يوم عرفة.. 42.2 مليون مكالمة في مكة والمشاعر.. و5.61 ألف تيرابايت استهلاك البيانات    أمير منطقة جازان ونائبه يؤديان صلاة عيد الاضحى    وكيل محافظة بيش يتقدم المصلين لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك ويستقبل المهنئين    حركة اقتصادية تسجلها أسواق المواشي بحائل خلال عيد الأضحى المبارك    أمانة حائل تنهي استعداداتها خلال عيد الأضحى المبارك.    السلام في أوكرانيا يستدعي "إشراك جميع الاطراف"    محاولة أخيرة من الاتحاد لضم محمد صلاح..وتحديد البديل    وزير الإعلام يرفع التهنئة لخادم الحرمين وولي العهد بعيد الأضحى المبارك    الملك سلمان: أسأل الله أن يديم الأمن والاستقرار على وطننا وشعبنا    سمو محافظ الخرج يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك مع جموع المصلين    الصحة تحذّر الحجاج من التعرض لأشعة الشمس    أمير منطقة المدينة المنورة ونائبه يستقبلان المهنئين بمناسبة عيد الأضحى    محافظ الطائف يؤدي صلاة عيد الأضحى في مصلى الخالدية    رئيس مجلس الشورى يهنئ القيادة الرشيدة بعيد الأضحى المبارك    الرئيس المصري: لمست في الحج حسن التنظيم والخدمات.. شكرا للملك سلمان وولي العهد    "روبوتات المطاعم " هل تهدد وظائف البشر ؟    أمير الرياض يؤدي صلاة عيد الأضحى مع جموع المصلين    القيادة تهنئ رئيس جمهورية جنوب أفريقيا بمناسبة إعادة انتخابه لمدة رئاسية جديدة    أمطار رعدية المرتفعات الجنوبية    الكشافة تواصل جهودها بإرشاد الحجاج التائهين في مشعر عرفات    سمو أمير منطقة الباحة يهنئ القيادة الرشيدة بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    "كشافة الزلفي" تواصل تقديم الخدمات لحجاج بيت الله الحرام    عروض مسرحية وفلكلور شعبي في احتفالات الشرقية بعيد الأضحى    الذكاء الاصطناعي يتحكم بالقرارات الشرائية لحوالي 80 %    الأهلي وصفقات الصيف    القبض على بلوغر إماراتية بعد تصويرها مقطعا في مكان محظور    اكتشاف النهر المفقود في القطب الجنوبي منذ 34 مليون سنة    بياض الحجيج يكسو جبل الرحمة    الأجهزة اللوحية والبصمات تلاحق غير النظاميين    «الدرون» العين الثاقبة في المناطق الوعرة    توصية متكررة بتحديث متصفح «غوغل»    «الكانفاس» نجمة الموضة النسائية    ... «مت فارغاً»..!    واجهات جدة البحرية ومرافقها العامة جاهزة لعيد الأضحى المبارك    الصين تنشئ صناديق مؤشرات للاستثمار في الأسهم السعودية    15 خطيباً اعتلوا منبر عرفة.. أكثرهم «آل الشيخ» وآخرهم «المعيقلي»    وزير الخارجية يرأس وفد المملكة في قمة (السّلام في أوكرانيا) بمدينة لوتسيرن السويسرية    أبرز أمراض العيد وكيف يمكن الوقاية منها    5 مخاطر للأشعة فوق البنفسجية    ابتكار علاج جيني يؤخر الشيخوخة    في هذه الحالة.. ممنوع شرب القهوة    المتحدث الأمني ل"الوطن": المملكة مدرسة في إدارة الحشود    ضبط (12950) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    الملك وولي العهد يتلقيان تهنئة قادة الدول الإسلامية بعيد الأضحى    تصعيد أكثر من 42 مليون سلعة تموينية لضيوف الرحمن في مشعري عرفة ومزدلفة    الشيخ السديس يهنئ القيادة بنجاح