نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء جمعية البركة الخيرية    الخارجية الكويتية: أمن المملكة وأمن دول مجلس التعاون يُعدّان ركيزة أساسية من ركائز الأمن الوطني الخليجي    صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي بالمملكة يرتفع 34.5% في الربع الثالث 2025    سيرة من ذاكرة جازان.. الشاعر علي محمد صيقل    تغريم ديزني 10 ملايين دولار بتهمة انتهاك قوانين حماية خصوصية الأطفال    جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية توقّع عقود اعتماد برامجي مع تقويم التعليم والتدريب    مشاريع ومبادرات تنموية سعودية تغذي شريان التنمية في قلب اليمن    تكليف عايض بن عرار أبو الراس وكيلاً لشيخ شمل السادة الخلاوية بمنطقة جازان    تحالف رؤى العقارية يطرح مخطط رؤى للبيع في مزاد علني    انخفاض أسعار النفط    "مدن" وهيئة التراث توقّعان اتفاقية تعاون لدعم الصناعات الحرفية ضمن مبادرة "منتج حرفيون"    سمو الأمير سعود بن طلال يرعى استلام هيئة تطوير الأحساء شهادة ال"ISO"    حرم أمير منطقة الرياض ترعى حفل زفاف 176 من فتيات جمعية "إنسان"    فيصل بن بندر يطلع على جهود "ترجمة".. ويعزي مدير الأمن العام    مجلس الوزراء: التصعيد في اليمن لا ينسجم مع وعود الإمارات    أمير الباحة يشدد على تعزيز التكامل بين الجهات الحكومية والخدمية    استعراض أهداف "محبة للتنمية الأسرية" أمام سعود بن بندر    ترمب يؤكد بدء إعادة إعمار غزة قريباً و«إسرائيل» تواصل خروقات وقف النار    المملكة بوصلة الاستقرار العالمي وقطب الدبلوماسية    مندوب الصومال في مجلس الأمن يحذر: اعتراف إسرائيل ب«أرض الصومال» يزعزع القرن الأفريقي    "السنغال والكونغو الديمقراطية وبنين" إلى ثمن نهائي أمم أفريقيا    تغلب عليه بهدف وحيد.. ضمك يعمق جراح الأخدود    الأهلي يتغلب على الفيحاء بثنائية    مشيداً بدعم القيادة للمستهدفات الوطنية..الراجحي: 8 مليارات ريال تمويلات بنك التنمية الاجتماعية    تعديل ضريبة المشروبات المحلاة    الاستفادة من البيانات لرفع مستوى الكفاءة.. المؤشر الوطني «نضيء» يدعم الحراك التنموي    ضبط 594 كلجم أسماكاً فاسدة بعسير    مجلس الوزراء: المملكة لن تتردد في اتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة لمواجهة أي مساس أو تهديد لأمنها    والد الفريق محمد البسامي إلى رحمة الله    «وطن 95».. تعزيز جاهزية القطاعات الأمنية    رغم استمرار الخلافات حول خطوات اتفاق غزة.. تل أبيب لا تمانع من الانتقال ل«المرحلة الثانية»    قلق أممي على المحتجزين والجرحى بالفاشر    مشاركة 25 فناناً في ملتقى طويق للنحت    رياض الخولي بوجهين في رمضان    التوازن والغياب!    فلما اشتد ساعده رماني    باحثون يطورون نموذجاً للتنبؤ بشيخوخة الأعضاء    مسحوق ثوري يوقف النزيف الحاد في ثانية    الميزة الفنية للاتحاد    إذاعة القرآن.. نصف قرن من بث الطمأنينة    «مساء الحِجر».. تاريخ العُلا    الاتحاد وانتصارات الدوري والنخبة    تعرف على مستجدات لائحة تقويم الطالب وأدلتها التنظيمية    خسارة ثقيلة للأهلي أمام المقاولون العرب في كأس رابطة المحترفين المصرية    الاتفاق يوقف سلسلة انتصارات النصر    سر غياب روبن نيفيز عن قائمة الهلال أمام الخلود    محافظ ضمد يزور جمعية دفء لرعاية الأيتام ويشيد بجهودها المتميزة    أمير الرياض يعزي مدير الأمن العام في وفاة والده    جيل الطيبين    حين يغيب الانتماء.. يسقط كل شيء    «الهيئة»أصدرت معايير المستفيد الحقيقي.. تعزيز الحوكمة والشفافية لحماية الأوقاف    ولادة مها عربي جديد بمتنزه القصيم الوطني    رجل الأمن ريان عسيري يروي كواليس الموقف الإنساني في المسجد الحرام    الدردشة مع ال AI تعمق الأوهام والهذيان    انخفاض حرارة الجسم ومخاطره القلبية    القطرات توقف تنظيم الأنف    «ريان».. عين الرعاية وساعد الأمن    دغدغة المشاعر بين النخوة والإنسانية والتمرد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيها القضاة: تبسمكم في وجوهنا صدقة!
