من المعلوم أن الإنتاج الفكري مثله كأي أصل من الأصول الاقتصادية، فالحياة حيث تختزن قيمة معينة تتباين مستوياتها بحسب النوعية والجودة وتختلف تصنيفات اسواقها بطبيعة الحال كأي سلعة معروفة. ولعل الفارق الاكبر في سوق الانتاج الفكري غير المحسوس بالذات هو صعوبة التقويم، وذلك نظراً لعدم الإدراك العادل لمقومات وعوامل التسعير ذاتها انطلاقاً من اختلاف الرأي بين المقومين في سوقها. فمثلاً قد يعجب كثيراً مجموعة من الناس بلحن أغنية أو جمال لوحة مرسومة، غير أنك تجد فئة أخرى لا تشاطرها ذلك الرأي واستحقاق العمل الفني هذا لتلك الإشادة. إضافة إلى ذلك يصعب كثيراً تحديد الاساسيات التي بني أو يبنى عليها التقويم (التسعير) وخضوع ذلك إلى الاحساس والمزاجية ربما، وبالتالي إعطاء قيمة عادلة لذلك الأصل الاقتصادي وهو الانتاج الفكري. إن تأطير مقومات التقويم في الانتاج الفكري ونمذجتها لهو من أشد الاشياء صعوبة نحو الإحاطة بتلك العوامل التي ينطلق منها ويبني عليها المقوم. وكلما اقترب ذلك الانتاج الفكري من عالم الفنون بالذات صعب أكثر إعطاؤه القيمة العادلة التي يستحقها، بالإضافة إلى امكانية حفظ حقوقها لصاحبها ومالكها. ولقد سنت التشريعات خصوصاً مع الثورة المعلوماتية في مطلع الألفية الثالثة الكثير من القوانين في فصول الحماية الفكرية، وتشعبت بل تعقدت أبوابها وقضاياها حتى غصت المحاكم بشؤونها وطرق تحكيمها، لدرجة يخالها المطلع عليها أنها من نسج الخيال أو ربما تصل لحد السخرية في بعض الاحيان من شدة تعقيدها. ولعل موضوع الحماية الفكرية وما يدور في فلكها كتقويمه مثلاً من الصعوبة بمكان أن يمسك بتلابيب محيطه في أسطر زاوية المحدودة هذه. إلا أن ما رغبت تسليط الضوء عليه كجزئية متواضعة في هذا المجال مقارنة شراء الشعر أو الاكتساب من ورائه، كمثال على صعوبة حفظ الملكية او التقويم وذلك مع بيع لوحة فنية مثلاً! كما لا يفوتني ادراك فوارق المقارنة، بيد أن الموضوع في أساسه هو عمل فني أظهره أو عبر عنه صاحبه بطريقته الخاصة، وبالتالي جواز بيعه أو شرائه أصلاً. وهذا يقودنا إلى التساؤل ومقارنة بضائع تلك السوق الرائجة مثلاً في عالم الفنون المختلفة من غنى أو تلحين أو كلمات أو تمثيل في مسرحيات أو رسومات وخلافها، وإمكانية تحليل بيعها وشرائها أو اعطائها قيمتها المستحقة. اعتقد أن السؤال يصعب على ذوي الاختصاص الاقتصادي بالذات للإجابة عنه.. وفي الختام ومثلما بدأت تلك السطور اتساءل بنفس المنطقية، والتي لا أملك جواباً عليها من واقع اقتصادي، غير أنني أهدي قراء سطوري تلك مقطعاً من أغنية لصوت الأرض الراحل "طلال مداح رحمه الله حين يشدو بواحدة من أغانيه" وأن عاطفتك تباع وتنشرى".