إعلاميو «الأوفياء» يطمئنون على «فقندش»    أخبار وأسواق    90 مليار دولار إسهام "الطيران" في الاقتصاد السعودي    15 مليون دولار مكافأة لتفكيك شبكات المليشيا.. ضربات إسرائيل الجوية تعمق أزمة الحوثيين    نُذر حرب شاملة.. ودعوات دولية للتهدئة.. تصعيد خطير بين الهند وباكستان يهدد ب«كارثة نووية»    تصاعد وتيرة التصعيد العسكري.. الجيش السوداني يحبط هجوماً على أكبر قاعدة بحرية    كتوعة يحتفي بقدامى الأهلاويين    تعرف على تشكيل النصر المتوقع لمواجهة الاتحاد    نائب وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نائب وزير الخارجية الأمريكي    الزهراني يحتفل بزواج ابنه أنس    الظفيري يحصل على الدبلوم    الحداد يتماثل للشفاء    إبداعات السينما السعودية ترسو في المكسيك    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. وصول التوأم الملتصق الصومالي "رحمة ورملا" إلى الرياض    ألم الفقد    أميركا ضحية حروبها التجارية    "العميد" يجحفل النصر بهدف عوار    ليس حُلْمَاً.. بل واقعٌ يتحقَّق    الاقتصاد السعودي وتعزيز الثبات    بين السلاح والضمير السعودي    انخفاض معدل المواليد في اليابان    استخدام الأطفال المصاعد بمفردهم.. خطر    الرئيس السوري في فرنسا.. بحث إعادة الإعمار وآفاق التعاون الاقتصادي    وأخرى توثّق تاريخ الطب الشعبي في القصيم    مذكرة تفاهم لتفعيل قطاع التأمين الثقافي    "التراث" تشارك في "أسبوع الحرف بلندن 2025"    الرُّؤى والمتشهُّون    الريادة الخضراء    الرياض تتنفس صحة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى الأحد المقبل    نجاح فصل التوءم المصري.. والتوءم الصومالي يصل الرياض    أحمد الديين الشيوعي الأخير    همسة إلى لجنة الاستقطاب    الجوازات تسخّر إمكاناتها لضيوف الرحمن في بنغلاديش    إمارة الشرقية تنفّذ سلسلة ورش عمل لقياداتها    الخط السعودي في مدرجات الذهب.. حين يتجلّى الحرف هويةً ويهتف دعمًا    الأميرة دعاء نموذج لتفعيل اليوم العالمي للأسرة    تطوير قطاع الرعاية الجلدية وتوفير أنظمة دعم للمرضى    القبض على يمني بالعاصمة المقدسة لارتكابه عمليات نصب واحتيال    أسبوع القلعة مطرز بالذهب    نائب أمير الرياض يطلع على بصمة تفاؤل    حصيلة قتلى غزة في ارتفاع وسط أولوية الاحتلال للرهائن    تصعيد عسكري خطير بين الهند وباكستان بعد ضربات جوية متبادلة    الشيخ بندر المطيري يشكر القيادة بمناسبة ترقيته للمرتبة الخامسة عشرة    أمير منطقة تبوك يدشن مرحلة التشغيل الفعلي لمشروع النقل العام بالحافلات    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام للولايات المتحدة الأمريكية    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    الموافقة على استحداث عدد من البرامج الاكاديمية الجديدة بالجامعة    جراحة معقدة في "مستشفيات المانع" بالخبر تنقذ يد طفل من عجز دائم    أمير الجوف يواصل زياراته لمراكز محافظة صوير ويزور مركزي طلعة عمار وزلوم ويلتقي الأهالي    "زين السعودية" تحقق نمو في صافي أرباحها بنسبة 39.5% للربع الأول من العام 2025م    مؤتمر للأبحاث الصيدلانية والابتكار    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    هل الموسيقى رؤية بالقلب وسماع بالعين ؟    أزمة منتصف العمر    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    "صحي مكة" يقيم معرضاً توعويًا لخدمة الحجاج والمعتمرين    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخليج العربي: بين الطائفية والتوازن مع إيران

إذا كان خروج العراق من التوازنات الإقليمية، وسقوطه بين الاحتلال الأميركي والنفوذ الإيراني يضع على السعودية أولاً، ثم دول الخليج العربية، المسؤولية المباشرة لتحقيق التوازن مع إيران، فإن هذه مسؤولية كبيرة، ولأنها مسؤولية كبيرة، فهي تتجاوز، كما ذكرنا من قبل، معادلة التوازن العسكري وحسب. من ناحيتها تعتبر إيران، وضمن معادلة التوازن ذاتها، أن سقوط العراق تحت الاحتلال يمثل مكسباً سياسياً كبيراً لها، وبالتالي فهي معنية بالمحافظة على هذا المكسب بكل الوسائل.
