أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقاء الأسبوعي    نائب رئيس مجلس الشورى يلتقي النائب الأول لرئيس البرلمان اليوناني    المجمع الفقهي الإسلامي يصدر بيانا بحكم التحول الجنسي واستخدام الذكاء الاصطناعي    إتاحة خدمة الاستعلام عن السجل التجاري عبر "توكلنا"    السعودية للكهرباء" تشارك في مؤتمر "الطاقة العالمي" بنسخته ال 26 بهولندا    مارتينيز سعيد بالتتويج بلقب الدوري الإيطالي في قمة ميلانو    الصندوق السعودي للتنمية يوقّع اتفاقية تنموية لدعم المؤسسات المتوسطة والصغيرة بسلطنة عمان    نيابة عن خادم الحرمين .. أمير منطقة الرياض يحضر حفل تسليم جائزة الملك فيصل العالمية    ارتفاع أسعار النفط إلى 87.39 دولارًا للبرميل    طرح تذاكر مباراة الاتحاد والشباب في "روشن"    العين الإماراتي يختتم تحضيراته لمواجهة الهلال    قيادات أمن الحج تستعرض الخطط الأمنية    وزير الدفاع يبحث مع نظيره البريطاني التعاون الدفاعي    ريادة "كاوست" تحمي التنوع بالبيئة البحرية    ارتفاع في درجات الحرارة على منطقتي مكة والمدينة وفرصة لهطول أمطار بالجنوب    الإعلام والنمطية    «مسام»: نزع 857 لغماً في اليمن خلال أسبوع    منح السعوديين تأشيرة «شنغن» ل 5 سنوات    «السيادي السعودي».. ينشئ أكبر شركة أبراج اتصالات في المنطقة    «أرامكو» تبحث الاستحواذ على 10 % في «هنجلي» الصينية    3 آلاف مفقود تحت الأنقاض في قطاع غزة    تعزيز التعاون الخليجي الأوروبي    الرباط الصليبي ينهي موسم "زكريا موسى" مع أبها    في إياب نصف نهائي دوري أبطال آسيا.. الهلال في مهمة صعبة لكسر تفوق العين    تقدير أممي لجهود مركز الملك سلمان في اليمن    «تيك توك» ينافس إنستجرام بتطبيق جديد    الشورى يوافق على مشروعي السجل والأسماء التجارية    الأزهار البنفسجية تكّون لوحة جمالية.. «شارع الفن».. مناظر خلابة ووجهة مفضلة للزوار    تجربة ثرية    غربال الإعلام يصطفي الإعلاميين الحقيقيين    الأمانة العلمية    «أضغاث أحلام» في جامعة الطائف    دور السعودية في مساندة الدول العربية ونصرة الدين الإسلامي    علماء الأمة    النسيان النفسي    اختلاف زمرة الدم بين الزوجين    عيسي سند    جمعية عطاء تدشن برنامجي قناديل وعناية    العين بين أهله.. فماذا دهاكم؟    ماذا يحدث في أندية المدينة؟    سلسلة من الزلازل تهز تايوان    حاجز الردع النفسي    قصور الرياض واستثمارها اقتصادياً    أمير حائل يفتتح أكبر قصور العالم التاريخية والأثرية    أمير حائل لمدير قطاع الحرف: أين تراث ومنتوجات حائل؟    شعوب الخليج.. مشتركات وتعايش    أمانة المدينة تطلق الحركة المرورية في طريق سلطانة مع تقاطعي الأمير عبدالمجيد وخالد بن الوليد    أمير الحدود الشمالية يطلع على برامج التجمع الصحي    مساجد المملكة تذكر بنعمة الأمن واجتماع الكلمة    نائب أمير جازان يدشن حملة «الدين يسر»    الرياض تستضيف معرضاً دولياً لمستلزمات الإعاقة والتأهيل.. مايو المقبل    محافظ طبرجل يطلع على الخدمات البلدية    أكثر من ثمانية آلاف ساعة تطوعية في هلال مكة    «البيئة» تُطلق مسابقة أجمل الصور والفيديوهات لبيئة المملكة    الزائر السري    أمير الرياض يرعى حفل تخريج دفعة من طلبة الدراسات العليا في جامعة الفيصل    وزير «الإسلامية» للوكلاء والمديرين: كثفوا جولات الرقابة وتابعوا الاحتياجات    انطلاق منتدى «حِمى» بمشاركة محلية ودولية.. ريادة سعودية في حماية البيئة لمستقبل العالم والأجيال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التضخم.. المفاهيم والأسباب والمكافحة
نشر في الرياض يوم 26 - 01 - 2008

دخول شركات جديدة في سوقي النقل الجوي والاتصالات ساهم في زيادة المنافسة وخفض الأسعار. وكما ذكر في القسم السابق، من المهم أن يعمل على تشجيع المنافسة ومكافحة الممارسات السوقية غير التنافسية (إلا في حالات خاصة مبررة، ويجب أن تكون وفق قوانين شفافة واضحة) بغرض زيادة طاقة الاقتصاد الإنتاجية، وخفض الأسعار.
