ألغت المحكمة الدستورية التركية اليوم الجمعة قرارات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بشأن القضاء الذي يهدف من وراءها الى تعزيز سيطرته على القضاة في أوج فضيحة فساد. وبعد أسبوع من أمرها رفع الحظر عن موقع تويتر، كررت أعلى سلطة قضائية في البلاد تحديها بإعلان السلطات الجديدة الممنوحة لوزير العدل على المجلس الأعلى للقضاة والمدعين وخصوصاً في مجال تعيين قضاة، مخالفة للدستور. ولجأ إلى المحكمة الدستورية نائب في أكبر أحزاب المعارضة اعترض بشدة على هذا الاصلاح الذي يشكل في نظره انتهاكا لمبدأ الفصل بين السلطات. وقال نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري سيزغين تارينكولو إن "هذا القانون يتضمن عدداً من العناصر المخالفة للدستور الى درجة إن أي قرار آخر للمحكمة كان سيثير الدهشة”، وأضاف النائب لوكالات الأنباء أن "المحكمة الدستورية باتت سلطة مضادة للنظام". من جهته، عبر وزير العدل بكر بوزداغ عن أسفه لإلغاء جزء من النص، وقال: إن "القانون كان مطابقا للدستور". لكنه أكد في الوقت نفسه أمام الصحافيين "سنلتزم بالتأكيد بهذا الحكم" الصادر عن المحكمة الدستورية. وكانت الحكومة التركية برئاسة رجب طيب اردوغان تقدمت بمشروع الاصلاح بعد الكشف في كانون الأول/ديسمبر عن فضيحة فساد لا سابق لها تطال العشرات من المقربين من اردوغان نفسه. وكان هذا الاصلاح يتيح لوزير العدل خصوصا ان يفرض برنامجه على المجلس الاعلى للقضاة والمدعين العامين وان يفتح تحقيقات حول اعضاء هذا المجلس وان تكون له الكلمة الحسم حول تعيين كبار القضاة. وأثار تبني الاصلاح جدلا كبيرا في البرلمان وصل إلى حد العراك بين نواب متنافسين خلال التئام المجلس، إذ رأت المعارضة فيه رغبة من حكومة اردوغان في الهيمنة على القضاء لخنق هذه الاتهامات. وإلى جانب هذا الاصلاح، أمر أردوغان بعملية تطهير لا سابق لها في الشرطة والقضاء بعد اتهامهما بالتآمر ضده مع حلفائه السابقين في جمعية فتح الله غولن الاسلامية. ووعد أردوغان الذي فاز حزبه في الانتخابات البلدية في 30 آذار/مارس بتصفية حساباته مع هذه الجمعية وبات يتطلع الى الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في آب/اغسطس المقبل. وحذر عدد كبير من حلفاء تركيا بدءاً بالاتحاد الاوروبي والولايات المتحدةأنقرة من أي توجه الى الاستبداد. لكن الحكومة لم تأبه لهذه الانتقادات وقام بوزداغ بتعيين مسؤولين في كل الجهاز القضائي. وقال تارينكولو: إن "هؤلاء القضاة يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم الأخلاقية ويستقيلوا فوراً لكن بوزداغ استبعد اليوم هذا الاحتمال. ويأتي قرار المحكمة الدستورية بعد تسعة ايام على قرار "سياسي جداً” فرض على الحكومة انهاء حظر موقع تويتر الذي عاقبته لكي يوقف بث اتصالات هاتفية حرجة على شبكات التواصل الاجتماعي. واثار القرار غضب اردوغان الذي اضطر للامتثال له لكنه عبر علنا عن كل ما يفكر به. وقال "علينا بالتأكيد تطبيق حكم المحكمة الدستورية لكنني لا احترمه". وانتقد رئيس المحكمة هاشم كيليج بسخرية رد فعل رئيس الوزراء، معتبرا انه "متهور". ويفترض ان تستمر المواجهة بين اعلى هيئة قضائية تركية واردوغان بما ان المحكمة ستنظر قريبا بحظر الحكومة موقع يوتيوب لتسجيلات الفيديو. وآخر الخطوات الجريئة التي اتخذتها المحكمة هي فتحها حسابا على موقع تويتر باسم "حرية التعبير" جمع 25 الف متابع خلال بضع ساعات. وكان موقع يوتيوب رفع الاثنين الماضي شكوى امام المحكمة العليا التركية طالبا رفع الحظر الذي فرضته عليها الحكومة في تركيا بعد بث تسجيلات حول سيناريو للتدخل العسكري في سوريا، وفق مصدر قريب من الملف. وعلى الرغم من قرارين للقضاء، اعلنت السلطات التركية مجددا الخميس انها مصممة على ابقاء الحظر على يوتيوب رغم قرار القضاء رفعه، وذلك طالما لم تسحب الشركة من التداول تسجيلات تعتبرها "غير قانونية". وقالت الهيئة التركية للتكنولوجيا والاعلام والاتصال في رسالة بثت على موقعها ان "القرار القاضي بتعطيل الوصول الى موقع يوتيوب دوت كوم على الانترنت سيبقى ساريا لان بعض المحتويات ما زالت تبث". ومن سخرية الأمر ان رئيس المحكمة وهو شخصية محافظة ومحترمة بسبب دفاعها عن الحريات، اعترض في 2008 على حل حزب اردوغان حزب العدالة والتنمية بسبب "نشاطاته المخالفة للعلمانية".