أعلن معالي وزير الخدمة المدنية خالد العرج عن موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود- حفظه الله- على إطلاق «برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية»، والهدف من هذا البرنامج هو رفع جودة أداء الموظف الحكومي وإنتاجيته في العمل وتطوير بيئة العمل ووضع سياسات وإجراءات واضحة لتطبيق مفهوم الموارد البشرية وإعداد وبناء القادة من الصف الثاني. في أي منظمة لا يمكن أن يكون رأسها سواء كان مديراً أو رئيساً أو وزيراً هو المفتاح الوحيد لنجاحها وتحقيق الأهداف أو تطوير تلك المنظمة، وأثبتت العديد من الدراسات والتجارب على أرض الواقع أن نجاح أي منظمة يتعلق دائماً بنجاح الصفين الثاني والثالث فيها، وبحكم اختصاصي في مجال الموارد البشرية، أرى أن منهجية معالي وزير الخدمة المدنية هي تغيير المفهوم العقيم للدور الحقيقي لتطبيق ممارسات الموارد البشرية في الأجهزة الحكومية، وتغيير هذا المفهوم الذي طال انتظاره ليس بالأمر السهل خصوصاً أن الموارد البشرية ثقافة تأخرنا كثيراً في إعطائها أهمية للمشاركة في قرارات الأعمال، ودور قسم الموارد البشرية في الجهات الحكومية كان محدوداً جداً ويمكن وصفه بدور روتيني لعمليات شؤون الموظفين لا أكثر. آلية البرنامج تطبيق برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية سيتم خلال الفترة الأولى بشكل تدريجي لمدة عام اعتباراً من 1/1/1437ه، وسيقتصر التطبيق خلال هذه الفترة على وزارات محددة (العدل، والشؤون الاجتماعية، والزراعة، والنقل، والاتصالات وتقنية المعلومات، والخارجية، والثقافة والإعلام). ومن خلال البرنامج ستتولى وزارة الخدمة المدنية التنسيق مع الوزارات المستهدفة بالتطبيق خلال المرحلة الأولى ووضع ما يلزم من إجراءات تنفيذية لتحقيق أهداف البرنامج مع مراعاة تطبيق ما يلي: 1) أن تقوم وزارة الخدمة المدنية بإبرام مذكرة تفاهم مع الوزارة المستهدفة في التطبيق، تتضمن معايير وآليات تنفيذ البرنامج. 2) أن يكون اختيار مدير عام إدارة الموارد البشرية وأخصائيي الموارد البشرية في كل وزارة من الوزارات المستهدفة بالاتفاق بين الوزارة المعنية ووزارة الخدمة المدنية. 3) أن يرتبط مدير عام إدارة الموارد البشرية في كل وزارة من الوزارات المستهدفة مباشرة بالوزير. 4) ألا يترتب على ما سيتم وضعه من معايير وآليات وإجراءات لتنفيذ البرنامج الإضرار بموظفي الوزارات المستهدفة بالتطبيق. الوضع الحالي للموارد البشرية في القطاع الحكومي: في القطاع الحكومي نجد أن تطوير الكوادر البشرية ضعيف جداً، فتحركات الصفوف الثانية والثالثة والرابعة يكون أشبه بالمستحيل لأسباب عديدة، من أهمها عدم الجاهزية للترقيات والانتقال إلى مناصب أعلى أو بشكل أفقي في الهيكل التنظيمي للجهة الحكومية، وهذا الواقع يعكس دورا كبيرا في عدم وجود تطوير حقيقي في الجهات الحكومية بسبب غياب الدور الفعلي لشاغلي تلك الصفوف، وذلك يؤدي إلى قتل الإبداع في الصفوف التالية مما ينعكس على جودة الخدمات المقدمة للمستفيدين. ينظر بعض الموظفين في القطاع الحكومي لوظيفته على أنها تشريف وليس تكليفا، وهذه النظرة لن تتغير حتى يكون لدينا أساس قوي لمفهوم «الموارد البشرية»، وبداية هذا الأساس هو التعريف الواضح للوظيفة وتحديد مهامها واختيار الشخص الصحيح لشغلها، ووفقاً لنتيجة سابقة لإحدى دراسات وزارة الاقتصاد والتخطيط تبين أن هناك ضعفاً في إنتاجية الموظف الحكومي والتي لا تتعدى ساعة واحدة باليوم، وهذا المؤشر سلبي جداً ودليل أن هناك خللاً كبيراً في أداء موظفي القطاع الحكومي لخدمة المستفيدين. ناتج تلك الدراسة هو «معدل» وليس عاما على