واقع الإعداد المسبق في صالة الحجاج    الجميع ضحية الجميع    «اليدان المُصَلّيتان».. يا أبي !    اللغة تبكي قتلاها    "الهلال" و"جيسوس" يتفقان على إنهاء العلاقة التعاقدية    اتحاد القدم يوقّع مذكرة تفاهم مع الاتحاد الآسيوي للتعاون في مجال البرامج التعليمية    جامعة جازان تحتفي بخريجاتها    سجن بفرنسا يطلق عن طريق الخطأ سراح نزيل مدان بسبب تشابه الأسماء    مركز التحكيم الرياضي السعودي يستقبل طلاب القانون بجامعة الأمير سلطان    أميركا توافق على تزويد أوكرانيا بقطع غيار لمقاتلات أف-16 وتدريب طياريها    العطية يتصدر المرحلة الأولى من رالي السعودية    جمعية خويد تختتم برنامج "محترف" بحفل نوعي يحتفي بالفنون الأدائية ويعزز الانتماء الثقافي    القادسية يقسو على الخلود برباعية في دوري روشن للمحترفين    عقب فوزه على الشباب بثلاثة أهداف ... قوميز يمنح لاعبي الفتح راحة استعدادًا لمواجهة الوحدة    العطية يتصدر المرحلة الأولى من رالي السعودية.. والواجهة البحرية تستقبل الفائزين غداً    مانشستر سيتي يهزم وولفرهامبتون ويصعد للمركز الثالث مؤقتاً    وزارة الحج: العقوبات المقررة على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج تُطبَّق على كل مخالف بلا استثناء    الصين تعفي ربع سلع أميركا من الرسوم الجمركية    الاتفاق يتغلب على الخليج بثنائية في دوري روشن للمحترفين    حرس الحدود بتبوك يحبط تهريب 29,229 كجم «حشيش»    البرلمان العربي يدين الغارات التي شنها كيان الاحتلال مستهدفًا محيط القصر الرئاسي السوري    مجموعة الدكتور سليمان الحبيب تطلق فعاليات المؤتمر الدولي الثاني لعلاج العقم    قطاع ومستشفى المجاردة الصحي يُفعّل مبادرة "إمش 30"    ذخيرة الإنسان الأخيرة" يخطف الأضواء في الطائف    بلدية محافظة الأسياح تشارك في أسبوع البيئة    نائب أمير منطقة مكة يشهد حفل التخرج الموحد للتدريب التقني والمهني    أرفى تطلق فعاليات التوعية بالتصلب المتعدد من كورنيش الخبر    وفد وزاري يناقش الخطط التنفيذية مع صحة جازان    إمام المسجد الحرام: البلايا سنة إلهية وعلى المؤمن مواجهتها بالصبر والرضا    إمام المسجد النبوي: الاشتغال بما لا يعني سببٌ للتعاسة ومصدرٌ للخصومات والندامة    أمير القصيم يشيد بجهود جمعية "كبدك" في تنمية مواردها المالية ويثني على أدائها المميز    مغادرة أولى رحلات "طريق مكة" من إندونيسيا عبر مطار جاواندا الدولي إلى المملكة    524 جهة عارضة من 20 دولة في أسبوع الرياض الدولي للصناعة 2025    "العليان" يحتفي بتخرج نجله    "الراجحي" يحصل على الماجسير مع مرتبة الشرف    الهلال الأحمر بالشرقية يدشّن مشروع "معاذ" للسلامة الإسعافية بجسر الملك فهد    مدير منظمة الصحة العالمية: وضع غزة كارثي ومليونا شخص يعانون من الجوع    نائب أمير المنطقة الشرقية يرعى تخريج الدفعة 46 من طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل    أمير المدينة المنورة يرعى حفل تخريج الدفعة السابعة من طلاب وطالبات جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    نظام جديد للتنبؤ بالعواصف    في إلهامات الرؤية الوطنية    ذواتنا ومعضلة ثيسيوس    الترجمة الذاتية.. مناصرة لغات وكشف هويات    المملكة نحو الريادة العالمية في صناعة الأدوية    غزة.. حصار ونزوح    تراجع الديمقراطية في أمريكا يهدد صورتها الدولية    أمير تبوك: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    