اعرف جيدا أن ما بين القوسين في العنوان أعلاه يعد خطأ نحوياً، وكان من المفترض أن تكتب هكذا (أبي طالب) لكنني نسخته كما هو من صورة لفوج من المقاتلين ذوي وجوه متجهمة ونظرات صارمة انتشرت في وسائل الإعلام قبل فترة وجيزة. الصورة التي نسخت منها الخطأ الإملائي كانت لرجال الحشد الشعبي؛ الميليشيا العراقية المتكونة في جلها من المكون الشيعي العراقي إثر فتوى المرجع الشيعي السيستاني، بعد دخول الدواعش إلى الموصل وانهيار الجيش العراقي في تلك المناطق، مما بث الخوف في العراقيين من توالي انهيار الجيش، وسقوط المدن العراقية، وحصول مذابح على أيدي الغزاة المتوحشين؛ فكان إنشاء مليشيا الحشد الشعبي كداعم للجيش المتداعي. في الصورة كان كل فرد من أفراد الكتيبة المتأهبة حينها لتحرير تكريت، يلف حول جبينه عصابة خضراء مكتوبا عليها بالخط الأصفر العريض كتائب (علي إ بن أبيطالب)، لا يحتاج الأمر للكثير من التفكير أو عمل الذهن لاستنتاج دلالة تلك البصمة على جباه مقاتلي أبناء العراق، أو من أين جاءت فالكل يعرف الآن مدى النفوذ الإيراني للجيش العراقي والحشد الشعبي بالذات، وإيران نفسها لم تعد تخفي تدخلها في العراق حتى قبل حربه ضد الدواعش، فالتدخل الإيراني في العراق حدث اليوم التالي لسقوط نظام حزب البعث إثر الغزو الأمريكي سنة 2003م. في ظل انهيار المشروع الأمني العربي في المنطقة فإن الخبراء الإيرانيين وعلى رأسهم قاسم سليماني، قائد فيلق القدس يزورون الجبهات المشتعلة في تكريت ويتواجدون بالمئات في سمراء ويعزى عدم سقوط تلك المدينة، ذات الأهمية الخاصة كونها تحوي مراقد ابرز أئمة الشيعة، في أيدي الدواعش للدعم الإيراني الذي ساهم حتى سلاحه الجوي في ضرب أماكن تواجدهم. لكن المؤسف هو هذا التردي الحقيقي في الحال العربية والتراجع الكبير للمشروع الحضاري والقومي العربي. عصابات الرأس تلك بخطئها الإملائي على رؤوس أبناء العراق العرب الأقحاح تجسيد لمدى التردي الذي وصل إليه حال الأمة العربية ومشروعها الحضاري إن كان ثمة مشروع لا يزال يتنفس. العراق جزء عريق من الأمة العربية أخرج قادة وشعراء ومفكرين خالدين للأمة، ولا شك أن رمزية العصابة الخضراء، لم يكن لها أن تكون بهذا الوقع الشديد على نفسي لو أنها حصلت في مكان بعيد عن بلاد الرافدين، كون العراق هو أول من خرج للعالم العربي والإسلامي مدارس فقه اللغة وعلماءها. ثلاث مدارس نحوية خرجت من بلاد الرافدين يتسيد كل منها علماء أفذاذ من علماء الأمة العربية في النحو والصرف. كانت البصرة الحضن الذي خرَجت منه أول مدرسة نحوية عربية من علمائها ابن أبي إسحاق، والخليل ابن أحمد، ثم ظهر الكسائي والفراء من مدرسة الكوفة، وتزعم المدرسة البغدادية أمثال ابن جني والزمخشري. دعك من أسماء كثيرة كسيبويه، وثعلب، والمبرد مثلاً. أنَّى توجهت بوجهك في شئون الأمة العربية تجد ذلك التردي والانحدار. أليس لذلك الليل الطويل من نهاية؟! * قاص وروائي