كتبت سابقاً عن الإعلام الجديد عن إيجابياته وعن سلبياته وسأعيد ذكر الإيجابيات باختصار. الإعلام الجديد ضرورة حتمية للتواصل الاجتماعي الذي يقطع حاجز الزمان والمكان، ويتيح التواصل بين الأفراد في نظام عالمي يلغى كل الحواجز الجغرافية والمكانية ويحطم الحدود الدولية، فإنسان الشرق مُستقْبِل وقارئ ومُرسل وكاتب ومشارك يشارك مشاركة متنوعة وفاعلة، ومن الناحية الاقتصادية مكّن الفرد البسيط من امتلاك حيز على الشبكة للتواصل الاجتماعي مجاناً، والتعليم أيضاً ناله الكثير من التطور فالتعلم الالكتروني يشرك ويفعّل جميع المنظومة التعليمية من مدير ومعلم وأولياء أمور فيما بينهم مفاعلة تامة، مع عدم الاقتصار على التركيز على المنهج وكثرة مواده وتكدس الطلاب في الفصول ووجود أنظمة تجعل مساحة المدرسة ضيقة لا تسمح بالمناقشات الحرة والتعبير عن الرأي للأسف، والعكس منها الإعلام الجديد الذي يكسب الطالب مهارات كثيرة غير مقيدة بالمقرر وتعطيه مساحات واسعة للتعبير عن ذاته ومكوناته فيتسع أفقه علمياً وفكرياً واجتماعياً وينضج. ومن إيجابياته أيضاً الاستخدامات الحكومية والتجارية وقياس وتطوير الخدمات ومسايرة التقنية الحديثة، وتقييم العمل في المؤسسات. إعلام كبير خلق جواً مجتمعياً متميزاً بين البشر لاستمرار الحياة تحت ظل القيم والمبادئ والقوانين والمواثيق الدولية لحماية حقوق الإنسان، هذا الذي كان يجب أن يكون عليه إلاّ أن سلبياته غطت على كل الإيجابيات؛ لوقوع هذا الإعلام في أيدي أصحاب النفوس الضعيفة التي تنشر الأفكار الهدامة والمخالفة للقيم، والدعوات المنحرفة والتجمعات الفاسدة يشكل ضرراً كبيراً للوطن والمواطن، ومن أسوئها التشهير والقذف واتهام الأبرياء ونشر الشائعات وترويجها وخلق المشاكل للآخرين وانتحال الشخصيات، علاوة على التحايل والابتزاز والتزوير والتدخل في شئون الناس وخصوصياتهم والخوض في ما يضر ويقود للتحزب والتعصب ويشعل الكراهية ويضعف الهوية والانتماء. أوقات تضيع وجهود تستنزف، وجرائم تدبر وخلل أمني وفكري ينشأ وتطرف بالتسلط على الشباب صغيري السن بالإغراء والغواية، وبدعوات مغرضة مبطنة بالصلاح جوفاء لا تخدم إلاّ مصالحها ومنظماتها، وتخدم بالتأكيد دولاً لها أهداف تخريبية في كل الأوطان العربية والإسلامية لتقطيع أوصالها وبعثرة شعوبها وتشريد البيوت الآمنة وتشتيت شملها والهدف الرئيس اقتسام المصالح!!. إيجابيات كثيرة أكثر مما نتصور، لكن السلبيات أكثر في زمن التشتت العربي والضياع والتفرق وفي الوقت الذي نحتاج فيه للتسامح والترابط وجمع الشمل وإشاعة ثقافة الحوار والتصافي وحقن الدماء، وتجريم إهدار دم المسلم والوقوف صفاً واحداً أمام أعدائنا الذين يصطادون في الماء العكر «فرق تسد» ترسانتهم الحربية للتفريق هذا الإعلام الجديد لترسيخ الطائفية والحزبية والمذهبية، وتأجيج نار فتنتها فإذا لم نتنبه له ونستيقظ سنقضي على آخر أمل لنا في الوحدة العربية وجمع الشمل، وستقع هذه الأمة لا قدر الله في مستنقع الانقسامات والصراعات الطائفية، أكد ذلك فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد في خطبة الجمعة في الحرم، وأشار فضيلته إلى سوء استخدام فئة من الناس لهذا الإعلام الجديد بنشر البلبلة والفوضى والأفكار الهدامة والجرأة على الأصول والثوابت وترسيخ الطائفية والحزبية والمذهبية. ومن أهم أسباب انتشار فساد الأخلاق ونمو هذه الظاهرة الثرثرة الجماعية "التغريدات المغرضة" نقل المعلومات العشوائية دون التأكد من صحتها ودقتها، هذه الفوضى وهذا العبث الهدام يستهدف المجتمع بجميع طبقاته، حتى علماؤه ومسئولوه لم يسلموا من الاستهزاء والتهكم والتبجح، والسبب الرئيس ضعف الرقابة والخلو من الضوابط والمعايير، كلٌ يثرثر ويغرد - ما هب ودب - يغرد وبحسب ما يحلو له، فأعداء الوطن وجدوا ضالتهم في هذه البوابة لبث سمومهم الحاقدة بشكل خفي، ودون أن نشعر به أخْفى من دبيبِ النملةِ السوداءِ على الصخرةِ الصمَّاءِ في الليلةِ الظلماءِ. متى ترتقي هذه الفئة وتصل لدرجة المسئولية وتعبر بحرية عن آرائها وأفكارها بما فيه خير لها لوطنها ومواطنيها، هذا إذا كانت تلعب بالنار وهي لا تدري؟!. ومتى تستطيع الأمة الوقوف والتصدي في وجه هذا العبث المتناهي الذي تجاوز الحدود الحمراء؟!! أما الفئة المغرضة والتي تتّبع خُطىً مدروسة لأعداء الأمة وأعداء الوطن، وتتنكر لهويتها فلتنتظر نهايتها المتوقعة والمحتومة بإذن الله. * تربوية – مديرة