خلال ما يقرب من الأربعين عاما كانت - وما زالت - مؤتمرات القمة لدول الخليج العربية، وما صاحبها من اجتماعات وزراء الخارجية، وكذلك اجتماعات الوزراء المختصين في مؤتمراتهم ذات العلاقة بوزاراتهم، أقول: كانت هذه المؤتمرات محط أنظار أبناء الخليج، كما كانت البيانات الصادرة في أعقاب هذه المؤتمرات إضاءات في طريق العمل الخليجي المشترك، الذي يكتنفه الكثير من الغموض أحيانا، والقليل من الوضوح أحيانا أخرى؛ نتيجة ما يحاك ضد دول الخليج العربية من مؤامرات إقليمية ودولية تبدو واضحة للعيان، لكن ما خفي منها أعظم، فإيران من جهة، ودول غربية وشرقية من جهة أخرى تأبى إلا العمل على زعزعة أمن المنطقة، رغم كل المبادرات الإنسانية والجادة التي يقدمها قادة دول الخليج العربية، لإقرار الأمن الإقليمي والسلام العالمي، وهي مبادرات لا تنبع من ضعف ولكنها تبع من رغبة صادقة في النأي عن الصراعات والحروب الطاحنة، والانصراف إلى البناء التنموي الشامل، انطلاقا من أن منظومة دول الخليج العربية هي جزء من هذا العالم، وجزء مؤثر في سير أحداثه السياسية والاقتصادية، ولم تعد مسألة استقرار وأمن هذا الجزء من العالم تدار بأيدي غير أبناء الخليج العربي، بدلا مما كانت تفرضه التبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية لدول كشفت عن وجوهها القبيحة في أكثر من موقف دولي، سعيا وراء مصالحها الخاصة التي لا تتورع في سبيل تحقيقها عن التضحية بحلفائها في المنطقة، مما يجعل كفة التوازن السياسي والاقتصادي والعسكري في المنطقة.. تميل لغير دول الخليج العربية، وهذا بالضرورة يحتم عليها استقلال قراراتها المصيرية بعيدا عن تلك التبعية. وفي ظل الظروف الحالية يطمح المواطنون في دول الخليج العربية، ومن منطلق ثقتهم بقياداتهم الحكيمة، أن يتحرك العمل الخليجي المشترك إلى الأمام بخطوات أكثر فاعلية وثقة بالقدرات والإمكانيات التي تختزنها هذه المنطقة من ثروات، أهمها ثروتها البشرية القادرة على قيادة سفينة التنمية إلى بر الأمان، ودون الحاجة للاستعانة ببيوت الخبرة الأجنبية، أو المؤسسات الاستشارية البعيدة في أهدافها عن تحقيق أي منجز حضاري في دول الخليج العربية. وهذا يعني بالضرورة تسريع الحراك الإصلاحي في هذه الدول، واتخاذ القرارات الحاسمة حيال الملفات العالقة، مما يتعلق بمصلحة المواطنين في دول الخليج العربية، وينسجم مع طموحات قيادات هذه الدول في الوصول بالعمل الخليجي المشترك إلى أقصى مدى من الفعالية، وتحقيق الأهداف، ومن ذلك: توحيد العملة بين هذه الدول، وتحقيق الهوية الواحدة لأبناء هذه الدول من خلال الجواز الموحد، وكذلك توحيد المناهج في التعليم العام، والتنسيق بين الجامعات في التعليم العالي، والتركيز على البحث العلمي، وإنعاش المؤسسات الثقافية في دول المجلس، وتسهيل التنقل بين هذه الدول بعد إلغاء كل ما يعيق هذا التنقل على مستوى الفرد وعلى مستوى التبادل التجاري والثقافي، بل وعلى كل المستويات ذات العلاقة بمصلحة أبناء هذه الدول شعوبا وحكومات، وفي ذلك كله دعم لكل القرارات الأمنية والعسكرية والاقتصادية التي سبق أن اتخذها قادة دول المجلس؛ لمجابهة التحديات الخارجية والداخلية التي تتعرض لها هذه الدول، ووصولا إلى اتحاد خليجي لا يزال هو الحلم الجميل الذي يداعب عقول وقلوب كل أبناء الخليج العربي، والذين تجمعهم عوامل مشتركة كثيرة، أهمها: الروابط الأسرية بين أبناء هذه الدول، حيث تتوزع العائلات نفسها في أكثر من دولة خليجية، وهذه الروابط قديمة قدم تاريخ هذه المنطقة الضارب في أعماق الماضي السحيق من هذا التاريخ المتوج دائما بالتعاون وبالمحبة وبالتسامح، قبل أن تتدخل الأيدي العابثة لتشويه هذا التعاون وهذه المحبة وذلك التسامح. منطقة الخليج العربية تعيش الآن ظروفا حرجة يعرفها قادة دول هذه المنطقة أكثر من غيرهم، وهي تقتضي قرارات حاسمة تهدف إلى التغلب على هذه الظروف، وتجاوز كل معوقات التنمية، للوصول إلى رفاهية المواطن، وتحقيق طموحاته التنموية على أيدي أبناء هذه الدول، القادرين بإذن الله على تحمل مسئولية الدفاع عن بلدانهم من أي اعتداء، وكذلك تحمل مسئولية البناء التنموي الشامل في هذه المنطقة، التي لا تريد سوى الحياة المستقرة والازدهار الدائم، والمشاركة في بناء حضارة هذا العالم، بعيدا عن موجات الفوضى والحروب والزوابع التخريبية التي تحيكها دول جبلت على الشر بجميع أنواعه وصنوفه. وقد آن الأوان لأن تقدم القمة الخليجية القادمة ما يحقق الطموحات في اتحاد خليجي كبير، بإذن الله.