نشر في أنباؤكم يوم 17 - 02 - 2014


الوطن - السعودية
"المنطقة الشرقية باتت أول منطقة على مستوى الدوائر الشرعية تكتمل منظومتها الإلكترونية، بمعنى أن كل المعاملات هناك إلكترونية، وتختار أنت مواعيدك المناسبة، وجلساتك التي تريد، من بيتك وعن طريق جهاز حاسوبك"
اهتبلت فرصة لقائي مع أحد القضاة العتيدين، وثمة آصرة متينة من الأخوّة جمعتني به قبل عامين فقط، فبادرته: "صدقاً، لم أك أتوقع أن الابتسامة والمرح - يا معاشر القضاة - لهما حيّزان في حياتكم، فلم ألتق أي قاض أو ألمحه في ردهات المحاكم، إلا وهو منقبض الوجه، متجهمه. وها أنا بعد هذه الفترة التي اقتربت منك، لأشهد الله على خفة روحك المثلى، ولم أرك إلا منطلقا في الحياة، محبا للطرائف والملح، وإنسانا ككل الأناسي المستمتعين بالحياة".
تفرّس صديقي القاضي في وجهي طويلا، وقال بنبرات صادقة: "إن صادفتني – يا أبا أسامة - وأنا أدلف إلى مكتبي، لربما تتفاجأ أنني حتى لا أسلّم عليك، وتلك الصفة التي ذكرتها، ستراني بها أبدا. طالما كنت في المحكمة، سأكون بهيئة غير التي تعرفني بها". تقوّس حاجباي دهشة، وقد ألجمت من المفاجأة وصدق نبراته، وقلت: "أسألك بالله أتفعل هذا، وكل أخوّتي معك تذهب بددا؟ وأنا حتى لا قضية لي عندكم.. يا أخي على الأقل خذ صدقة الابتسامة".
ردّ هذا القاضي المخضرم بتفصيل هذه المرة، وقال: "هذه التهمة الظالمة تلاحقنا، ليس منكم فقط أيها الإعلاميون، بل من كافة طبقات المجتمع، وليس أمامنا نحن القضاة إلا أن نتمثل هذا الطبع والسلوك رغما عنا. هل تعلم أن مجرد بسط الوجه أو الابتسامة التي تطلبها، إن كانت في اتجاه أحد الخصمين، لعدّ الخصم الثاني ذلك انحيازا ومحاباة لخصمه، ولأرجف الشيطان في قلبه؛ أن القاضي له معرفة بخصمه فيجفل".
انطلق القاضي يسرد وقائع حصلت له من هذه الأساليب التي يلجأ بها الأخصام، وقال: "صادفني أحد الذين لهم قضية عندي، وأمام خصمه، بادرني: عمي فلان يسلم عليكم فضيلة الشيخ. فأجبته من فوري، وبنبرة صارمة: لا أعرفه. كان الرجل يحاول أن يؤثر في خصمه، فلذلك لا تعتبوا علينا أننا لا نظهر بصورة - موظف استقبال الفندق - التي تريدون، بل بتلك الصورة الجادة، في عدم الابتسامة كلية في قاعات المحاكم، ليس لأنها طبيعة فينا بما تتوهمون، بل لأن منصبنا يقتضي الحياد التام، فلربما كنت أنت - يا أبا أسامة - ضمن أحد الفريقين، أو يظنون بذلك كلاهما".
للحق، أن حبيبنا القاضي هذا أقنعني بمنطقه، ورددت: "ليغفر الله لي سوء ظني بهم، فطيلة سنوات طويلة وأنا أنتقد عليهم هذا الأسلوب الجاد الذي هم عليه"، واعترفت له بذلك، فقال لي ممازحا: "كفّر عن خطيئتك وابن للمجتمع ما سمعت". فرددت عليه وقد أدركتني حرفتي الإعلامية: "سأفعل ولكن، قل لي عن التهمة التالية التي تلوب في نفسي، ولطالما تهكم بها كتبة الزوايا في صحفنا؛ في ذلك التفاوت الظالم، بأن أحكام القضاة تختلف في نفس القضية الواحدة؟". ردّ عليّ منفعلا: "يا رجل.. لو حكموا بنفس الحكم لكان هذا الظلم بعينه".
تعجبت وبادرته: "اتق الله.. كيف ذلك، والجناية واحدة؟!". أجابني، وكأنما يتوثب: "من المستحيل، أن تتشابه ظروف كل واقعة مع أختها. فمثلا، لو كانت الجناية تحرّشا جنسيا، هل أساوي كقاض؛ بين المتهم الذي كانت تلك الحادثة لأول مرة له في حياته، وهو بعمر الخامسة عشرة، مع متهم في الأربعين من عمره، وكانت الحادثة هي العاشرة له. هناك ظروف مخففة، وظروف مشددة، إن حكما بنفس الحكم، فهو الظلم بعينه".
