لا أكتمكم القول، قرائي الأعزاء، إذا قلت لكم إنني كنت قد توقعت اختفاء مثل هذه المقولة الاقصائية من مسرح حياتنا الاجتماعية وللأبد. ومرد توقعي هذا هو إيماني بأن هذه المقولة الاقصائية، بل الموغلة في الإقصاء، نتجت في وقت كانت حياتنا تعاني فيه من إصابتها بسرطانين ، وهما سرطان الجهل وسرطان الفقر. فسرطان الجهل جعل بعض فئات المجتمع لدينا تبغي على الأخرى، وكان من سوء طالع المرأة أنها إحدى هذه الفئات المتضررة. ومن هنا كان لزاماً على الرجل ولكي يحقق ذاته ويستشعر رجولته أن يعرف نفسه عن طريق المقارنة بالمرأة. فالرجل هو «من ليس بامرأة». ومن هنا كانت صفات الرجل في الطرح الذكوري هي تلك الصفات المضادة للمرأة. حيث تم ترحيل الصفات غير المرغوب فيها إلى المرأة. فإذا الرجل يفخر بالكرم فانه يختلف عن المرأة البخيلة. وإذا هو يتسم بالشجاعة ورجحان العقل فهو بلا شك لا يشبه المرأة « الجبانة» و»خفيفة العقل». وعلى هذا قس كل ما يخطر في بالك من الصفات. ولذلك فهذا رجل ليس امرأة «ولك الكرامة» . أما سرطان الفقر فقد حتم على الرجل الكد في بيئة قاسية من أجل لقمة العيش . ولم يكن للمرأة دور في هذه الحياة القاسية. ونظراً لان المنفق في أي عصر من العصور وأي حضارة من الحضارات هو صاحب الامتياز، جاء امتياز الرجل . أما المرأة ونظراً لأنها عديمة الجدوى ماديا فقد تم تهميشها. ونظراً لانتشار هذه المقولة وغيرها من المقولات السالبة لإنسانية المرأة في البيئات الجاهلة والفقيرة، فقد توقعت أن النهضة التعليمية في بلادنا من ناحية وتحسن المستوى المعيشي من ناحية أخرى كفيلان باندثار هذه المقولة. فالتعليم سيكون كفيلاً بتبيان موقف الإسلام من المرأة. حيث حفظ لها كرامتها ووجه لها الخطاب التكليفي أسوة بالرجل.كما أن المرأة اليوم بعد تعلمها أثبتت رجاحة عقلها وأصبحت من الداعمين اقتصادياً للأسرة. بل إن هناك من الأسر من تدير دفاتها نساء ويقمن بواجباتهن على أتم وجه. ولكن يبدو أن توقعي هذا كان من باب اليوتوبيا الأكاديمية. حيث كانت صدمتي كبيرة وأنا اسمع مقولة «امرأة ولك الكرامة»، وأين اسمعها! في الحرم الجامعي. حيث قال لي مستأذناً « اعذرني يادكتور أبي أروح أجيب بناتي ولك الكرامة من الكلية»! حينها أسقط في يدي. وعرفت أن التعليم والمستوى الاقتصادي الجيد لا يمكنهما تحرير الفكر إذا لم يكن لدى هذا الفكر نوع من الاستعداد للتطور وقابلية الحياة.