لن يؤدي رفع الدعم التدريجي (سواء على الوقود أو غيره)، إلا إلى زيادة في الكفاءة التشغيلية لمنشآت القطاع الخاص، كفاءة تؤدي -لا محالة- إلى مزيد من القدرة على المنافسة في عالم مليء بالخيارات المتاحة أمام المستهلك. التدرج في رفع الدعم؛ يعطي وقتا للقطاع الخاص على التأقلم مع المتغيرات، كما يعطي القطاع مهلة لزيادة الكفاءة من خلال القرارات التي تزيد من الكفاءة في خفض التكاليف، ويعطي مهلة لإعادة رسم إستراتيجياتها التسويقية والتشغيلية. التدرج في رفع الدعم، يعني عدم الإرباك، والحقيقة أن القطاع الخاص استفاد استفادة عظيمة من هذا الدعم، وحان وقت رفعه لتكون المنافسة والقدرة على التشغيل الكفء سيد الموقف وأساسه. نعم، هناك قطاعات لا يمكن خفض تكاليفها التشغيلية، ولكن بإمكان المنافسة من خلال تقديم منتج ذي جودة عالية يفضله المستهلك (المحلي أو الدولي) رغم ارتفاع ثمنه. ولنا في الميزان التجاري بين الصينوألمانيا نموذج يحتذى به في هذا السياق. فالصين استطاعت منافسة ألمانيا في تقديم منتج أقل تكلفة مما تنتجه ألمانيا، إلا أن المنتج الألماني صمد بل وازداد انتشارا في الصين ذاتها نتاج جودة عالية لا يمكن تجاهلها. وبالمثل سويسرا واليابان اللتان صمدت منتجاتهما كنتاج للجودة المتناهية، وليس كنتاج للمنافسة السعرية، جودة أصبح معها من العبث محاولة منافستها من قبل التكتلات التجارية والصناعية التي تعتمد على التكاليف المنخفضة. نملك في بلادنا ميزات اقتصادية نسبية، قل ما توجد في أماكن أخرى، فنحن دولة نفطية غنية ولله الحمد، وتم بناء بنية تحتية أساسية ممتازة للصناعات الثقيلة، حتى أصبحنا مصدرين لكثير من المنتجات المهمة والتي تدخل في الصناعات النفطية للدول النفطية الأخرى، منها على سبيل المثال: تصدير أنابيب نقل البترول والغاز. وما نطمح له التوسع في الصناعات التي تعتمد عليها شركات استخراج النفط والبترول :كالحفارات، وأدوات النقل، وغيرها. كما نطمح أن تتوسع بلادنا في صناعات نقل البترول والغاز: كالسفن العملاقة المستخدمة في هذا السياق، وقطع غيارها، وصيانتها، وما إلى ذلك. وبما أننا دولة تعتمد اعتمادا كبيرا على التحلية (بلادنا أكبر مستخدم لتقنية التحلية في العالم)، فمن المنطقي أن نكون من أهم الدول في العالم في صناعة وتطوير تقنيات التحلية، وعلى مستوى العالم. وهذا ليس بالأمر الصعب، فشبابنا وبناتنا يملكون من العزيمة والإصرار ما يؤهلهم لمثل هذا بل وأكبر، والعلوم ليست بالشيء الجديد علينا أبدا. ولعل الوقت قد حان إلى إلزام كافة الشركات المحلية (المليارية) ان تخصص جزءا ولو 1% للأبحاث المتخصصة في أساس منتجاتها التي تبيعها، وهذا -بلا شك- سيزيد من قدرتها على التنافس على المدى البعيد، وسيعزز من مكانة شركاتنا في العالم، لتصبح مصدرا للتقنية كما أنها مصدر للمنتجات. حان وقت قطاف ثمار الدعم الذي قدمته الدولة على مدار عشرات السنين الماضية لمنشآت القطاع الخاص، حتى أصبح -ولله الحمد- قادرا على الاعتماد على نفسة. وبطبيعة الحال سيكون هناك عدد لا بأس به من المنشآت التي لن تستطيع الوقوف والاعتماد على نفسها بلا دعم، إما لصغر حجمها أو لسوء إدارتها أو لغير ذلك من الأسباب، وهذا أمر طبيعي، ومصير هذه الشركات إما أن يتم الاستحواذ عليها أو الإفلاس، وهذا أمر طبيعي يجب ألا نتحسس منه، ويجب أن نتوقعه، كما ويجب أن نكون صادقين مع أنفسنا، فلا حاجة لنا لمنشآت لا يمكن أن تقوم إلا بدعم، فمثل هذه المنشآت لا يمكن لها المنافسة ولا يمكن لها الصمود. فنحن في عالم مليء بالمتغيرات وحان وقت إثبات قدرتنا على التغيير لا التغير.