نفرة الحجاج من عرفات إلى مزدلفة    الوقوف بعرفة.. يوم المباهاة    وزير الخارجية يستعرض العلاقات التاريخية مع رئيس المجلس الأوروبي    نيمار يُعلق على طموحات الهلال في كأس العالم للأندية    العيد في غزة حزين وبلا أضاحي    رئيس مصر يزور المتحف الدولي للسيرة النبوية    بدء مفاوضات انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي    وزير الخارجية يترأس وفد المملكة بقمة السلام في أوكرانيا    وزير الإعلام يتفقد مقار منظومة الإعلام بالمشاعر المقدسة    السعودية تتسلم علم استضافة أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025    2000 إعلامي من 150 دولة يتنافسون في الأداء    فيلم "نورة" من مهرجان "كان" إلى صالات السينما السعودية في رابع العيد    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العدالة كعمل يومي.. العدالة بين رولز وسن

المؤسساتية التي انتقد سن اعتماد رولز عليها ليست ضرورية. فنظريته إجرائية محكومة بشروط معينة يمكن أن تتحقق بمؤسسات رسمية أو بجمعيات أهلية أو بغيرها
أمارتيا سن ومارثا نسباوم ضمن أبرز فلاسفة السياسة في العالم اليوم. الأول بنغلاديشي يعمل أستاذا للاقتصاد والفلسفة في هارفرد والثانية أميركية أستاذة للأخلاق والفلسفة السياسية في شيكاغو ولاحقا في هارفرد. بالإضافة للاهتمام الفكري تجمع الاثنين علاقتهما بجون رولز، فيلسوف السياسة الأميركي المعاصر الأبرز. أمارتيا سن أهدى كتابه الأخير فكرة العدالة 2009 لجون رولز وكذلك فعلت نوسباوم في كتابها حدود العدالة 2006. الجميل أن كلا من سن ونوسباوم قدما نقدا لأستاذهما، خصوصا في كتابة نظرية في العدالة. في هذه المجموعة من المقالات سأتحدث عن نقد سن لرولز. لاحقا سأتحدث عن نقد نوسباوم لرولز أيضا.
يضع سن نفسه في سياق مغاير لرولز. بحسب سن فإن نظرية رولز يمكن تصنيفها ب"المؤسساتية المتعالية" transcendental institutionism، بينما يصنّف نظريته على أنها "المقارنة الإدراكية" realization-focused comparison. نظرية رولز بحسب سن تقوم على حالة مستقرة ومتعالية يسميها العدالة. هذه الحالة يتم تحقيقها بفعل مؤسساتي ينظّم حياة الأفراد ويعمل كمراقب على تحقق شروط العدالة والتي يختصرها رولز في شرطين. أولا: مساواة وحرية للجميع. ثانيا: أن أي امتياز لأي فرد (وظيفة حكومية مثلا) يتحقق من خلال مسابقة عادلة، معلنة ومفتوحة للجميع وأن أي تمييز تمارسه الدولة يجب أن يكون إيجابيا لتحقيق المساواة مثل إعفاء الفقراء من الضرائب. سن يرى أن الأمور لا تسير بهذا الشكل المثالي. يطرح سن مفهوما مقارنا كمقابل لمفهوم سن المتعالي. يقول سن إن ما يمكننا فعله هو العمل يوميا لتحقيق عدالة أعلى من العدالة التي تحصّلنا عليها بالأمس. بحسب سن لا يوجد شيء اسمه "عدالة" مجردة بقدر ما توجد عدالة أفضل من عدالة أخرى أو أسوأ من عدالة أخرى. النظرة المقارنة بحسب سن أكثر واقعية وأكثر عملية في عالم نعلم أن حالة العدالة بمعناها المثالي متعذّرة. في مقدمة الكتاب يقول سن "إن هدف نظريته هو توضيح كيف يمكن التقدم في مواجهة الأسئلة المتعلقة بتطوير العدالة وإزالة الظلم بدلا من تقديم قرارات متعلقة بطبيعة العدالة الكاملة".
