زغب الحواصل لاماء ولاشجر
ألقيت كاسيهم في قعر مظلمة
فاغفر عليك سلام الله ياعمر
فالهجاء لا ينتهي منه الشعراء ولا يملونه أبدا.
• أنت أيضاً هجوت قينان الغامدي في فترة سابقة؟
عملنا أمسية أدبية في الطائف، وكان قينان مديرا لمكتب عكاظ آنذاك فسعى للحصول على صور من القصائد، فقلت له خذها كلها، لكن زميلي محمد هاشم رشيد رفض إعطاءه أية قصيدة فزعل قينان، وعندما نقل وقائع الأمسية تحت هذا التأثر والغضب، كتب كلاما غاضبا وحاول أن ينال منا بما ورد في الأمسية من شعر، فكتبت فيه بيتين أتذكر الأول منهما:
ولو كان قينا واحدا لهجوته
ولكنه قينان فالفهم زائد
والقين هو الحداد، وبعدها بفترة كنا في اجتماع مع وزير الإعلام فجاءني قينان من الخلف وسلم على خدي، وسألني: هل تعرفني؟ فقلت له: قينان، ولكنك طلعت أكرم مني.
• ألفت كتابا عن التدخين وتم اكتشافك وأنت تدخن من قراء هذا الكتاب؟
كنت أدخن في فترة من الفترات، وكانت الفنادق تضم في الغرفة الواحدة سريرين، فقمت في الصباح أبحث عن سيجارة، ويبدو أن الزميل النذير استيقظ بعدي فرآني فدارت في رأسه صورة الشيخ والأستاذ فسألني عن الخطراوي الذي ألف كتابا عن التدخين، فقلت له أعرف واحدا بهذا الاسم وهو ابن عم لي وأنا دائما أنصحه عن التدخين، لكنه لا يسمع الكلام فدعونا له، وبعدها بسنوات تركت الدخان نهائيا.
• اشتهرت بإطلاق النكت في الوسط الأدبي؟
هي تأتي في مناسبتها وهذه هي شخصيتي، فالإنسان عندما يكون نائما ثم يصحو يتأثر بالنوم، ولكنه لا يفقد خواصه ومكوناته.
• تعبر بها عن موقف أيضا؟
قد يكون ذلك، ولكنها قفشات.
• تكون حادة أحيانا؟
يشبهني في هذا الموضوع الدكتور منصور الحازمي، إلا أن نكاته سريعة لا تكاد تخطو خطوة واحدة، ولا يمكن إنكارها أيضا.
• لكنك انتقدت الدكتور غازي القصيبي في شعره؟
الدكتور القصيبي زعيم من زعماء الشعر، وأديب كبير، وهو مبدع في الشعر الرومانسي أكثر من أي شاعر آخر وانتقادي له كان عبارة عن ثرثرات.
• دكتور .. هل لديك حالة انفصام وعداء مع الشعر الحديث؟
الناس خلطوا كثيرا في فهم الحداثة التي أحبذها وأشجعها، وأنادي بها وسأظل إسلاميا على نفس الخط أيضا.
• قلت مرة .. أن التعبير بالتراث يختلف عن التعبير عن التراث؟
وهذا واقع فالكثير يخلطون في هذا الجانب، فمثلا في قصيدة حافظ إبراهيم (العمرية) عن تاريخ عمر بن الخطاب كأنها متن من المتون، فالاعتزاز بالتراث على رأسي، لكن التعبير بالتراث يختلف مثل أمل دنقل وهو يتحدث عن لقاء لينون فهو لم يؤرخ له وإنما اتخذه وسيلة للتعبير عن أحاسيس ورؤية مختلفة.
• كأن لك موقفا من شوقي وحافظ؟
شوقي شاعر كبير، لكن ليس الشعر كله شوقي، وكان مع حافظ ينسج على منوال الآخرين أيضا.
• لكن الملاحظ أن شعراء الداخل لا يتخذون مثلا إلا من الخارج؟
لاحظت في المؤتمر الأول للأدباء السعوديين الذي عقد في مكة المكرمة عام 1394ه أن كثيرا من المشاركين ومنهم بعض زملائنا الذين خرجوا من المدينة المنورة كتبوا عن أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومجموعة من الشعراء من خارج المملكة وكأنه لا يوجد مبدعون من شعراء المملكة يستحقون الثناء والإشادة، وهذا ما دعاني لسد هذه الثغرة فكتبت مجموعة من المقالات منذ ذلك الحين وبرنامجا إذاعيا أسميته ( شعراء من أرض عبقر) ثم حولته إلى كتاب من جزءين كبيرين.
