تعقد القمة السعودية- الأمريكية في ظروف استثنائية، وإن كانت تعقد بين حليفين، فالتحالفات السياسية تقوم على مصالح ولا تتطلب تطابقاً في القيم، هكذا يقول لنا التاريخ. والمصالح تتبدل وتتحول وهكذا التحالفات، لتبقى بُوصلتها متجهة نحو ما يقويها. سبعون عاماً من التحالف السعودي-الأمريكي، شهدت انفراجات وأزمات، لكنها لم تشهد قطيعة قط. التحدي الأبرز لزرقة السماء بين البلدين كانت القضية الفلسطينية. أما بعد احتلال العراق ثم بعد نشوب نار «الربيع العربي» في المنطقة العربية، ولاسيما البلدان المجاورة فقد أخذت العلاقة منعطفات، وشهدت أكبر تحدياتها بعد توصل الولاياتالمتحدة والقوى الكبرى للاتفاق النووي مع إيران. وفي حرب اليمن الدائرة على حدودنا الجنوبية اقتصرت مساهمة واشنطن على دعم لوجستي، ليبقى الجهد الأكبر ملقى على كاهل التحالف العربي ولاسيما المملكة. وليس اتفاق النووي الإيراني أول التباين بين الدولتين، إذ يبرز العراق ولا يغيب. فمنذ أن احتلت أمريكاالعراق إلى أن غادرته، تعزز المدّ الطائفي، بعد أن أعاد بريمر «تنشيط» سوسة الانقسام بين أهل العراق، فذكرهم –من جديد- بالمحاصصة، ولا أقول بالطائفية، ليشعل في وجدان العديد من الساسة الطامحين مآثر الاستناد للطائفة وللعرق ليحققوا أمجاداً سياسية، وهذا ما كان، فانكفأ العراق، واتضح ضعفه جلياً عندما اكتسحت «داعش» محافظاته واستولت على الموصل إحدى مدن العراق الرئيسية. وها هو العراق يعيش بداية الأعراض الانسحابية للتخلص من المحاصصة السياسية والانفكاك منها إلى تأمين ضرورات الحياة لمواطنيه بعد أن خرجت زرافات منهم فيما يمكن تسميته، بالحد الأدنى، بانتفاضة الكهرباء. وعلى الرغم من سخونة الملفات المتقدمة وعمقها الاستراتيجي، فكثير سواها يمكن أن يدور في واشنطن بين السعوديين والأمريكان، فالتقاطعات لا تحصى، والاتفاق على الملفات ليس كاملاً. وعوداً على التحالفات وحديث القوة والمصالح، فقد كان البيت الأبيض واضحاً في ترحيبه بالملك سلمان بن عبدالعزيز، ليس فحسب لاعتبارات دبلوماسية التي تستوجب الاحتفاء المضيف بضيفه، بل كذلك للملفات المعقدة والمصالح المتشابكة التي تهم الطرفين، وللتأثير الوازن الذي للمملكة فيها. ولردح من الزمن كان –في نظر البعض- أن ما يجمع البلدين هو النفط، لكن يعلم المتابعون للعلاقة التاريخية بين البلدين ان النفط مرتكز من مرتكزات عدة، نعم كان ولا يزال بالغ الأهمية، ليس فقط لتلبية الاحتياجات الأمريكية كما كان الأمر تقليدياً، بل كذلك باعتبار التأثير العالمي للبلدين في مجال الطاقة، واهتمام الأمريكان من إبقاء حوار الطاقة وتحديداً النفطية مفتوحاً مع المملكة. وحتى في مجال النفط، فالتقاطع والاهتمام الأمريكي لم يمنع المملكة يوماً من عدم انتهاج ما تراه أنه يخدم مصلحتها، ليس تنطعاً بل توظيفاً لاستقلاليتها والتزاماتها الوطنية والإقليمية، ولعل أبرز الشواهد هو ما انتهجته المملكة من الامتناع عن تصدير النفط تضامناً مع الجهد العربي في حرب 1973. وفي الحال معاش، فلم يمنع ابتهاج الولاياتالمتحدة بتعاظم انتاجها من النفط الصخري، المملكة من انتهاج سياسة «الحفاظ على الحصة السوقية»، أو حتى في أخذ المملكة لزمام المبادرة لبناء نسق مَصلحي مع روسيا، المنافس اللدود للولايات المتحدةالأمريكية. وهكذا، يمكننا القول إن التقارب والتباعد بين الدول تفرضه المصالح، والمصالح لا تنحصر بالشق الاقتصادي، وعليه فلا يمكن أن تحكمها وتقولبها سلعة واحدة مهما كانت أهميتها الاستراتيجية. والولاياتالمتحدةالأمريكية تدرك أن تأثير المملكة يتجاوز النفط والتجارة البينية والاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية، إلى أن المملكة دولة إقليمية لا تعيش لذاتها بل لها مصالح في اقليمها المحيط وفي نطاقها العربي والإسلامي، يضاف إلى ذلك ما تتمتع به من علاقات مميزة مع معظم دول العالم وتربطها بها شبكة مصالح. ويدرك الجميع أن للمملكة طموحات اقتصادية عالية، بينتها الخطط التنموية والاستراتيجيات المتعددة التي تتناول القضايا الأكثر أهمية وحساسية مثل استراتيجية الشباب واستراتيجية التوظيف بما في ذلك اتاحة المزيد من الفرص لعمل المرأة السعودية، واستراتيجية التحول لمجتمع معرفي. وهذه الجهود تعاني من عدم إنجازها بالسرعة الكافية، بما يترك الباب مشرعاً أمام تحديات ليس أقلها البطالة. كما أن المملكة، من خلال عضويتها في مجموعة العشرين، تسعى لسد الفجوة التنموية بما يمكنها من تنويع اقتصادها ليصبح متعدد المصادر يعتمد على الإنتاج أكثر من اعتماده على ريع النفط. وهي تدرك كذلك أن التنمية ضرورية لكنها ليست كافية بمفردها لتحقيق التطلعات، إذ لابد من تحقيق معدل نمو للاقتصاد لا يقل عن النمو في النمو السكاني، لا أن يكون ذلك النمو رهينة بنمو وتقلص قطاع النفط. وقبل ذلك، هي تدرك أن التطلعات لن تتحقق حقيقةً إلا بأيدي وعقول أبنائها وبناتها وبمبادراتهم الريادية ومشاركتهم المجتمعية والسياسية، ولذا فعشرات الآلاف منهم يدرسون في بلدان العالم ومنها الولاياتالمتحدةالأمريكية ليتهيؤوا لممارسة أدوارهم في بلدٍ يطمح ليحقق الكثير في دوائر تأثير متداخلة وطنياً وعربياً واقليمياً واسلامياً وعالمياً. وهكذا تُعقد القمة وكل هذه الملفات حاضرة إن لم يكُ لها موقع على الأجندة ففي أجواء القمة ودهاليزها.