الأمة العربية، عموما، متخلفة صناعية وعلميا وإداريا، لأسباب كثيرة، وليس أقلها القومية الرجعية المتخلفة التي اختطفت الفكر العربي لعقود طويلة وحولته إلى آلة إنتاج ببغية سيئة التفريخ والأداء وضيقة النظر. وزادت جروح المكلوم بلاءات. القومية هي انتماء فطري للإنسان، ويمكنها أن تكون دافعا للعطاء والبذل والتقدم والتنافس، لكن منظري القومية العربية في القرن الماضي، اختطفوا القومية وحولوها إلى أداة عدوان وتعزيز للطغاة، واستلاب فكري شامل للمجتمعات، لتتمحور حول رموز السلطة والحزبية العقيمة وتقديس رموزها، وحركة إلهاء واسعة الضجيج. وكي نعلم مدى ضلال القومية العربية الحديثة وانحرافها، فإن المنظرين قد حصروها، طوال النصف الأخير من القرن الماضي، في رموز السلطة في مصر والعراق وسوريا. بمعنى حولوها من قومية إلى مزرعة جغرافية للقداسات السلطوية. ليس ذلك فحسب، بل إنهم بعكس التنظير المدرسي والكتب، قد جعلوا القومية العربية حركة عنصرية، تمارس عدوانا اجتثاثيا صفيقا للقوميات الأخرى في الوطن العربي مثل الكرد والبربر والأمازيغ، وقوميات وقبائل وعرقيات أخرى. وحدث هذا لأن منظري القومية كانوا في الحقيقة منظري سلطة، فشكلوا القواعد لتعزيز رموز وأشخاص، حتى أن بعضهم ربط القومية ب«الرموز» الوطنية، وهذه سلوكية مصلحية حزبية وليست فكرا تنويريا. ونظرا لهذه الحالة البائسة فإن القومية العربية، بعكس المنطق والتاريخ والعقل، قد تولى التنظير لها «شعوبيون»..! والتعريف التاريخي للشعوبية هو«كره العرب»، وهي مرض يتلبس الشعوبيين منذ 1430 عاما، ولا يزال، أيضا، ينفث سمومه وفيروساته في شبكات التواصل الحديثة والصحافة وقنوات الستلايت. وعرفنا الشعوبيين وأحقادهم وعرفونا، لكن أن ينظر شعوبيون للقومية العربية، تلك حالة جنون لا تحدث إلا مرة واحدة في التاريخ، لهذا من المألوف أن القوميين العرب، إلا ما رحم ربك، يعادون مهد العروبة وحاضنتها وهويتها، وهي المملكة واليمن ودول الخليج. ويتوارثون هذا «الفيروس» كابرا عن كابر. ويؤلفون عن المملكة ودول الخليج الحكايات المهينة ويفبركون القصص للسخرية، وترويج الأباطيل، والاستخفاف بالعرب الأقحاح، بأساليب سطحية وممجوجة يعف الكرام عنها. وبذلك يثبت زيف ما يدعون، ويلاحظ أن هذا المرض يتلبس الذين يدعون القومية العربية لأسباب تنظيرية وحزبية أو أحيانا لأسباب «فضاوة فكرية». ومن الطبيعي أن ينفث الشعوبيون سمومهم، لكن أن يفعلوا هذا باسم القومية العربية، فتلك مسألة أخرى. وتر إذ تتلو أوراد المثاني والتنزيل الحكيم اغرس يديك في الثرى المبارك واملأ رئتيك برياح الشمال وعب بروحك الضياء وشموس البيد وانهض لأقمار العلا وذرى الشاهقات