• لكنك انتقدت من قبل البعض بأنك لم تضمن فيه أسماء شعراء مهمين في الحجاز؟
فعلت الممكن ذلك الوقت، بينما كان غيري لا يحسن إلا التحدث عن شوقي وحافظ، والكتاب في أساسه كان عبارة عن برنامج إذاعي له مواصفاته الخاصة والخاصة جدا، والتي علينا أن ننفذها، لأن ما يقال في الإذاعة غير الذي يقال في كتاب، لا يسمح له أو قد لا يكون من المناسب أن يقال في مذياع. وهكذا أجد نفسي معذورا.
• هل هذا يعني أنك لم تتأثر بأحد يادكتور؟
تأثرت بنفسي، وقد قالوا لابن المقفع: من أدبك، فقال: أدبتني نفسي، فكنت إذا رأيت قبيحا في الناس تركته، وإذا رأيت حميدا فعلته، لكن لابد من التفاعل مع الناس لأنه لا أحد قادرا على أن يكون شاعرا مثل المتنبي فكل الشعراء تأثروا به؛ لأن البيت الواحد الذي يقوله عن قصيدة، هو الذي يستحق أن يقال لشعره أنه (شاعر)، والحقيقة كنت أقرأ كثيرا، ففي جامع الزيتونة مثلا كنت أقرأ في اليوم كتابا أو كتابين، فقرأت لأحمد حسن الزيات والرافعي والعقاد وجورج زيدان وأدباء المهجر، وكنت أحفظ كثيرا مما أقرأ دون أن يكلفني أحد، لأن الحفظ يعد أمرا مهما في عملية الثقافة والأدب.
• بالمناسبة.. ألا تعتقد أن في المملكة شعراء مغموطين أيضا؟
هذه القضية تشغلني كثيرا، وكمثال على ذلك الشاعر محمد الثبيتي الذي جاءته الشهادات الشعرية من أناس كثيرين مثل الدكتور عبدالله الغذامي ولم يأخذ حقه كثيرا.
• هناك من يرى وجود خلط بين الأديب والمثقف والشاعر في مجتمعنا الثقافي وكأننا حالة خاصة؟
لا أدري فعلا لماذا يصر كثير من الأدباء أن يكونوا شعراء ، فيما من الممكن أن يكون روائيا أو قاصا أو كاتب مقال أو ناقدا ومجالات الأدب كثيرة، لكن أن يتشاعر فأقول له: من أراد أن يكون كل شيء لم يكن شيئا.
• قلت إنك بدأت مدرسا وستموت مدرسا أيضا؟
هذه أمنيتي ولكن المدرس بحاجة إلى إكرام هذه الأيام وأن يعطى تقديرا من طلابه وأولياء الأمور وأن يكرم، ولو ببطاقة تخفيض لأنه في الزمن الماضي كان المدرس يسافر بالطائرة بنصف تذكرة كما يعطى أبناؤه الأولوية في القبول في الجامعات أو الوظائف أما الآن فلا شيء، وهو مغموط في كل شيء وينطبق عليه ما قاله عنه الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان:
شوقي يقول وما درى بمصيبتي
قم للمعلم وفه التبجيلا
اقعد فديتك، هل يكون مبجلا
من كان للنشء الصغار خليلا
ويكاد يفلقني الأمير بقوله
كاد المعلم أن يكون رسولا
لو جرب التدريس شوقي ساعة
لقضى الحياة شقاوة وخمولا
حسب المعلم غمة وكآبة
مرأى الدفاتر بكرة وأصيلا
مائة على مائة إذا هي صلحت
وجد العمى نحو العيون سبيلا
ولو أن في التصليح نفعا يرتجى
وأبيك ، لم أك بالعيون بخيلا
لكن أصلح غلطة نحوية
مثلا واتخذ الكتاب دليلا
مستشهدا بالغر من آياته
أو بالحديث مفصلا تفصيلا
وأغوص في الشعر القديم فانتقي
ما ليس ملتبسا ولا مبذولا
وأكاد أبعث سيبويه من البلى
وذويه من أهل القرون الأولى
فأرى حمارا بعد ذلك كله
رفع المضاف إليه والمفعولا
لا تعجبوا إن صحت يوما صيحة
ووقعت ما بين البنوك قتيلا
يا من يريد الانتحار وجدته
إن المعلم لا يعيش طويلا
• لماذا يعج مجتمعنا الثقافي بالأديب المثقف وليس الأديب المفكر؟
تنبه القدماء قبل صدور هذه المقولة إلى موضع الثقافة في الإبحار الفكري في الثقافات الأخرى؛ فاشترطوا أن يكون الشاعر مثقفا ثقافة أدبية وثقافة فكرية، وألفوا كتبا ذكروا فيها مواقع الأخطاء التي وقع فيها بعض الأدباء الذين تنقصهم هذه الثقافة، وأعتقد أن العقاد وطه حسين ممن تكلموا عن أهمية الثقافة بالنسبة للأديب، فالأديب غير المثقف مثل الأسفنجة؛ ولذلك الدكتور شوقي ضيف عندما كتب عن الشاعر علي محمود طه أشار إلى هذه الزاوية، حيث يقول:إن شعره جميل يعجبك حسنه، ورونقه وترديده، ولكنك إذا قبضته بيدك يتحول إلى هلاميات لا معنى لها.
