علي فقندش.. مخزن المعلومة الفنية.. أرشيف الذاكرة الغنائية

في حقل ألغام لاكتشاف الحناجر الغنائية والأقدام الكروية ب«هنداوية جدة»؛ نبت لُغمٌ صحفيٌ هادئ المهمة ثائر الهمة.. في طفولته سكنته الرياضة مهووساً بكرة القدم.. وفي مراهقته التصق بأهل الطرب قبل أن يعرفهم الناس، ونقلهم إلى أذهان الجماهير حين أصبح صحفياً.. وفي شبابه تشبَّعت ذائقته بإبداعات الأدباء والفنانين، فكان شاهداً على تلك الحِقبَة.. إنه جواهرجي الصحفيين والفنانين علي فقندش.
لم تكن «الصدفة» بريئة عند ولوجه «الصحافة» في منتصف عقده الثاني، مراسلاً للمجلة التونسية «رياضة وفن».. فحين كانت الكلمات المتقاطعة «شغفاً وولعاً»؛ أصبحت طريقَه إلى صحيفة «البلاد» ومن بعدها «المدينة».. أما «عكاظ» وأعوامه الطويلة في حرمها؛ فهي له ولادة كاتب وصحفي ومؤرخ فني ذاع صيته عربياً كإنسان وتاريخ.
ولأن «الشخص يشبه من يحب»؛ ربطته علاقة ودودة بنجوم الفن.. فعندما تعامل معهم بشوق؛ تواجد حيث يتواجدون.. ولمّا صادقهم وصادقوه، وزارهم وزاروه؛ عَرَفَهم من الداخل بتفاصيل حياتهم وخفاياها: كيف يعيشون؟ ماذا يأكلون؟ ومتى ينامون؟.. فعَلِم بدقائق إنتاجاتهم مذ تخلّقِها وتكوينها ونموها في المشيمة الفنية، إلى لحظة ولادتها ونشأتها وتطورها وانتشارها.
بعد نصف قرن في مهنة المتاعب؛ لم يتعفف عن تدوين خبر صغير لينشره باسمه، في وقت تأفف عن كتابته الرُضَّع في قِماط صاحبة الجلالة.. ولما كان يحضر لمبنى الصحيفة بحافلة «خط البلدة»؛ هم الآن لا يعرفون مقرها إلا بخرائط «قوقل».. ولما أراد تجميل القبيح فيهم؛ شوهوا ذلك الجمال.
وبين ذاكرته المتوقدة وأرشيفه الخاص الضخم؛ هناك مخزن للمعلومة الفنية تكون نتاج سنوات طِوال من القطف والتوثيق.. وبين نبأ صحفي وارد وآخر شارد؛ جاءه الأول طوعاً وكرهاً، وبحث عنه الثاني حبواً وهرولة.. وبما في مؤلَّفه «الأغاني.. قصص وحكاوي» من ترف لتفاصيل المعلومة وغِنَى الصورة؛ فتح به دهاليز عالم الفن بكل تعقيداته وتحسساته وخفاياه.
في حياته المهنية لا يعرف متى ينام؟ ومتى يصحو؟.. وبين أصدقائه الفنانين ينتقدهم دون تطاول.. وعند من يحاورهم صحفياً يأخذ من فكرهم.. ولجيل الصحافة الواعد يُقِّدم المساعدة لمن أرادها.. ومع منتقديه و«الشللية»؛ لم يلتفت لتفسيرات من يغطيهم السواد.. أما قناته «اليوتيوبية»؛ فتبنى فيها المواهب الفنية لإثراء الساحة.
وفي علاقاته المطمئنة مع الناس؛ صعد على أسوار الكلمة الصادقة المختزلة.. ومن قداسة نفسه وطهارة خُلُقه؛ يتأثر سلباً بجُرْحِ أحدهم أو ظُلْمِه.. وفي عزوف عن حكاياته؛ قال عن كل شيء إلا ذاته.. وعند حيويته المفرطة؛ استمتع بالكتابة فلم يشبع منها ولم يمل.. وحين توقف عنها بالتقاعد؛ استمتع بالمتابعة وبرمَج قلمه للتأليف.