أيضا سن يرى أن المؤسساتية في نظرية رولز تحيل عملية تحقيق العدالة إلى مهمّة خارج إطار العمل اليومي للأفراد وتكاد تحصرها في عمل إجرائي تقوم به المؤسسات من خلال تطبيق القانون. العدالة من منظور سن هي مهمة يومية يقوم بها الأفراد يوميا غير مشغولين بتصور مثالي عن العدالة بقدر ما هم مشغولون بغد أفضل من اليوم. العدالة هنا تصبح جزءا من العمل اليومي الذي يقوم به كل إنسان. العدالة بهذا المنظور المقارن الفردي، كما يطرحه سن، هي مهمة للمعلمة والطبيب والأب والأم والطالبة والطالب والعامل ..الخ، كما أنها مهمة للمشرّعين ومطبقي القانون ونشطاء المجال العام وحقوق الإنسان. نظرية سن لا تتطلب من الفرد أن يكون سياسيا أو مشاركا في صياغة العقد الاجتماعي لكي يساهم في تطوير العدالة في حياته وحياة مجتمعه، بل وفي العالم بشكل كامل. العدالة هنا تتحقق لا كعمل مستقل منفرد، بل كجزء من العمل اليومي الطبيعي المباشر.
نظرية سن ونقوداته لرولز محفزة للتفكير. سأناقش هنا باقتضاب بعض هذه النقودات. برأيي أن الفصل الحاد بين النظرية المتعالية والنظرية المقارنة غير تاريخي وغير واقعي. بمعنى أنه في داخل كل نظرية مثالية روح مقارنة وفي داخل كل نظرة مقارنة مفهوم متعال للعدالة. رولز وقبله فلاسفة العقد الاجتماعي من هوبز وروسو كانت، وصولا لرولز، كانوا يفكرون في العدالة وفي أذهانهم حالة معيّنة يريدون تجاوزها. فلاسفة التنوير كانوا يطمحون لتجاوز دولة القرون الوسطى إلى دولة حقوق الإنسان. رولز يطمح في تجاوز دولة التمييز العنصري إلى دولة المساواة. فلاسفة التصور المقارن أو الإدراك المقارن من ماركس، مل، بانثام، وصولا إلى سن، لم يجروا المقارنة بين العدل والظلم إلا في أذهانهم تصورا معينا لما هي العدالة. هذا التصور هو في النهاية القائد للعمل اليومي الذي يقوم به الأفراد ويساعدهم على تحديد العدل من الظلم.
في المقابل أيضا يمكننا أيضا الحديث عن أن المؤسساتية التي انتقد سن اعتماد رولز عليها ليست ضرورية في نظرية رولز. نظرية رولز هي نظرية إجرائية محكومة بشروط معينة يمكن أن تتحقق بمؤسسات رسمية أو بجمعيات أهلية أو بغيرها. المؤسسات الرسمية طريقة لتحقيق هذه الشروط ولكن الإجراء والشروط قابلة للتحقيق في الممارسات الفردية. في المقابل المؤسسة في النهاية ليس إلا مجموعة من الأفراد. النظرية الليبرالية عند ديوي وعند رولز تركز دائما على أن عمل المؤسسة مرهون بإبقاء صورة أفرادها كفاعلين مباشرين. إذا استتر الأفراد الذين يعملون في المؤسسة باسمها واختفوا من الصورة فإن هذه المؤسسة قد خرجت عن كونها تعبيرا عن إرادة ورغبة الناس لتستقل بذاتها وتعمل بالاستقلال عن الناس وربما ضدهم. المؤسسة العادلة، كما تحضر في الفكر الليبرالي على الأقل عند ديوي ورولز، لا تتناقض مع العمل الفردي بقدر ما هو صورة عن الحالة الطبيعية للنشاط الفردي، وهي أنه يعمل دائما داخل شبكة اجتماعية أوسع وأكبر. أيضا سن، وهو ليبرالي آخر، لا أظنه يتخيل تحقيق حالة أكثر عدالة وأقل ظلما دون وضع المجهودات الفردية في عمل منظّم مؤسساتي.
لفهم الخلاف والاتفاق بين رولز وسن أكثر، برأيي أنه من المهم جدا وضع كل منهما في سياقه الاجتماعي والسياسي. اجتماع الاثنين في هارفرد لا يعني أنهما كانا يفكران في سياق ثقافي واحد. في المقالة القادمة سأحاول التفكير في هذه السياقات مع الأخذ بعين الاعتبار قرابة الأربعين سنة التي تفصل بين الكتابين وما حصل فيها من تغييرات على مستوى العالم ومفاهيم الناس للعدالة والخير والشر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.