انكفأت وأشحت عنه، وقد غلبني، فقلت له: "هاك التهمة الثالثة، ولا أود أن أتركك إلا وقد سقت لك ما تتهمون به أيها القضاة، فالجلسات الطويلة يشتكي منها المتقاضون، وأنتم لا تحسمون، وتأخذ القضية سنوات أحيانا، فلماذا؟". استطعم صديقي القاضي طعم الانتصار، فردّ بهدوء كامل، وابتسامته العريضة – طالما لم نكُ في محكمة - مرتسمة على وجهه، وأجابني: "يا أخي، المسؤولية ليست على القاضي، بل على المتقاضين. يتبادلون ويلوبون في ردود طويلة، والفترة من حق الخصوم. بل بعض المحامين، يسهم في تطويل الجلسات ليبرّر المبلغ الطائل الذي تسلمه من موكله، وإلا فأنا أجزم لك أن 95% من القضايا تُعرف بشكل كامل بعد شهر، ويستطيع القاضي البت فيها. وثمة مشكلة أخرى في عدم حضور أحد الطرفين، إلا أن قانونا صدر، يلزم القاضي بإصدار الحكم طالما تكرر منه التغيب".
كنا على طاولة العشاء، وقد أكرمني صديقي القاضي بدعوته، وطيلة الوقت أشغلته عن الأكل، فازدردت لعابي، وقلت له، آخر تهمة تمور في نفسي، وأدعك للطعام بعدها، وقلت: "يا حبيبنا المعالي، ماذا عن الأحكام التي لا تنفّذ. يشتكي المتضررون بأن الحكم الذي يصدره القاضي، لا يلتزم به الجناة ويتهربون من تنفيذه، فيدخل المساكين في نفق مظلم آخر، وحكاية بؤس أخرى تستنزف أوقاتهم وأموالهم وهم يطاردون الجناة".
هنا تهلل وجه صديقي، وقال: "هل تعلم أنه خلال الربع الأول من هذا العام، استوفي المتضررون ما لا يقل عن 9 مليارات ريال، ريال ينطح ريالا - يا أبا أسامة - والسبب بعد توفيق الله، يعود للمادة 46 من نظام الحجز والتنفيذ الصادر بمرسوم ملكي بتاريخ 8/4/1434 ، قل وداعا لهؤلاء للأبد".
لم أستسلم، وأجبت: "لطالما تحايل هؤلاء، ولا يعدمون وسيلة للانفكاك والتهرب من إنفاذ القرار. كيف أفعل وأنتم تطالبونني أن أعمل مخبرا سريا، لأبلغكم أين ينام، وأين يداوم كي تقبض عليه الشرطة". أجابني: "كل هذا من الماضي، ما عليك إلا أن تعلن في الصحيفة المحلية بمئة ريال، عن الحكم الصادر لك ومطالبتك، وخلال خمسة أيام إن لم يوفك حقك، فسيمنع مباشرة من السفر بشكل آلي، وتوقف صكوك التوكيل المباشرة وغير المباشرة، ويفصح عن أمواله وما يرد إليه مستقبلا، ويوضع اسمه في "سمة" بالقائمة السوداء، وتحجز كل ممتلكاته المالية، وتمنع الجهات الحكومية من التعامل مع شركاته بشكل كامل، وينتهي الأمر به في الحبس".
وأضاف القاضي: "أكلمك الآن، وقد مرت خلال الأسبوعين الماضيين، حادثة لرجل غرم 3 مليارات ريال، وتدبرها خلال خمسة أيام، وأوفاها غريمه، كي لا يقع تحت طائلة هذا القانون الصارم. أكرر عليك بأن ما قلته من الماضي، ونحن أمام عهد جديد في وزارة العدل".
خرجت من لقائي مع صديقي القاضي، وأنا أردد: "فعلا، شئنا أم أبينا، رغبنا أم كرهنا، ومهما كان موقفنا من وزارة العدل ووزيرها، هناك انقلاب كامل في الوزارة، وسيرورة العمل فيها، ليرض من يرضى ويسخط من يسخط". وكم كانت فرحتي وأنا أقرأ بأن المنطقة الشرقية باتت أول منطقة على مستوى الدوائر الشرعية في المملكة تكتمل منظومتها الإلكترونية، بمعنى كل المعاملات هناك إلكترونية، وتختار أنت مواعيدك المناسبة، وجلساتك التي تريد، من بيتك وعن طريق جهاز حاسوبك، وتوفر الوقت والجهد والمال.
بكل صدق وأمانة، أحبابنا القضاة ووزارتهم أعطونا نموذجا خلاقا في عصرنة العمل، ومواكبة التقنية، ليت تجربتهم تعمم على باقي الوزارات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.