يتعرض مصطلح "قمة" للظلم كثيرًا وهو يستخدم على نطاق واسع وأوسع من طموحات المتابعين والمراقبين. ويتعرض المصطلح ذاته للانتهاك كلما تم استعماله كثيرًا بمناسبة أحيانًا ودون مناسبة أحيانًا أخرى حتى كاد أن يفرّغ تمامًا من معناه ومنظره وقيمته!. في ضوء ذلك، وبوضوح نقول: إن قمة الجمعة في الرياض كانت بحق هي القمة.. ليس لحجم الدولتين المملكة والولاياتالمتحدة وأهميتهما، وليس لحجم التبادل التجاري والتعاون العسكري فقط، وإنما لأنها بالفعل القمة العربية الأمريكية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ. صحيح أن العلاقات السعودية الأمريكية تعرّضت لعوامل مناخية سياسية كان لها وما يزال أثر كبير، وصحيح أن ثمة قلق متبادل بين الدولتين الكبيرتين بالفعل، لكن الأصح أن القمة جاءت هذه المرة لحسم قضايا عربية ودولية أكثر من أن تُعد!. ولأنها قمة كبرى، فإن المراقبين بل المواطنين في سوريا ومصر ولبنانوالعراق وإيران ربما كانوا أكثر حرصًا على المتابعة، وأكثر دأبًا على السؤال والاستفسار، لاعتبارات كذلك أكثر من أن تُعد!. وبادئ ذي بدء أقول: إن المراقب بل المواطن السعودي يدرك طوال الوقت أن بلاده باتت بالفعل محورًا أساسيًا في كل إجراء دولي، فضلًا عن أن علاقتها بأمريكا مؤسسة على أرضية صلبة من التعاون المشترك.. ومن ثم فإن أي تغييرات مناخية طارئة سرعان ما تزول لتعود الأجواء مستقرة وممهدة لمزيد من التقدم للأمام. وعلى العكس من ذلك، وفي ضوء التغييرات العاصفة في معظم الدول العربية؛ فإن المواطن العربي في سوريا أو في لبنان أو في مصر أو في ليبيا أو في العراق أو في الصومال أو في اليمن تنتابه نوبات بل موجات متلاحقة من القلق على مصير بلاده؛ التي تشترك في تحديده الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي إن صح بقاء التسمية بهذا الاسم!. يأتي أوباما ويغادر الرياض مكتفيًا بالعبارات الدبلوماسية المعتادة، ويصدر البيان المشترك مؤكدًا ومشددًا ومنوهًا ومحذرًا، لكن القمة السعودية الأمريكية تظل علامة فارقة على معظم الأصعدة العربية والدولية. لقد جاء أوباما بالتأكيد إلى الرياض حاملًا أجندته ورؤيته لملفات عربية ملتهبة، لكن بالتأكيد سيعود برؤية سعودية للملفات ذاتها! وتلك طبيعة الأشياء.. لكن الشيء المؤكد أن القمة التي ستُؤكّد اليوم استمرار الشراكة الاستراتيجية ستظل حديث العالم كله طوال هذا الأسبوع، وستُحمل عليها بقصد أو دون قصد أي تحركات عسكرية أو سياسية في كل الدول العربية ذات العلاقات المباشرة بالملفات الساخنة!. فإذا أضفنا إلى ذلك ملف الخلافات القطري الخليجي -إن صح التعبير- وملف الصراع العربي الإسرائيلي -إن صح أيضًا- تصبح القمة حديث العالم كله انتظارًا لما قد تسفر عنه في إعادة ترتيب أوراق عربية بعثرتها رياح الربيع العربي حتى حوّلتها إلى حمم في وجه الشعوب. لقد سبقت القمة أحاديث كثيرة عن "الاستقبال الخشن"، وعن "تحويل المسار الأمريكي"، وعن التحولات الأمريكية الطارئة، وغير ذلك من مصطلحات تبتعد أحيانًا عن طبيعة البرجماتية الأمريكية والواقعية السعودية.. ولأنها انتهت اليوم بمغادرة أوباما؛ تبقى الأنظار مُعلّقة بما سوف تسفر عنه. أخيرًا، وفي المقابل، ومهما يكن الأمر، فإن النظر إلى قمة روضة خريم التاريخية يوم الجمعة باعتبارها ستُنهي الأزمات العربية يوم السبت أمر غير واقعي، ذلك أن للولايات المتحدة رؤيتها وللمملكة رؤيتها.. كما أن للمصالح المشتركة أهميتها وللتحالفات الجديدة اعتباراتها. وبعبارة أوضح فإن قياس القمة بالمنطق الذي يقول: "من منهما في حاجة إلى الآخر؟ قياسٌ فاسد بمفهوم المنطق السياسي الحديث للأمور!. لقد تجاوزت أهمية المملكة بالنسبة للولايات المتحدة مسألة النفط إلى مسائل أكثر أهمية تُدركها واشنطن جيدًا، بل إن أهمية أمريكا للرياض تجاوزت أوراق الحل في الصراع العربي الإسرائيلي إلى أوراق أخرى لا تقل خطورة في دمشق والقاهرة وبيروت والخليج. وهنا يصبح من الواقعي التأكيد على أن قمة روضة خريم قد تكون حجرًا جديدًا في بناء تحالف أمريكي عربي يراعي المستجدات الجديدة، وقد تكون العكس انتظارًا لقمم أخرى حقيقية لا وهمية. [email protected]