الجدول (11) التالي يلخص أهم سياسات احتواء التضخم.
جدول 11ملخص السياسات المالية والنقدية لمكافحة التضخم وتأثيراتها وآثارها
السياستان الأخيرتان مرتبطتان بموضوع يدور في أذهان عامة الناس عند الحديث عن الغلاء، وهو جشع التجار. لا تتطرق إلى هاتين السياستين مباشرة المدارس الاقتصادية الثلاث، لأنهما ليستا من صلب موضوع التضخم. ولذلك لأن الممارسات الجشعية موجودة باستمرار، ومن ثم لا ارتباط مباشراً بينها وحصول موجة تضخمية بعينها. ووجود جشع لا يعني بالضرورة حدوث تضخم. وفي هذا الحالة الأخيرة تكون المسألة انتقال موارد من طرف إلى طرف دون التأثير على المستوى العام للأسعار.
مكافحة الممارسات الجشعية مفيدة في إطار السياسات العامة الرامية إلى تقليل الأسعار الاحتكارية، وتحسين مستوى معيشة الناس، وحفظ حقوقهم، بصورة مستمرة. ولكني لاحظت أنها لم تحظ باهتمام معتبر في تقارير مؤسسات مالية عن التضخم، ولذا كان تخصيص الفصلين التاليين للحديث عنها.
إطار 01:تمويل التملك السكني لذوي الدخول المنخفضة
إهمال الاهتمام في السنوات السابقة بتوفير ما يمكن اعتباره مندرجا ضمن مفهوم السكن الميسر، قد يبرر، ولكنه لم يعد كذلك، فقائمة الانتظار على الصندوق العقاري طويلة جدا، ويضاف إلى ذلك موجة غلاء المعيشة الحالية، والتي تشمل الاستئجار السكني. وللتوضيح، الحديث هنا لا يتناول تمويل الإسكان الخيري الموجه للعوائل الأكثر احتياجا. وإنما ما يوجه لفئة لديها دخل أقل من المتوسط، يلبي احتياجاتها الأساسية، ولكنها تجد صعوبات شديدة في تملك سكن حديث. هذه الفئة تشكل شريحة كبيرة من المواطنين.
الأوضاع السائدة الآن في سوق العقار من حيث مساحة الأراضي، ومسطحات المباني القائمة، وأساليب تخطيطها، وكذلك نظام وأسلوب البناء على الأراضي، تجعل تكلفة الحصول على سكن صحي مناسب خارج قدرة تلك الشريحة.
ولكن المشكلة ليست مقتصرة على مساحات الأراضي وأنماط البناء، بل هناك مشاكل في توفر المعلومات عن سوق العقار، وهناك مشاكل أكثر في التمويل ذاته، ولعلي أذكر فقط ثلاث مشاكل في التمويل. هناك كما هو معروف قيد الدفعة المقدمة، وهي دفعة ليست في الغالب تحت مقدرة ذوي الدخل المنخفض. المشكلة الثانية أن هناك قيد الحد الأقصى لنسبة القسط إلى الدخل، وأما المشكلة الثالثة فترجع إلى طالبي التمويل، وهي باختصار مشكلة قلة ثقة في طالب التمويل/المقترض بالسداد حسب الاتفاق، مما يصعب شروط التمويل.