من حق إيران كدولة أن تفكر على هذا النحو. لكن ما هو النموذج السياسي الذي تمثله، ويسمح لها بتحقيق مثل هذا الطموح، الجامح أحياناً؟ والسؤال الثاني يتعلق بماذا ستقابل دول مجلس التعاون مجتمعة، وفي مقدمها السعودية، هذا النموذج، وكيف ستحقق التوازن مع دولة ترى أن من حقها أن تكون هي المهيمنة في المنطقة؟ وهل تستطيع هذه الدول أن تحقق هذا التوازن بمعزل عن عمقها العربي؟ ما يفرض مثل هذه الأسئلة أننا أمام صراع سياسي بين قوتين إقليميتين. وفي هذا الصراع يلعب النموذج السياسي للدولة دوراً بارزاً.
تحتل مسألة النموذج السياسي الإيراني أولوية هامة، وهي أول ما يجب أن يحظى بالاهتمام. وذلك لأسباب عدة. أولها أن إيران تقدم نموذجاً دينياً فريداً للدولة، وله تأثيره على المنطقة. ثانياً، على رغم الأهمية والأولوية المباشرة للتوازن العسكري، إلا أن التأثير الأعمق والمقيم لمسألة التوازنات يعود على المدى الطويل الى العوامل الاقتصادية والسياسية والايديولوجية. أما السبب الثالث، وربما الأهم، فهو ما يحصل في بعض دول الخليج العربي، وبخاصة في البحرين والكويت، حيث يلاحظ في الآونة الأخيرة أن التوتر الطائفي في هذين البلدين أخذ يتصاعد في شكل لافت، ويفرض نفسه كتطور سياسي جديد، يبعث على القلق. مثل هذا التطور إذا تُرك سيؤثر سلباً على الجبهة الداخلية، وبالتالي قد يفت من عضد القدرة على تحقيق التوازن المنشود. الطائفية تعني شيئاً واحداً، وهو أن يفكر الفرد في نفسه وفي دوره، وفي علاقته مع الآخرين ومع الدولة، وبالتالي في مصالحه من خلال انتمائه وموقعه في الخريطة الطائفية للمجتمع. وهذا يتناقض تماماً مع مفهوم المواطنة الذي يعني أن يفكر الفرد في كل ذلك من خلال رؤيته لنفسه كإنسان أولاً، وكمواطن ثانياً، له حقوق إنسانية وسياسية، تحفظها له الدولة التي ينتمي إليها.
ماذا يعني ذلك؟ وماذا يقول عن الدولة في الخليج كنموذج مقابل للنموذج الإيراني؟ ثم ما علاقة ما يحدث في البحرين والكويت بالنموذج السياسي الإيراني؟ لنبدأ بالسؤال الثاني. عندما نتحدث عن إيران فنحن نتحدث عن نموذج سياسي تقابله نماذج أخرى: النموذج العربي، والتركي، والإسرائيلي. النموذج الأخير هو النموذج العدو، لكن هذه نماذج سياسية في حالة صراع وتفاعل على مستوى المنطقة، وعلى علاقة مباشرة بمصالح وقوى دولية. في حالة إيران نحن أمام أول دولة في التاريخ الإسلامي ترتكز إلى مفهوم «ولاية الفقيه»، وهي بذلك تنحاز إلى نموذج الدولة الدينية، انطلاقاً من هيمنة طبقة رجال الدين على الدولة، وقبل ذلك أن أعلى سلطة في هذه الدولة تعود دستورياً إلى الولي الفقيه، أو مرشد الثورة. وبما أنها دولة دينية، فهي دولة طائفية أيضاً، وهو ما يؤكده دستورها الذي يحصر الترشيح لمنصب رئيس الدولة، مثلاً، بالفرد الإيراني الذي ينتمي للمذهب الجعفري. لكن إيران في الوقت نفسه دولة تستند إلى تاريخ حضاري إمبريالي، وتستشعر مسؤولية المحافظة على مصالحها أولاً، وعلى هذه المكانة التاريخية التي ورثتها، والتي تتداخل مع هذه المصالح. في هذه الحالة، ليس غريباً أن تتداخل الأيديولوجيا الشيعية بكل مخزونها الثقافي والتاريخي، مع الإرث الحضاري الفارسي لتشكل الركيزة الأيديولوجية للدولة، لأن كليهما يشكل المكون الحضاري والوطني لإيران حالياً. من ناحية أخرى، وفي إطار التاريخ المعاصر حيث الدولة الوطنية هي المفهوم السائد، تعاني إيران من أنها تفتقد لعمق استراتيجي، جغرافي وبشري يمكنها الاستناد إليه. هي دولة محاطة بما تعتبرها دولاً مخاصمة أو منافسة لها. ومن هذه الزاوية تقدّر إيران حجم المكاسب السياسية التي حصلت عليها بعد سقوط العراق على يد الأميركيين.
