كانت صدمة قوية حينما عادت أزمة جدة مع الأمطار من جديد بكارثة، وإن لم تكن -ولله الحمد- كما سابقتها التي ما زالت مستقرة في الذهن، تلك التي هزت الوجدان من جراء فساد وإهمال ظاهرين، ومعها نتذكر الألم مع هذه المدينة الحالمة من أهوال و"سوء دبرة" عبر عقود جعلت منها محل كوارث أودت بحياة كثير من البشر. يبدو أننا تعودنا على الانتظار وليس للبلاد والعباد إلا تجرع الصبر. لنقرأ في أوراق عروس البحر الأحمر فبعد انقضاء ستة أعوام على كارثتها والرائحة النتنة التي ظهرت أثنائها ووسط ألمها، وخلال ومع لجنة تقصي الحقائق التي تشكلت، تمنينا أن يتم اطلاع الجميع على تفاصيل الكارثة والمتسببين فيها، وُعدنا أن ترفع الأوراق ويتم كشف المستور، انتظر الناس كثيرا وما زالوا وألم جدة يسكن في قلوب الجميع، وهم يرددون هل هدأت المسألة هل تم عقاب المتسببين؟ فالقضية وطنية مجتمعية تشمل أهل هذه البلاد جميعا وليست خاصة بقاض أو سجان.. بعد أن تجف الأقلام يغلق المحضر ويُحفظ الملف، كلنا ننتظر ونترقب ما آل إليه الأمر، افتونا، فلقد وعدتمونا أن تعلنوا؟!. تفاءلنا كثيرا في ظل أن بيانا صارما وقويا أتى بعد الكارثة الأولى مباشرة، ومنه وفيه كان هناك لجنة عليا للتحقيق وتقصي الحقائق؛ لمعاقبة كل مسؤول عن الفساد، ووعود موثقة بكشفهم للرأي العام، لكن ها هي السنون تمضي، لتأتي الأخبار متواترة مبهمة، وليعود تساؤلنا أشد قسوة وألما بعد كل كارثة عنوانه أننا لن ننسى، فأخبرونا من الذي أوجع جدة حين تلك الكارثة من تسبب بها، وأين هم، نتطلع الى ان نأخذهم في فكرنا على أقله لنرميهم في مزبلة التاريخ، نريدهم عبرة لمن يعتبر. هل عصيت المسألة على التحقيق لتحتاج إلى وقت أطول، أم أن الأمر أوكل للقضاء والقدر وأمر رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله.. ومع إيماننا إلا أننا جميعا عرفنا أن الأمر نتاج فساد، وأخبار التحقيقات من المحاكم أكدت ذلك.. وإعلامنا كشف كثيرا منه، لكنه لم يسمِ احتراما للتحقيق، الآن ماذا تم في هذا التحقيق، ومن هم العابثون؟!. أسئلتنا كثيرة لكن نتمنى أن تكون لها اجابات، لأجل بلادنا وأهلها؛ لأن الإعلان سيكون سبيلا لمنع اضرار أخرى مستقبلية. خشية التشهير بمرتكبيها وأعمالهم الفاسدة، وعلى أقله ان ما أصاب المساكين المتضررين والمتوفين والبلاد والعباد من هول الكارثة وألمها الذي لم ينته إلى الآن، سيكون له صدى لدى الناس بالشعور أن حقهم تم انتزاعه من الفاسدين، يريدون ذلك حتى لو تم العقاب واستخلصت الحقوق. لن ننفك من التفاؤل بأن الاجابات على تساؤلاتنا قريبة، وما نتمناه أكثر أننا نريد أن تطوى ملفات عالقة كثيرة، لأن كل مصيبة جديدة تتلقفها بلادنا تذكرنا بالمأساة الأكبر وتعيدها إلى مخيلتنا.