جميع موظفي القطاع الحكومي حتى لا نهضم حق العديد من موظفي القطاع الحكومي الذين أثبتوا عكس هذه النتيجة في خدمة موظفيها للمستفيدين، ولو تعمقنا في ناتج تلك الدراسة فسنجد أن هناك هدراً للمال العام بسبب الضعف الإداري الكبير، ويتبين من ذلك أن الدولة تدفع نظير إنتاجية 12.5% فقط من ساعات العمل الحكومي، و87.5% من ساعات العمل في القطاع الحكومي يتم دفعها دون أي إنتاجية تذكر. تحديات البرنامج وفقاً لدراسة لإحدى الشركات العالمية المتخصصة في استشارات الموارد البشرية، تبين أن المنظمات في الشرق الأوسط تفشل في إعداد المهنيين بالمهارات اللازمة لتولي مناصب قيادية، وأن المنظمات في المنطقة تكافح من أجل إبراز قادة المستقبل، ولكنها تفتقر إلى تحديد المواهب القوية الوطنية لعملية التعاقب القيادي، وكشفت الدراسة أن 62% من كبار المسؤولين التنفيذيين يقضون 10% أو أقل من وقتهم في تطوير القيادات الحالية والمستقبلية، ولذلك تطبيق البرنامج بشكل تدريجي على الوزارت يعتبر هو الخيار الأنسب لمعرفة أهم التحديات التي قد يواجهها البرنامج. من أهم التحديات التي ستواجه تطبيق هذا البرنامج هو الشح في وجود كوادر مؤهلة ومتخصصة في الموارد البشرية بناءً على سلم الأجور الحالي في القطاع الحكومي، ومن خلال اطلاعي على المتغيرات العديدة التي طرأت على سوق العمل خلال الأربع سنوات الماضية تبين لي أن وظائف تخصص الموارد البشرية كان لها النصيب الأكبر في ارتفاع أجورها بسبب الطلب المرتفع عليها في ظل الشح في وجود متخصصين محليين في هذا المجال، ومن التحديات الأخرى التي ستواجه تطبيق هذا البرنامج هو مسألة تقبل هذا التغيير الجذري خصوصاً لدى أصحاب المدرسة القديمة في الإدارة، وأيضاً سيشكل الانتشار الواسع لفروع الوزارات الحكومية تحديا في تطبيق هذا البرنامج بالسهولة التي يتخيلها البعض. مقترحات لنجاح البرنامج أساس نجاح قسم الموارد البشرية في أي منظمة يبدأ من عمليات التوظيف والاختيار الصحيح للمرشحين، وذلك يتم بوجود وصف وظيفي واضح وشامل ومُحدَث بشكل دوري «كل ثلاث سنوات» لجميع الوظائف الموجودة في الهيكل التنظيمي لأي منظمة، فالوصف الوظيفي يعتبر هو الأساس لتحديد القيمة النسبية للوظائف داخل أي منظمة، ويساعد في عملية قياس قدرات الموظفين لتحقيق متطلبات العمل بالشكل المطلوب، وهو الأساس في تحديد الأجور لتلك الوظائف، والعامل الرئيسي في تطوير الموظفين من خلال تحديد الاحتياجات التدريبية لتطوير العمل داخل أي منظمة حتى يكون هناك مسار مهني واضح عند الترقيات أو التكليف في إدارة عمل معين. البداية يجب أن تكون بإعادة النظر في الهيكل التنظيمي الحالي للوزارات، ووجهة نظري الشخصية بأن يكون هناك نموذج مثالي للهيكل التنظيمي للوزارت الحكومية، وذلك بإنشاء مجلس استشاري في كل وزارة يتكون من كفاءات متنوعة (معمرة في الجهة الحكومية وشابة)، إضافة إلى تشكيل فئتين من الصف الثاني لقيادة الجهة الحكومية في المستقبل القريب وعند حدوث أي طارئ (لا قدر الله)، وتتكون أولى تلك الفئات من عدد من المرشحين يتم تهيئتهم لقيادة أي منصب قيادي في أي وقت خلال فترة من سنتين إلى أربع سنوات، والفئة الثانية تتكون من مرشحين يتم تهيئتهم لقيادة المناصب العليا في الجهة الحكومية خلال فترة من أربع الى ثماني سنوات، وأرى ألا يتم التجديد لأي وزير بعد دورتين متتاليتين ويتم انتقاله إلى المجلس الاستشاري الذي تم تشكيله في الجهة باستثناء الجهات الحساسة. ولتطبيق برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية بالشكل المأمول منه، يجب أن يكون هناك تطبيق فعلي لممارسات موارد بشرية بالشكل المتكامل، ويمكن