خلال جلسات الاستماع أمام محكمة العدل الدولية.. إندونيسيا وروسيا تفضحان الاحتلال.. وأمريكا تشكك في الأونروا    مدير الجوازات يستقبل أولى رحلات المستفيدين من «طريق مكة»    عدوان لا يتوقف وسلاح لا يُسلم.. لبنان بين فكّي إسرائيل و»حزب الله»    أمير الشرقية يثمن جهود الموارد في إطلاق 6 فرص تنموية    انخفاض وفيات حوادث الطرق 57 %    بريطانيا تنضم للهجمات على الحوثيين لحماية الملاحة البحرية    إطلاق 22 كائنًا فطريًا مهددًا بالانقراض في متنزه البيضاء    أمير تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج بالمنطقة    واشنطن تبرر الحصار الإسرائيلي وتغض الطرف عن انهيار غزة    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل العام لجمهورية إثيوبيا بجدة    آل جابر يزور ويشيد بجهود جمعيه "سلام"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. العودة: لسنا أوصياء على عباد الله، نحن بشر ممن خلق، نخطئ ونصيب
نشر في أنباؤكم يوم 26 - 05 - 2010

نقلا عن صحيفة التجديد المغربية : أكد الدكتور سلمان بن فهد العودة أن التجديد ليس مجرد ادعاء، ولا شعارات ترفع، ولا حتى كلمات، وأن أعظم خطوة في التجديد هي القدرة على تجديد النفس و تطويرها حتى في ما يتعلق بقيادات العمل الإسلامي، واعتبر الشيخ سلمان في حواره لموقع الإصلاح أن الصراعات التي تقع في أسرها بعض التنظيمات الإسلامية في الغالب استنزاف لجهودها، ورأى أنه ينبغي تقليل العداوة قدر المستطاع، وفي التعامل مع الآخر شدد على ألا نحكم على الناس حكما أبديا لا يقبل التغيير، ودعا إلى تنمية الفكر الاستيعابي المبادر، وفي تقييم له لتجربة حركة التوحيد والإصلاح اعتبر الشيخ سلمان أنها من أقرب الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي لأن تحقق الهدف المنشود، وذلك بالتجدد والانفتاح على الآخر، ولأنها ليس لها انتماء آخر يجعلها عاجزة عن التجديد والتقليد، فهي يؤكد الدكتور سلمان تنتمي لذاتها ولديها القدرة بحول الله وقوته على أن تطور ذاتها، وعلى أن تقيم تجربتها. وفي ما يلي نص الحوار:
تحديات الإعلام
بداية نرحب بك يا شيخ في بلدك الثاني المغرب وعلى تفضلك لإجراء هذا الحوار، باعتبار أنكم تشرفون على مؤسسة ''الإسلام اليوم''، وتقومون ببرامج في قنوات متعددة، كيف تنظرون إلى أهمية العمل الإعلامي في تطوير العمل الإسلامي؟
في الحقيقة إنني أعتقد أن الإعلام اليوم يأتي في الدرجة الأولى في الأهمية، لأن الإعلام تسلل إلى كل الناس في العالم، هناك منتجات إعلامية لا أقول إنه ينسخ بعضها بعضا ولكن تتزاحم فيما بينها، ولذلك نحن نتحدث الآن حول ما يسمى بالإعلام الجديد new media ، والذي هو عبارة عن أدوات بسيطة في يد الفتى ابن 14 سنة وفي يد الفتاة ابنة 14 سنة، كيف يتعامل مع العالم كله من خلال هذا الجهاز الذي يوجد في جيبه: بلاك بيري أو أيلفون أو غيرها أو الجهاز المحمول، فيتواصل مع العالم محادثة وتعرفا على أحدث الأخبار وحتى مشاركة وتفاعلا، فهو يقوم بتصوير حدث معين وتنزيله في اليوتوب أو في الفيس بوك أو تويتر أو في أي وسيلة أخرى من الوسائل التي يتعاطى الناس معها، وكذلك المدونات، والتي أبدت فاعليتها في الأحداث المختلفة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأحداث الطبيعية وغيرها من الحوادث، حقيقة الإعلام ذو أهمية كبيرة جدا، ولذلك أتمنى أن يكون هناك اهتمام كبير بالمواقع الإلكترونية والصحافة والتلفزة وغيرها من الوسائل الإعلامية.