مرة أخرى، ما علاقة ذلك بما يحدث في البحرين والكويت؟ بما أن الطائفية ليست طارئة، وأنها ظاهرة ثقافية وسياسية شاملة، ولها تاريخ طويل، يمكن القول بأن علاقة ما حصل في البحرين والكويت بإيران ليست علاقة سبب ونتيجة، وإنما علاقة تفاعل وتثاقف بين الداخل والخارج، في لحظة سياسية مفصلية وحرجة. الطائفية مكون أيديولوجي راسخ في الثقافة الدينية للمجتمعات العربية والإسلامية، ومن ثم فهي دائماً تنتظر العامل المحفز الذي يحرك مكامنها. قد يكون هذا العامل داخلياً، أو خارجياً، أو تضافراً بين الاثنين. في الحالة البحرينية والكويتية، وفي هذه اللحظة تحديداً، يلاحظ المراقب أن هناك تزامناً بين تصاعد التوتر الطائفي في هذين البلدين وبين توتر العلاقة بين إيران ودول المنطقة، على خلفية الوضع في العراق، والملف النووي الإيراني. في أيار (مايو) الماضي مثلاً، كشفت الكويت عن وجود شبكة تجسس مرتبطة ب «الحرس الثوري» الإيراني. وقبلها تحدثت البحرين عن شيء مماثل على أراضيها.
لكن ما يحصل في الكويت تحديداً مثير للدهشة. فهذه دولة دشنت تاريخها السياسي بعد الاستقلال بدستور كان حينها من أكثر النصوص استنارة وديموقراطية. وها هي الآن وبعد ما يقرب من نصف قرن على هذا التاريخ تعاني من القبلية والطائفية. بل وصل الأمر حداً أن الطائفية أخذت تتمأسس من خلال قيام مؤسسات مجتمع «مدني» وصحف ومحطات تلفزيونية، على أساس طائفي صرف ومعلن. لماذا سمح بذلك؟ كان لافتاً أن رئيس الوزراء بالنيابة ووزير الدفاع، الشيخ جابر المبارك، وفي إطار تحرك الحكومة لمنع التجمعات العامة والندوات المثيرة للنعرات الطائفية الأسبوع الماضي، وجد نفسه يقول كلاماً لم يُسمع من قبل. من ذلك قوله: «يجب ألا نسكت ونحن نرى وطننا يحترق»، مضيفاً أن «السكين وصلت إلى العظم، وعلينا التكاتف». رئيس الوزراء بالنيابة كان يقرع جرس الإنذار بصوت مرتفع، وبصراحة لافتة. أن يصل الأمر بالكويت إلى هذه الحال يعني شيئاً واحداً: وهو أن تجربتها السياسية والثقافية لنصف قرن لم تكن في العمق كما كان الأمر يبدو عليه. بل هي مهددة برياح الطائفية والقبلية. وهذا تطور يعني أن هذه التجربة تعاني من أخطاء وثغرات كبيرة: في التعليم، وفي الثقافة السياسية، والممارسة الانتخابية، وفي مسيرة التنمية التي واكبت التجربة السياسية.
تتصرف إيران كدولة وطنية تتبنى الأيديولوجيا الشيعية. ودول الخليج العربية، وغالبية الشعوب فيها، تعتبر نفسها سنية. من هنا يكون الطرفان (العربي والإيراني) يضعان على الطموح الإيراني في المنطقة قبعة شيعية. لماذا ليس العكس؟ لأن إيران هي التي تحاول التمدد إلى داخل العالم العربي، وليس العكس. الطموح الإيراني مؤشر آخر على حالة الضعف العربية، والسلوك العربي على الضفة الأخرى من الخليج شكل من أشكال مقاومة هذا الطموح. الإشكالية أن الفعل ورد الفعل في هذه الحالة، كلاهما ينطلق من منطلقات طائفية.
يمكن الاستنتاج من ذلك بأن على السعودية ودول الخليج العربي الأخرى أن تقدم على تطوير نموذجها السياسي بما يؤكد ليس فقط اختلافه، بل وتناقضه مع النموذج الإيراني. وهي الأكثر تأهلاً لتحقيق ذلك. هي دول سنية. هذا صحيح، لكنها ليست دولاً دينية، وبالتالي فهويتها السنية متعلقة أكثر من أي شيء آخر بالفقه والقانون. بعبارة أخرى، فكرة الدولة في دول مجلس التعاون هي فكرة قانونية، وحاجة سياسية أكثر منها مبدأ دينياً، والتزاماً عقدياً صارماً، كما هو الحال مع دولة «ولاية الفقيه» في إيران. ثم إن هذه الدول تتمتع بتاريخ طويل من الاستقرار السياسي، ومن التناسب مع تركيبة مجتمعاتها، وبمصادر مالية مريحة، وبالتالي تمتلك من المرونة، وتمتلك مساحة كافية تسمح لها بأن تذهب بعيداً في برامجها الإصلاحية. وأكثر ما ينبغي العناية به في هذا الإطار هو تحييد البعد الطائفي في علاقة الفرد بالدولة، لأن هذا عنصر أساسي في تأكيد الهوية الوطنية الجامعة للدولة.
الطموح الإيراني للهيمنة على المنطقة مرفوض ليس لأن إيران دولة شيعية. العراق أيام صدام حسين لم يكن دولة شيعية، ومع ذلك تمت مقاومة طموحه للهيمنة، على رغم أنه كان يمثل دولة سنية بالمعنى نفسه الذي تمثله الدولة في دول الخليج العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.