ليس لدي أدنى شك في مهنية ومصداقية الزملاء الأعزاء الذين أجروا الحوار الفضائي مع الأمير الوليد بن طلال، فهم من خيرة الإعلاميين السعوديين وعرف كل واحد منهم بالجرأة في الطرح والغيرة على قضايا الوطن والناس، ولكن من وجهة نظري كانت لديهم مشكلة يصعب تجاوزها وهي أنهم جميعا موظفون لدى الوليد بن طلال في مؤسساته الإعلامية المتداخلة، لذلك فإن حوارهم معه – مهما بدا ساخنا – فإنه يظل (مباراة ودية) لا قيمة لنتيجتها ولا طعم للهجمات المثيرة التي تتخللها. نعم قال الوليد بن طلال ما يتحاشى الكثيرون قوله، ولكن أين ومتى وكيف قال ذلك؟. هذه الأسئلة هي التي شغلت بال المشاهدين الفضوليين أمثالي الذين شعروا أنهم حضروا هذه المباراة الودية الاستعراضية بالمجان ولم يستطيعوا إكمالها لأنهم واثقون بأن النتيجة لن تتغير مهما حاول اللاعبون استعراض مهاراتهم، بل إنني أظن أنه لو كان ثمة حكم لتلك المباراة فإنه سيضع صفارته في جيبه ويذهب لشرب الشاي في دكة الاحتياط، لأنه يدرك أن طرفي المباراة يحملان البطاقات الصفراء والحمراء في الذهن والقلب والروح. نعم قال الوليد ما يريد قوله، لأنه يود قوله وليس لأن هذا القول هو ما يجب أن يقال، وهذا الذي قاله الوليد هو ما نود أن نسمعه منذ زمن بعيد، ولكن لا أحد يريد أن يقوله لنا، فشعر هو بالارتياح وشعرنا نحن بارتياح أكبر، لذلك انتهت المباراة قبل أن تبدأ، ونام كل شخص على الجنب الذي يريحه دون أن يتغير شيء في الصباح التالي!. صحيح أن أغلب آراء الأمير أعجبتني وأطربتني ولكنني كنت مثل ذلك المتسوق في برج المملكة الذي يستمتع بالتجول بين المحلات الفاخرة وهو يضع في اعتباره أنه سيعود بعد نصف ساعة إلى منزله المتهالك في أحد أحياء جنوبالرياض، بالضبط كانت رحلة تسوق رائعة أكثر من كونها مواجهة إعلامية يجد فيها كل ما يشتهي من آراء وأفكار فخمة: مجلس شورى منتخب، فرض رسوم على الأراضي البيضاء، نقد مكشوف لهيئة الاستثمار، تأكيد على دور المرأة في المجتمع و...كل شيء بمعنى كل شيء من الإبرة للطيارة تحت سقف (مول) تجاري مكيف ولكن الأسعار مرتفعة وليس بمقدورنا الشراء، لذلك اكتفينا بالفرجة وواحدنا يتحدث إلى الآخر: (هل رأيت تلك القطعة الفاخرة؟.. لقد شاهدت مثلها في مول آخر!). زبدة الكلام أن أغلب ما قيل في حوار الوليد بن طلال هو آراء مهمة جدا وتشغل بال كل من يحب هذا الوطن المبارك، ولكنها للأسف الشديد لن تكون مفيدة إلا إذا غير كل طرف من أطراف المقابلة موقعه، بحيث يقوم الزملاء الرائعون (خاشقجي، العلياني، المديفر، العمودي) بمحاصرة شخصيات أخرى لها الوزن ذاته بمحاور ساخنة من هذا النوع الذي ينخر في العظم، بينما يختار الأمير الوليد قناة فضائية أخرى لا يملكها كي يرد على مثل هذه الأسئلة المدببة!.