وماذا يقتضي الولوج الإعلامي حتي لا يتم الوقوع في تكرار التجارب والجمود في الأساليب؟
لاشك أن الدخول في هذا الميدان يجعلك مضطرا إلى أن تُجدد الوسائل والتقنيات، فإذا دخلت في هذا الميدان سوف تجد نفسك في حراك، ومضطرا إلى مواكبة الجديد باستمرار، في وقت من الأوقات كان هناك المنتديات مثلا في الأنترنت، الآن تراجع دور المنتديات إلى ''الفيس بوك'' ثم جاء ما يسمى ب''التويتر'' ثم اليوتوب والوسائل المختلفة ، وهذه الوسائل ليست وسيلة منها بأن تكون مدعاة إلى أن نلغي الوسيلة الأولى وننتقل إلى الجديدة، وإنما أن نتعاطى مع كل الوسائل المختلفة جميعها، والانترنت نفسه ليس مُلغيا لدور الجريدة وليس ملغيا لدور الكتاب أو لدور التلفزة، وإنما هذه الوسائل كلها تسير جنبا إلى جنب.
النجاح في ميدان الإعلام هل هو مرتبط بجهد فردي أم هو نتاج عمل مؤسساتي؟
الجهد الفردي مهم جدا، وكثير من المنتجات التي اعتمدت في العالم كانت في الأصل جهود أفراد اثنان أو ثلاثة، وأحيانا شباب في العشرين من أعمارهم تحولوا إلى أثرياء يشار إليهم في العالم، وهناك أيضا تجارب عربية وإسلامية حققت نجاحا ماديا وامتدادا أفقيا، وأعتقد أنه لابد من الجهد الفردي ولابد من الجهد المؤسسي وأيضا هناك مدعاة للتكامل، مع أن التكامل لا يعني أن نضيق بكثرة المنتجات، بمعنى أننا بحاجة إلى مئات الآلاف من المواقع الإلكترونية، وفي هذا العام على وجه الخصوص هناك مؤشرات عديدة واعترافات دولية أن المحتوى العربي عبر الأنترنت أصبح أكتر ثراء وأكثر حضورا، وهذا مؤشر جيد، فقد أصبح هناك توجه إليه، سواء من قبل الحكومات أو من قبل المؤسسات.
وكيف ترى انفتاح التنظيمات الإسلامية على ميدان الإعلام ومدى استفادتها مما يتيحه من إمكانات؟
من الناحية العملية أعتقد أن هناك ضعفا شديدا، ولكن من ناحية الإمكان فإنني أظن أن كثيرا من الحركات الإسلامية لو تفطنت لخطورة وأهمية هذا المنتج خاصة ما يتعلق بالانترنت ومشتقاته، أعتقد أنها ستوفر على نفسها الكثير من الجهد والوقت وكثيرا من المال، وسوف تستطيع الوصول إلى دوائر لم يكن يخطر ببالها أنها سوف تصل إليها.