هناك فراغ تشريعي في التمويل العقاري، ولعل هذه المشكلة تحل قريبا. فقد أشار وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف في رده على تساؤل جريدة الرياض بمناسبة انعقاد مؤتمر يوروموني في الرياض يوم الثلاثاء 8241/4/12الموافق 7002/5/8، عن رفع وزارته لمنظومة التمويل العقاري منذ أكثر من ستة أشهر إلى مجلس الوزراء ومجلس الشورى، مؤكداً في الوقت ذاته أن المنظومة عندما تتطابق بعد الإقرار من مجلس الوزراء سوف تؤدي إلى نمو كبير في القطاع العقاري خاصة أن التمويل العقاري ليس بالحجم المتأمل بالاعتبار لحجم الاقتصاد السعودي.
ويجري في الوقت الحاضر العمل على تأسيس منشآت للتمويل العقاري. وأقر بأنه ليست لدي معلومات يعتمد عليها حول ما تنوي هذه المنشآت عمله تجاه مساعدة ذوي الدخول المنخفضة في الحصول على السكن المناسب بأسعار مناسبة من خلال توفير أساليب تمويل مرنة تتناسب مع دخولهم، بالإضافة إلى تقديم الخدمات والاستشارات المتعلقة بهذا السوق.
لكن بافتراض أن هناك توجها نحو مساعدة تلك الفئة من المواطنين، فإن السؤال الذي يواجه ويوجه إلى السلطات البلدية والإسكانية وشركات التمويل العقاري، وغيرها من مصادر التمويل العقاري، هو:
كيف العمل على تأمين مسكن صحي، بتمويل يعطي عائدا كافيا لملاك المنشأة، وفي الوقت نفسه بتكلفة في مقدور ذوي الدخل المنخفض؟
هناك ركنان أساسيان: الأرض والبناء، وتكلفة كل ركن من هذين الركنين يعتمد على ويرتبط بجوانب ومسائل كثيرة جدا، من المهم دراستها ومناقشتها من قبل العقاريين والمهندسين والجهات أو المسؤولين الحكوميين المعنيين بقضايا الإسكان والمالية العامة والمتخصصين في التمويل وفي السياسات العامة في إطار الاقتصاد الجزئي، بهدف الإجابة على السؤال السابق أي بهدف تطوير أو ابتداع وسائل تعمل كلها أو بعضها على أسس تجارية لكنها تتصف بأنها ميسرة في متناول ذوي الدخل المنخفض خاصة، والأهالي عامة.
قبل سنوات عديدة، وزعت أراض على ذوي الدخل المحدود، (حي ذوي الدخل المحدود). مساحة الأرض 004م
2.كان هناك عدد محدد من الأراضي، وقد وزعت كلها على المتقدمين المستحقين آنذاك. السؤال: ما ذا بشأن من يأتي فيما بعد من ذوي الدخول المحدودة؟
حسب علمي، فإن التوزيع لم يخضع لإستراتيجية ذات طبيعة دائمة، وتوجه مستمر، بمعنى لم تكن هناك تصور أو سياسة مستمرة تؤمن إعطاء من تتوفر فيه الشروط أرضا عند الطلب. وهذه نقطة ضعف في كثير من القرارات الحكومية، أنها تأتي لحل مشكلة آنية، دون نظر قوي للقدرة على الاستمرارية في التطبيق.
ما العلاج؟
هناك أعمال كثيرة مطلوبة. والآمال معقودة على الهيئة المعنية بالاسكان التي أقر مجلس الوزراء تأسيسها في جلسة 8241/4/22(7002/5/9) لتحقيق الطموحات المرجوة منها..