تلخيص تلك الممارسات على النحو التالي: * وجود وصف وظيفي متكامل لجميع الوظائف. * إنشاء دليل تصنيف للكفاءات اللازمة. * أهمية وجود برنامج تعريفي للموظفين حديثي التعيين. * استحداث برنامج تدرج وظيفي لحديثي التخرج. * استحداث برنامج تدريب للقادة. * انشاء تقويم سنوي للتدريب الداخلي يتكون من عدة دورات، على أن يتم إلزام الموظف بالتسجيل في عدد معين من الدورات كحد أدنى سنوياً. * إنشاء نظام تقييم أداء مطور وربطه بمؤشرات أداء واضحة للموظف. * إنشاء سياسة للتعاقب الوظيفي لتحديد الخلفاء المحتملين لقيادة المناصب العليا في الجهة الحكومية. إضافة لذلك هناك مقومات يجب التركيز عليها لنجاح هذا البرنامج، ويمكن تلخيصها بالنقاط التالية: * تشكيل لجان في المناطق الرئيسية للمملكة تتكون من كفاءات محلية مختصة في الموارد البشرية لمتابعة تطبيق البرنامج. * إعداد برنامج تدريبي مختص في الموارد البشرية لجميع رؤساء الأقسام الأخرى، مما يساهم في تعزيز ثقافة الموارد البشرية لديهم خصوصاً في التعامل مع الموظفين تحت إدارتهم. * العمل على تقسيم المصادر الفعلية للتطوير والمعرفة بعد تحليل وتحديد الاحتياجات التدريبية للموظفين، وأفضل الممارسات في ذلك هو نموذج «70:20:10» والذي يقوم على تقسيم المصادر الفعلية للتطوير والمعرفة خلال المسيرة المهنية إلى ثلاثة أقسام على النحو التالي: القسم الأول ويشمل «70%» ويكون مصدر التطوير والمعرفة فيه خلال العمل ويتضمن التعلم عن طريق تحديات العمل والممارسة من خلال التنقل بين الأقسام وقرارات الانتداب، والقسم الثاني يشمل «20%» ويأتي من تطوير العلاقات والاستفادة من المصادر كالاحتكاك اليومي بزملاء العمل وخصوصاً المدراء بالإضافة إلى الاستفادة من المصادر الأخرى كالكتب والمقالات والبرامج في نفس تخصص العمل، أما القسم الأخير والذي يشمل «10%» فيأتي من الاستفادة من التدريب والدورات المنهجية مثل ورش العمل والندوات ودورات التدريب القصيرة. * اعتماد مؤشرات أداء لقياس أداء كل موظف يرأس أو يشرف على موظفين وربطها مع التقييم السنوي لهم. * إقامة ورش عمل مختصة بتطوير إستراتيجيات الموارد البشرية بشكل دوري وفي جميع المدن الرئيسية بالمملكة. * إنشاء موقع إلكتروني مختص في نشر ثقافة الموارد البشرية ومناقشة أهم الممارسات المتعلقة بذلك. * اعتماد جائزة سنوية لأفضل مختصي الموارد البشرية في القطاع الحكومي للجنسين بشكل سنوي ونقل تجاربهم لأكبر شريحة ممكنة. تساؤلات حول مستقبل البرنامج المرحلة القادمة يجب أن تكون بدايتها بانتشال بقايا التفكير الإداري القديم والذي يهتم بمبدأ «القادة والأتباع»، ثم العمل على توليد الفكر الجديد والذي يهتم ب «التطوير والإبداع»، وقرار إطلاق برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية توافقاً مع إنشاء المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة الحكومية سيكون له تأثير كبير في قياس العديد من مؤشرات التنافسية عالمياً، فمكانة المملكة على الساحة الدولية تستدعي التحرك العاجل لتحسين مؤشرات المملكة التنافسية في عدة مجالات، وإضافة لذلك ما زلت أرى أننا في الوقت الحالي نحتاج لتخفيض سن التقاعد أكثر من أي وقت مضى لتجديد الدماء ومنح فرص أوسع للقيادات الشابة لتحقيق رؤية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بتحويل العمل الحكومي إلى عمل مؤسسي لا تقل جودته عن أفضل الممارسات عالمياً، ومن المهم ايضاً استحداث وظيفة للابتكار في كل جهة حكومية مما سينعكس إيجابياً على خلق مجتمع ابتكاري منافس. أساس نجاح الموارد البشرية يبدأ من عمليات التوظيف والاختيار الصحيح للمرشحين