تدين الشباب.. وتحدي الترشيد
هناك صحوة دينية وإقبال كبير للشباب على التدين؛ كيف تنظرون إلى هذه الظاهرة إن كانت كذلك؟ وأيضا كيف يمكن ترشيد هدا التدين؟
هي ظاهرة لاشك في الجملة ايجابية، أما كيف يمكن ترشيدها فأنا أعتقد أولا أنه يجب تصحيح مفهوم التدين لئلا يكون الأمر متعلقا فقط بشكليات ومظهريات، وأن الشاب ينبغي أن يترك شيئا من لحيته وأن الفتاة ينبغي أن تلبس الحجاب فيكون قد التزم وتدين، هذا لا ينبغي أن يكون كذلك، التدين هو مفهوم قيمي داخلي في القلب والعقل، والانتماء والانضباط والسلوك والأداء والعلاقة أبعد من مجرد هذه الأشياء، نعم هذه الأشياء هي جزء من التدين؛ لكن ينبغي أن لا يظن الإنسان أنه بمجرد أن حققها فكأنه انتقل من حال إلى حال أخرى، ثانيا أنه ينبغي أن يكون هناك انفتاح مع جميع الدوائر الاجتماعية، فمن المخاطر التي أخشاها أن يكن وجود فئة من المتدينين في الكلية أو الجامعة والمصنع أو المستشفى مدعاة إلى أن يكون بينهم علاقات هم في ذاتهم ونوع من القطيعة والبعد عن الآخرين، والذي أتمناه وأفضله أن يكون لهؤلاء علاقات مع الناس كلهم وتواصل، لأن العلاقة مع الناس سوف تحفظ هؤلاء المتدينين من الشعور بالكبرياء أو من الغلو وتطرف الأفكار، وهي أيضا سوف تؤثر على الآخرين من خلال نقل هذا المستوى الإيماني الراقي إليهم وتوصيله بطريقة العلاقة والصداقة والتعارف والمجاملة.
الحركات الإسلامية وتحديات التجديد والتعددية
لكي يستمر عطاء الحركات الإسلامية لابد من التجديد ومواكبة التطورات، كيف يمكن تنمية الوعي بالفكر التجديدي لدى قيادات العمل الإسلامي؟
أؤكد أن التجديد ليس مجرد ادعاء، ولا شعارات ترفع، ولا حتى كلمات، وأيضا حتى حينما تسمي الحركة نفسها حركة الإصلاح والتجديد، لا تعتقد أنها فعلا شرعت في التجديد بمجرد أنها وضعت الاسم ضمن لائحتها أو عنوانها حتى تشرع فيه و تمارسه فعلا، و لذلك فإن أعظم خطوة في التجديد هي القدرة على تجديد النفس و تطويرها حتى في ما يتعلق بالقيادات، فأنا كثيرا ما أقول إن قيادات العمل الإسلامي بأمس الحاجة إلى ألا تشغلها اليوميات عن أن تؤطر نفسها وذاتها، وأن تطلع على الجديد في عالم الكتب وفي عالم التجربة البشرية، والوعي الإسلامي والمقاصد، فهناك ثورة معلوماتية ضخمة جدا، ينبغي أن نواكبها و أن يكون قادة الفكر وقادة العمل الإسلامي ليست مهمتهم فقط أنهم إداريون أو قياديون ، هذا رئيس وهذا نائب.... ولكن هم قبل ذلك وبعده أصحاب فكر ومتابعة وعلم ومعرفة وروح قوية مؤثرة، بحيث لو افترضنا أن هذا الإنسان في يوم من الأيام ابتعد عن ميدانه الإداري لا نقول إن هذا الإنسان نسي؛ لأنه لم يعد له وجود ، وكان يستمد حيويته ونشاطه من كونه موظفا أو مسؤولا، لا، وإنما يستمد حيويته من قدرته على التجدد وعلى اقتباس الأفكار الجديدة وعلى تطوير ذاته، فهو هنا أعطى روحا وحيوية للعمل الذي هو فيه، ولو ابتعد عن هذا العمل سيبقى كذلك حيويا في أي مجال هو فيه.