• ما مدى صحة أن الشعراء في المدينة أكثر عددا من الشعراء في مكة المكرمة منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم؟
في العصر الجاهلي تحدثوا عن هذا الأمر؛ لأن الحروب كانت أكبر نصير للشعر في ذلك العصر، وكانت الحروب تستمر مابين الأربعين إلى مائة سنة كحرب البسوس وداحس والغبراء في مجتمع رعوي بحت وارتباطه بالأرض وإمكانية النقاش فيه صعبة، وكان مجتمع مكة تجاريا وإمكانية التفاهم فيه واردة، فلم يكن هناك شعراء باعتبار أن الشعر صدى لأحداث الواقع، فيما كان مجتمع المدينة في ذلك الوقت مجتمعا زراعيا.
• المقياس ليس واضحا يادكتور؟
المقياس ليس راجعا للعدد والكم، بل يرجع فيه إلى الكيف.. وعادة تكون هناك ظروف تدعو لتجمع أو لوجود جنس أدبي معين؛ والذي أحصيته من شعراء الأوس والخزرج في العصر الجاهلي ينوف عن عشرين شاعرا .بينما شعراء مكة قليلون، وقد نبه الباحثون القدماء إلى هذا؛ ولم يكن منهم شعراء فحول، بل كان شعرهم ذا لين ظاهر مثل: محمد مسلم الجمحي، وفي الحروب الشعرية أو النقائض التي سارت بين المعسكر الإسلامي ومعسكر الشرك في مكة، لم ينتصر حسان، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك على شعراء الشرك لمجرد أنهم كانوا مسلمين، وإنما بالموازنات الهادئة والموضوعية جدا والجانب الفني.
• اشتركت ضمن لجنة الآثار في المدينة المنورة وابتعدت عنها دون سبب واضح.. لماذا؟
لم ينته العمل بعد في هذه اللجنة وعلاقتي انتهت معهم بسبب ظروفي الصحية، ورغبتهم في ضخ دماء جديدة فيها، والحقيقة أن النظرة التي انطلقت منها هذه اللجنة واستوجبت إنشاءها، ما تمر به المدينة المنورة من تطوير هذا الاتجاه الذي اتجهت إليه الدولة، واستدعت هذه الظروف أن ينشأ سؤال:
• إلى أي مدى يتم هذا التطوير وهذه الإزالة، وهل هناك آثار؟
فالخطوة الأولى كانت التثبت تاريخيا من مواقع هذه الآثار، فإذا ثبت تاريخيا وهذا بالطبع لا بد له من بحوث علمية تثبت هذا، كما كونت لجان فرعية.. أو قسمت إلى فروع، فمثلا الجبال والأودية والحرار لها لجنة، ومعالم الآثار الدينية لجنة، فلا شك أن تقول مثلا هذا أثر إسلامي أو أن له صلة بالدين، هذا وحده دين أيضا فلا بد أن نتثبت منه تمام التثبت، لأن له علاقة بالدين، وأنا لا أشك في أن الآثار الإسلامية بعضها له علاقة مثلا بتفسير آية أو تفسير حديث أو شرح حديث، كلمة تفسير بمعنى شرح أيضا أو شرح حديث مثلا وربما لفهم مقصود الشريعة من ذلك؛ ولكن ليست كل الآثار في الجانب الآخر حقيقة؛ وأنا لا آتي بجديد.. ولكن السؤال المثير فيه بعض الإثارة لا شك - أيضا - أن أناسا بالغوا في تصديق أي أثر، ولم يتأكدوا التأكد اللازم؛ ولأسباب مختلفة اعتمدت أشياء من الآثار وهي ليست من الآثار، فالموضوع إذا علمي والجهود جادة وبكل موضوعية.
