فقدت أسعار النفط نحو 75% من قيمتها خلال عام ونصف، واعتبر "سي إن بي سي" الإجراءات التي تتخذها الدول النفطية وشركات الطاقة لمواجهة هذا التراجع بمثابة علامات مبكرة على "استسلام النفط"، وفي أسواق المال يشير مصطلح "الاستسلام" إلى توقف المستثمرين عن محاولات تعويض خسائرهم في سهم معين نتيجة استمرار تراجعه مما يدفعهم للتخلي عنه ببيعه، وهو ما يؤدي لزيادة حدة تراجعه. الدول السعودية تؤكد عدم خفض الإنتاج إلا بعد قيام كافة المنتجين الآخرين بذلك، إيران تصر على مواصلة الإنتاج حتى استعادة حصتها السوقية. روسيا تدرس خصخصة شركات رئيسة لخفض عجز الموازنة، ونيجيريا تسعى للحصول على قرض من البنك الدولي لتمويل عجز ب 11 مليار دولار بموازنتها. وزير النفط الفنزويلي يتنقل بين الدول لتنظيم اجتماع بين الأعضاء وغير الأعضاء ب "أوبك" للاتفاق على إستراتيجية موحدة لخفض الأسعار، وقطر قلصت الإنفاق العام بعد تسجيل أول عجز في الموازنة منذ 15 عاماً. قامت أبو ظبي وعمان والكويت جميعاً بخفض دعم الكهرباء، وأقرت أنجولا ثاني أكبر المنتجين في أفريقيا إجراءات تقشفية لمواجهة تراجع عائدات النفط. القطاع الخاص في القطاع الخاص فاجأت "كونوكوفيليبس" الأسواق مؤخراً بإعلانها خفض عائدات الأسهم الفصلية بمقدار الثلثين لتصبح أول شركة نفطية كبرى تقوم بذلك، كما ستخفض إنفاقها الرأسمالي ب 17% بعد تسجيل خسارة ب 3.5 مليار دولار. وأعلنت "بي بي" تسجيل خسارة ب 6.5 مليار دولار في عام 2015 أكبر خسارة سنوية في تاريخها، وتوقعت "كونتنينتال ريسورسيز" لاستخراج النفط الصخري خفض إنتاجها ب 10% هذا العام وتقليص استثماراتها. عائدات الأسهم النفطية كانت تعتبر تاريخياً مصدراً مستقراً للدخل، لكن خفض عائدات أسهم "كونوكوفيليبس" أدى لانقلاب هذا النموذج، وتوقع الخبراء قيام شركات أخرى بخطوات مماثلة. كما ان الشركات لن تستطيع دفع عائدات الأسهم المقررة سابقاً حتى لو ارتفعت الأسعار من 4050 دولار، وستشهد الفترة المقبلة العديد من عمليات الإفلاس وصفقات الاندماج بالقطاع لمقاومة انخفاض الأسعار لفترة طويلة. السعودية رمانة الميزان السعودية هي أكبر المصدرين ولديها مع باقي دول الخليج تكلفة أقل للإنتاج، وتستطيع التأثير على الأسواق بخفض الإنتاج، لكنها لا تعتزم ذلك منفردة. وكل هذه الضغوط لم تنجح في إقناع المنتجين بخفض المعروض في الأسواق، فالولايات المتحدة ما زالت تزيد حجم مخزوناتها بقوة، ولا يقل إنتاجها عن 9.2 برميل يومياً. روسيا أنتجت 10.9 مليون برميل يومياً الشهر الماضي وهو أعلى معدلات إنتاجها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وكذلك العراق الذي ارتفع إنتاجه إلى 4 ملايين برميل يومياً في يناير. توقعات خبراء "سيتي جروب" يرون أن الأسعار لامست أدنى مستوياتها بالفعل لكنها ستظل بين 20 -40 دولاراً لعدة أشهر قبل أن تبدأ في التعافي في النصف الثاني من العام، فالإنتاج الإيراني لم يأت بالقوة المتوقعة. وعلى المدى القصير قد تتدنى الأسعار ل27 دولاراً لخام برنت و26 دولاراً لخام غرب تكساس، ويرتبط مستوى ارتفاعها بحجم تراجع الإنتاج بالولايات المتحدة ونسبة الشركات المعرضة للإفلاس وحجم تراجع التمويل المصرفي للقطاع. وفي الوقت نفسه توقع بنك "كالين/فروست بانكرز" أن تلامس أسعار النفط مستوى 28 دولاراً للبرميل قبل أن تبدأ في التعافي من جديد، كما توقع أن تحوم الأسعار حول 40 دولاراً حتى عام 2020. كما أشار البنك إلى أن ديون شركات الطاقة تمثل 15% من إجمالي محفظة القروض لديه، ومن بينها 9.8% ديون متعثرة، وهو ما يبرز الوضع المالي المتعثر للشركات العاملة بالقطاع.