في نظركم هل بإمكان جهة ما أن تنفرد بالعمل النهضوي التجديدي أم لابد من التكامل والتعاون؟
هذا العمل النهضوي يجب أن يكون متكاملا، والتكامل ليس فقط بين دوائر إسلامية أو حركات إسلامية، بل يجب أن يكون في الأمة كلها، فالعمل النهضوي يتكامل فيه اقتصاديون وإعلامييون وحتى رياضيون وفنانون وسياسيون، ومجموع وجود الانسجام والاندماج و التفاعل الايجابي مع هذه المكونات كلها، يمكن أن يفضي بنا إلى وضع أفضل، والنهضة تختلف عن الثورة، يعني أن الثورة هي نقلة مفاجئة في الغالب لا تأتي بنتيجة، لأنها تعود مرة أخرى إلى نفس الأمراض التي ثارت عليها ، لكن النهضة هي عبارة عن تراكم يتطور وينمو يوما بعد يوم.
بعض التنظيمات الإسلامية عند تدافعها قد تدخل في صراعات مُنهكة ومُستنزفة لجهدها وطاقتها، فكيف يمكن ترشيد عملها دون الوقوع في عملية الاستنزاف؟
الصراعات هي دائما استنزاف أو في الغالب، هي أولا: تستنزف الجهد وتشعر الإنسان بالرضا عن نفسه بأنه قد عمل شيئا، لكن بعد فترة يلتفت أو يبحث ليجد ماذا بنا ولكنه لا يجد شيئا لأنه اشتغل بعملية المدافعة عن عملية البناء، إذن ينبغي أن يكون الأصل والأساس هو البناء و الاستراتيجية القائمة على إنجازات نحن قصدناها بإرادتنا، وليس فقط محاولة كسر إرادة الآخرين التي لا نرتضيها. ثانيا: ربما يقال إن كل وجود لابد أن يكون له عدو معين نحدده، وهذا قد تفعله كثير من الدول. لكنني أرى أن العمل الإسلامي ربما بالغ في مواجهة الأعداء حتى انشغل بصناعة الأعداء وترسيمهم و مقارعتهم، فانشغل عن إصلاح نفسه وعن بناء مؤسساته، ولذلك أقول ينبغي أن نحرص على تقليل العداوة قدر المستطاع، وأن نقصر العداوة على تلك الأطراف التي هي فعلا عدوة بالمعنى الشرعي، مثلا الكيان الصهيوني الذي يحتل الأرض الإسلامية، هذا عدو بكل المقاييس ولا سبيل إلى استصلاحه أو المهادنة معه وإن كان هذا من السياسات الشرعية في الجملة لكن كونه عدوا منابذا هذا مما لا خلاف عليه، وهكذا قد يوجد أطراف صريحة العداء مع الإسلام بدون مواربة، وحتى هذه القوة أنا أؤكد على أنه ينبغي أن نبني لها جسرا في حال ما إذا أرادت التغيير، بمعنى أن كثيرا من الأفراد والأشخاص و الأعيان ربما يكونون اليوم في اتجاه آخر، فينبغي أن نساعده، إذا كانت له فرصة للتصحيح، أو للانتقال من عداوة قوية إلى عداوة خاصة، أو من عداوة ظاهرة إلى عداوة مستترة، فلنساعده على ذلك.
بروز طاقات وازنة قد يجعل البعض يعطي للبعد الفردي الدور الحاسم في النجاح مع التنكر التام للعمل الجماعي المنظم، كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟
أنأ أعتقد أنه ينبغي ألا يكون ثمة مشاحة في العمل الإسلامي، وأحيانا أنا أتفاءل أكثر لأن الفرص هي بعدد أنفاس بني آدم وبناته وليس بعددهم هم، لذلك أنا أقول إنه في كل ثانية فرصة تسنح، وإذا آمنا بهذا المبدأ أدركنا أن عملية التنازع أو المزاحمة بين العمل الفردي والجماعي، وما بين تنظيمات إسلامية وأفراد ينبغي ألا تكون، وألا نظن أن الخير لا يتحقق إلا من خلال رؤيتنا الخاصة.
