متى وردت كلمة «العراب» تصحو الذاكرة على وجه مارلون براندو بوصفه الدون كورليوني، حيث إنه ماثل في الذاكرة كما هو، وصالح للمحاكاة، وإن كانت النتيجة فيلماً لا ينتمي لا من قريب ولا من بعيد إلى «عراب» فرانسيس كوبولا، لا بل إن المسعى هو تقديم الكوميديا من خلال الاتكاء على العراب و«الدون» والمافيا وما إلى هنالك من عناصر أصبحت حاضرة في أفلام كثيرة متى كان الحديث عن العصابات المنظمة، ولعل هناك عشرات بل مئات الأفلام في هذا السياق. فيلم The last Godfather «العراب الأخير» المعروض حالياً في دور العرض المحلية، يأتي من ذلك الباب ليقدم مساحة من الضحك، وعلى شيء من الانحياز إلى هزلية مفتعلة ترتكز على عنوان الفيلم نفسه، فنحن ومن البداية أمام الدون كاريني (هارفي كيتيل) وهو يعلن نيته التقاعد والتخلي عن منصبه، وبالتالي تولي توني (مايكل روسيبلي) منصبه، الذي تربى كابن للدون، لكن سرعان ما يطالعنا كاريني بمفاجأة مفادها أن لديه ابناً وأنه ينوي توريثه هذا المنصب، ولد انجبته له امرأة تعرف إليها في كوريا، وعليه سنقع على يانغو (هيونغ شيم مخرج الفيلم أيضاً)، بحيث يشكل يانغو الرهان الكوميدي للفيلم عبر بلاهته وشراهته أولاً، ومن ثم كونه آسيوياً وليس إيطالياً، وقد نشأ وتربى في دار أيتام وهو لا يعرف شيئاً عن المافيا والأتاوات والعداوات، وغير ذلك من عتاد العصابات المنظمة. وعليه سنكون أمام سلسلة من المفارقات في هذا الخصوص، تعتمد على مواقف ومصادفات مثل أن يكون يانغو مخترع «البيغ ماك» إضافة إلى التنورة القصيرة، وغير ذلك مما سيطالعنا به وهو يتنقل من موقف إلى آخر، بما في ذلك وقوعه في حب نانسي ابنة العدو التاريخي لوالده، بما يمضي بالفيلم في مسار الحب المستحيل، حيث يكون هوس نانسي الرئيس متمثلاً في مساعدة الجمعيات الخيرية وعلى رأسها دار الأيتام، ومع ذلك تحضر أيضاً مجموعة من المواقف التي تتحقق شروطها الكوميدية تحت وطأة بلاهة يانغو، الذي يعيش مع نانسي حلم يقظة سرعان ما يتحقق. يانغو سيفعل كل شيء كما لو أنه لم يفعله، ستكون المصادفة هي الحكم، ويبقى والده منحازاً له لا لشيء إلا لكونه من لحمه ودمه، وبالتالي فإنه سيكون في حالة عمى مستفحلة أمام غباء ابنه المتأصل، وحين يفقد ايمانه بإمكانية أن يكون ابنه صالحاً لوراثته، تحدث مجموعة من المواقف التي تغيير ذلك، سواء بالمنجزات التي يحققها لسكان الحي من حيث لا يدري أو من خلال إنقاذه رجال المافيا بسلسلة من الحركات الخرقاء التي تفضي إلى نجاحه أيضاً في ذلك من دون أن يعرف إن كان ما فعله يصب في هذا الاتجاه. كل ما تقدم سيقودنا إلى أن نكون أمام فيلم رديء بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وعلى الرغم من رهاناته البسيطة فإنه سيفشل في كسبها، من دون أن يكون هذا الحكم قادماً من إخضاع الفيلم لشيء سوى قدرته على اجتراح الضحك، القدرة التي خانته دائماً بعيداً عن مسعاه لأن يصير الزعيم أو «الدون» بعد والده هو الذي نعرف من البداية بأنه سيفشل في ذلك وما نجاحاته من جراء المصادفات الكثيرة التي تحيط به إلا المساحة التي وجد فيها الفيلم كل رهانه على المواقف الطريفة التي ستكون تكراراً في سياق لا يحيد عنه الفيلم، هذا إن كانت رائحة حذائه الذي يستخدمه في انعاش من يغمى عليه أمراً مضحكاً، أو أن العد للخمسة كما في القسم الأخير من الفيلم وإطلاقه النار على فيني (جاسون ميوس) كلما وردت كلمة «خمسة» سيدفعنا إلى اعتبار الكوميديا شيئاً مثل هذا الفيلم.