• سئلت عن عبد العزيز الربيع وقد كنتم معه في حياته الوظيفية في التعليم، وفي أسرة الوادي المبارك فقلت رحمه الله مما أوحى للسامعين بشيء خفي لا تريد ذكره في العلاقة بينكما؟
هو صديق عزيز وقدم الكثير من الجوانب التربوية والرياضية، وكان المؤسس الثاني لأسرة الوادي المبارك، ودفع بجهودها خطوات إلى الأمام، ولم يكن لخلافاتنا تلك الأهمية، فأنا لا أختار له إلا الترحم، ومن الذي يظفر به ولا ينبغي لأحد أن يعتقد أنني قد أنال منه، أو أسمح لنفسي بذلك.
• كنتم تأخذون اللاعبين من المدارس وتجبرونهم على اللعب للأنصار؟
لم يكن في المدينة إلا ناديا أحد والعقيق وطلبت منا رعاية الشباب الاهتمام بالمكونات الاجتماعية والثقافية والرياضية، وأنا من المؤسسين لنادي الأنصار؛ لكنني كنت أحديا، ولم أنتم لناديي الأنصار والعقيق من عشق لهما؛ ولكن بحكم الوظيفة بعد أن طلب مني عبد العزيز الربيع رحمه الله أن أشترك معهم في الجوانب الثقافية.
• خلافك مع محمد هاشم رشيد؟
هو أحد الذين قام على أكتافهم النادي الأدبي، هو من الذين أسسوا قبل ذلك أسرة الوادي المبارك في المدينة المنورة وهو المؤسس الأول، ولكن بعد تأسيس النادي بخمس سنوات كبر عدد المنتسبين وظهرت فيه التحزبات وأشياء تمرر من تحت الطاولة.
• هناك من قال بأن عمله الرقابي في الوزارة قد حجب شاعريته أيضا؟
هو كان يتحدث عن هذا، والغريب أن دواوينه الشعرية عندما خرجت خضعت لرقابة النادي الأدبي وقيل له: هذا مقبول، وهذا غير مقبول ولم يعترض رحمه الله.
• يرى الكثيرون أن مجال التحقيق قد خسرك بعد اتجاهك للشعر؟
هذا اتهام بأن شعري لا يرقى بأن أكون في مصاف الشعراء، ولكن الحقيقة أن الشعر يعتمد على الخيال والتحقيق على العقل، فكيف يجتمعان؟ فهنا أنت بحاجة إلى أحد المتخصصين ليفسر لك ذلك، ولكن ليس على الله بمستغرب أن يجمع العالم في واحد.
• المعروف أنك سعودي من أصل جزائري، ولكنك لم تكتب شيئا عن الثورة الجزائرية في حينها؟
لم يكن لي تداخل مع هذا الموضوع.
• استغرب البعض أن الكتاب الذي تولاه محمد الدبيسي بعنوان (الخطراوي في آثار الكاتبين) صدر عن نادي الجوف الأدبي، ولم يصدر عن نادي المدينة المنورة الأدبي؟
نادي المدينة كرمني كثيرا، والأخوة في الجوف هم الذين طلبوا الكتاب فجزاهم الله خيرا.
• هناك من يرى ضرورة العودة إلى الاكتفاء بناد أدبي واحد في المملكة؛ ليكون بديلا للأندية المناطقية التي انشغلت في صراعاتها الضيقة؟
الناس لا يعجبها العجب، وإذا كان البعض يرى في أمثلة بعض الدول المجاورة المكتفية بناد أدبي واحد سببا لهذا المقترح، فأقول له: إن الناس في هذه الدول يحمدون الله ويطلبونه العافية أنهم استطاعوا تأسيس ناد واحد لأن اجتماعاتهم كانت تتم في المقاهي والبيوت الخاصة، ونحن حتى من الموت لم نخل من الحسد.
• مدى رضاك عن المشهد الأدبي في المدينة المنورة؟
ما زال يراوح مكانه فلا زيادة ولا نقصان، فهناك غياب للمبادرات الأدبية في المشهد الثقافي المدني، وهذا بسبب تعثر الحركة الأدبية في المدينة، والقطيعة بين مسألة القديم والحديث وغياب اجتماعات الأدباء.
• ما الذي استفدته من الأزمة الصحية التي مرت بك؟
ألا أعيش في هذا الكون منفردا، بل أن أجد مكانا للآخرين من حولي حتى أستطيع أن أتعايش معهم، بدلا من أن أتصارع، فالحياة عطاء وتفاعل، تأخذ وتعطي، تسير في اتجاهين، وليس اتجاها واحدا.
• أمنيتك الأخيرة يادكتور؟
ألا يمر علي يوم دون أن أقرأ أو أكتب، ولا أريد أن أختم حياتي بأية صراعات مع أحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.