خصوصية تجربة ''التوحيد والإصلاح''
في منهج الإصلاح سطرت حركة التوحيد والإصلاح في أوراقها التصورية أنها تسهم في إقامة الدين وإصلاح المجتمع، كيف ترى فضيلتكم هذه الرؤية وأهدافها؟
كونها سطرت أنها تسهم فهذا ملمح جميل ربما فات على كثير من المحاولات الإسلامية، لأن معنى إسهامها أنها لا تدعي لنفسها أنها هي المهيمنة على الموقف أو هي الممسكة بزمام القياد في العمل الإسلامي، وإنما هي واحدة من جهات عديدة ربما تكون هذه الجهات إسلامية أو سياسية أو تعليمية أو أي شيء آخر وليس بالضرورة أن تحمل لفظ إسلامي، كل هذه الجهات في مجموعها تسهم في تصحيح الأوضاع الاجتماعية وفي تحقيق النهضة الإسلامية المنشودة، هذا معنى وملمح مهم جدا، وأعتقد أن هذه الحركة وحركات إسلامية أخرى هي لاشك ذات فائدة كبيرة جدا في التأثير على الآخرين، ولذلك ينبغي أن تتدرب كثيرا على وسائل التأثير وأدوات التعبير، ولكنني أشير إلى معنى مهم جدا وهو أنها أيضا يجب أن تتأثر بالآخرين، وذلك من خلال اختلاطها واحتكاكها بالمجتمع المغربي بكل مكوناته وفئاته، موافقية ومخالفيه، كباره وصغاره، تجاره وفقرائه، هي هنا تفيد الآخرين ولكنها تستفيد منهم أيضا، فلا أجد شيئا يضبط التوازن والاعتدال والوسطية في العمل الإسلامي مثل الاختلاط بالناس والامتزاج بهم، ولذلك كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول:'' إن العلم لا يهلك حتى يكون سرا''، فإذا بدأت الحركات الإسلامية في التقوقع حول نفسها وتحاول أن تنعزل عن الآخرين، وتنظر إلى الآخرين بريبة أو شك بدأت الانحرافات وبدأت جراثيم التطرف تتسلل إليها، لكن إذا كانت تعيش الحراك الاجتماعي وتختلط بالشباب والفتيات في الجامعات والمدارس والأسواق والمنتديات وغيرها، فكما أنها تسهم في دفعهم هي تنتفع منهم أيضا.
في أدبيات حركة التوحيد والإصلاح وخاصة في كتابات المهندس محمد الحمداوي، هناك ما يسمى بتكوين الجبهة الدينية من أجل التعاون على الإصلاح ومدافعة الفساد، كيف ترى فضيلتكم هذا الاقتراح؟
هذا مطلب جيد، وأنا أعتقد أن أي دائرة في العالم تحاول أن تقيم علاقات مع الجهات التي تشاطرها في نشاطها وعملها، وهذه العلاقات لازم أن تتحول إلى وحدة كاملة واندماج بين هذه الدوائر، وإن لم يكن هناك فيه قدر كاف من التواصل والتنسيق، وحتى الاختلاف هنا يكون ثمة مجال لضبطه وإتقانه، بحيث يؤدي دورا ايجابيا بدل أن يتحول الاختلاف إلى نوع من التفرق والصراع.
حصلت حركة التوحيد والإصلاح نوعا من التراكم من خلال تجربتها في العمل الإسلامي، ولكم اطلاع على هذه التجربة ومن خلال أوراقها التصورية، كيف تقيمون هذه التجربة؟
نعم لدي اطلاع عليها وعلاقة مع عدد من الأشخاص القائمين عليها، وأرى أنها هي من أقرب الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي لأن تحقق الهدف المنشود، وذلك بالتجدد والانفتاح على الآخر، وبالتوازن بتحقيق مفهوم الاعتدال والوسطية بشكل جيد، ولأنها ليس لها انتماء آخر يجعلها عاجزة عن التجديد والتقليد، فهي تنتمي لذاتها ولديها القدرة بحول الله وقوته على أن تطور ذاتها، وعلى أن تقيم تجربتها، لذلك دائما ما أناشدهم وأؤكد على هذا المعنى بألا نكون أسرى لتجربة مرحلية عشناها وإنما يكون لدينا القدرة على تطوير تجربتنا والاستفادة منها ومن تجارب الآخرين.
إشكالية الحريات الفردية والعلاقة مع المخالف
في موضوع آخر متعلق بالنوازل والقضايا المستجدة، هناك أمور جديدة تقتضي إجابات واضحة من داخل المرجعية الإسلامية مع مراعاة الواقع، ومن ذلك ما يتعلق بالشذوذ الجنسي، المواثيق الدولية، المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة... كيف يمكن التعامل مع مثل هذه القضايا؟
النوازل إطارها عام بشكل كبير، و أنا قبل سنتين كنت أتحدث عن تقنية اسمها التقنية الحيوية وأنها أحدث التقنيات، وقد اشتريت مؤخرا من الرباط كتابا ''عن النانو''، وتبين لي أن هذه هي التقنية الجديدة الآن، وخطر في بالي أنه ربما في العام القادم سنتحدث عن ثورة تقنية جديدة لم يكن لنا بها علم، ولذلك النوازل في العالم هي نوازل ضخمة وهائلة، وهي في الأعم الأغلب نوازل إيجابية يمكن استثمارها، وهذه النقطة يجب أن يعيها الإسلاميون، لأن الكثيرين ينظرون إلى المنتج الغربي بتوجس وريبة، دون أن يستطيعوا إفراز ما بين إيجابي يمكن الاستفادة منه وآخر سلبي.
على سبيل المثال، ما يتعلق بمدونات حقوق الإنسان، المرأة، الطفل،.. فهذه الحقوق لاشك أن في أصلها ولبها مفهوم شرعي، والإسلام جاء لتكريس هذا المفهوم، وعمر رضي الله عنه كان يقول ''متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا'' هذا الكلام قبل الثورة الفرنسية بقرون طويلة، فإذا مسألة الحقوق لو دعينا إلى مثلها في الإسلام لأجبنا كما قال الرسول عليه السلام، علينا أن نحتفل بالحقوق ونباركها، وينبغي أن ندرك أن هناك إيجابيات في الحركة البشرية نحن أحق بها وأهلها، وينبغي أن نثمنها وندعمها.
وفي المقابل، هناك انحرافات أو تجاوزات لعدم وجود معيار شرعي عندهم مثل ما يتعلق بالشذوذ الجنسي، توسيع دائرة العلاقات بغير ضابط، قضايا المساواة المطلقة بين المرأة و الرجل كما نجد في اتفاقية ما يسمى''السيداو''، هذه أشياء ينبغي أن نرفضها بوضوح من منطلق رؤيتنا الشرعية وخصوصيتنا الإسلامية، ومع ذلك كيف ينبغي أن نتعاطى مع هذه الأشياء؟ أعتقد أن هذا يحتاج إلى إتقان لغة التعاطي مع مثل هذه الأمور، لأن رفض هذه الأشياء هو مبدأ شرعي، لكن طريقة الرفض والتعبير عنه مسألة تحتاج إلى أن نتدرب على خطاب حديث ناضج يملك التعبير عن رؤيتنا الإسلامية بوضوح لا لبس فيه، وفي الوقت ذاته يستطيع أن يوصل هذه الرؤية إلى الآخرين الذين لم يتعرفوا عليها.
يقال دكتور بأنكم منفتحون وتمتازون بالجرأة في طرح القضايا ومعالجتها، كيف يمكن تنمية منهج الانفتاح والاستيعاب؟
الذي لاحظته أن الكثير من العاملين للإسلام يكون عندهم تهيب أو خوف أو وجل، مثل ما يتهيبون من المنتجات الجديدة يتهيبون من الأشخاص أحيانا أو من تغيير المواقف تجاه الأشخاص، فإذا كان شخص تم الحكم عليه بأنه خصم أو عدو وبدأ يظهر من هذا الشخص تعديلات فسرنا هذا بأنه ليس سوى تكتيك أو استراتيجية أو خداع أو در للرماد في العيون، ونظل على هذا لمدة عشر سنوات حتى نكتشف بأنه فعلا يتحدث بمصداقية، وربما نحتاج إلى أن يموت هذا الإنسان حتى نرجع ونصحح موقفنا منه ونتعامل معه بقدر من الإيجابية والانفتاح، فالذي أدعوا إليه هو أن نكون مبادرين وألا ننتظر وقتا طويلا حتى نتعاطى بإيجابية مع منتج جديد، سواء كان هدا المنتج آلة أو كان فكرا لشخص ما.
هذا يجعلنا نتساءل عن طرق إيصال الخطاب والحرص على عدم الوقوع في الهفوات؟
الإعلام عادة يتصيد الهفوات، فهو يبحث عن كلمة أو زلة تقولها حتى يضخمها، ويكون رأيك إنما عرف من خلال هذه الزلة، وحتى قد لا تكون زلة ولكنها كلمة في غير محلها أحيانا، بينما الأمر يتطلب أن يكون لدينا قدرة على خطاب ناضج يعرف كيف يتحدث ويفوت الفرص على الخصوم.
في كلام لك عن الدكتور محمد عابد الجابري رحمه الله قلت'' لم يكن عنده خصومةٌ مع أمته وكان يبحث عن طريق للنهضة وعن سر التخلف''، بصفة عامة كيف يتم التعامل مع الفكر المخالف؟
في التعامل مع المخالف ينبغي أن ندرك أننا لسنا أوصياء على عباد الله، نحن بشر ممن خلق، نخطئ ونصيب، ولذلك ينبغي أن نأخذ الناس بالرفق، وينبغي ألا نحكم على الناس حكما أبديا لا يقبل التغيير، وندرك أن الفكر بطبيعته كائن حي متحرك ومتغير، والإنسان في الشباب يختلف عنه في الأربعين ويختلف عنه في الستين، ولذلك هنا القصة ليست أننا نريد أن نبحث عن أعداء ونصنفهم أعداء، ونرفض أن يخرجوا من هذا المربع، وإنما القصة أن نقول بالحق ونرحم الخلق، فنفرح بأي تعديل في خطة شخص ما أو أي كلمة طيبة ونشجعها ونسعى إلى توسيعها وتعميمها بدلا من أن يصبح الشخص ربما بعيدا بسبب ردود فعل سلبية من بعض الناس، ويمكن أن يكون أقرب بسبب رد فعل إيجابي من بعض الناس أيضا.
وكيف يمكن في نظرك تنمية الفكر الاجتهادي بدل عقلية الانتظار و ردود الأفعال؟
ننمي هذا الفكر المبادر بالمبادرة، بحيث ينبغي أن نشجع المبادرات وأن يكون هناك حرص على إيجاد نماذج في كل بلد في المغرب أو في المشرق وحتى في أوربا وغيرها، نشجع أصحاب العقول المبادرة الذين لديهم انضباط من جهة ولديهم انفتاح ومبادرة وتوازن من جهة أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.