محاربة التكتلات والاحتكارات غير الطبيعية وتنظيم السوق market regulation
طبيعة التوسع والتطور الصناعي والتقني في الغرب منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي حفزت منشآت إلى تكوين تكتل trust لتسهيل أعمالها وزيادة أرباحها تحت سلطة رقابية على الأصول assets تسمى مجالس الأمناء. وقد جنحت هذه التكتلات إلى التضييق على دخول المنافسين بهدف إبقاء الأسعار أعلى من الأسعار التنافسية، وهي عملية تسمى تقنيا "الممارسات السعرية غير العادلة". وقد تلجأ هذه التكتلات إلى خفض الأسعار دون التكلفة لفترة مؤقتة بغرض الإضرار بالمنافسين الصغار ومحاولة إجبارهم على الخروج من السوق. هذه الأحداث دفعت المشرعين في دول غربية إلى إصدار قوانين سميت antitrust والتي تعني مكافحة التكتل والاحتكار.
الهدف الأصلي من قوانين مكافحة الممارسات والتكتلات الاحتكارية خفض الأسعار وتوسيع الإنتاج. ذلك لأن امتلاك النفوذ في السوق من قبل أحدهم يمكنه من التحكم في السعر أو الكميات (لا يمكن التحكم في الاثنين) فوق المستوى التنافسي أو المستوى الذي يتساوى فيه السعر مع التكلفة الحدية.
في الوقت الحاضر أصبحت عملية مكافحة التكتل تدخل ضمن أعمال الحكومة في تنظيم regulate الأنشطة ذات الطبيعة التجارية. وتدخل الحكومة لتنظيم الأنشطة التجارية يأتي في أطر منع استخدام النفوذ لتعطيل قوة السوق، كما تأتي في أطر تصحيح التشوهات التي تصيب السوق، وليس في أطر إجبار الناس على البيع بغير رضاهم. خلاف الاحتكار الفردي أو احتكار القلة (أي تكتل أو تواطؤ القلة)، هناك مصادر أخرى لتشوهات السوق وأهمها وجود صعوبات في الحصول على المعلومات (أو الاستفادة منها) ووجود تأثيرات خارجية (31).
شراء الدواء يعد من أشهر أمثلة مشكلة نقص المعلومات التي تتطلب تدخل الحكومة بالتسعير. معلوماتنا عن كثير من الأدوية وما نحتاجه منها ليست بالقدر الذي يسمح لنا بالتصرف من تلقاء أنفسنا، بل وفق وصفة طبية، ولكن الأطباء يتعرضون إلى مغريات قوية من وكلاء شركات الأدوية لوصف أدوية شركات بعينها للمرضى، لها بدائل مماثلة أقل ثمنا، ولكنها لشركات أقل شهرة، وأقل مصروفات وخاصة على التطوير. تنظيم سوق الأدوية التي يفترض أن تشترى بالوصفة مبرر، إذ بدون هذا التنظيم يحتمل جدا أن تقرر شركات أدوية أسعارا أعلى، اعتمادا على طلب غير مرن بسبب التواطؤ مع أطباء، أو بسبب الاحتكار (الأدوية المحتكرة تعد ضرورية في الغالب، لا يصلح معها تطبيق مقولة "دواء الغالي تركه").
وبصفة عامة، يندر أن تتواطأ مجموعة شركات كثيرة في نشاط ما على الاتفاق على سعر محدد، لوجود مشكلات عديدة تقف أمام كتمان التواطؤ أو نجاحه. ومن القصص المشهورة تآمر مديري شركات أدوات كهربائية كبرى أمريكية مثل جنرال الكتريك ووستنغهاوس، مطلع الستينات من القرن الميلادي الماضي، على رفع الأسعار السائدة، وقاموا بتعمية خطواتهم بأعمال تشبه أعمال الجاسوسية، حيث الالتقاء سرا في أكواخ بعيدة، واستخدام الهواتف العمومية. حكم على هذه الشركات بدفع تعويضات للمستهلكين المتضررين من رفع الأسعار، خلاف أحكام أخرى ذات طابع جنائي ضد المتورطين.
الحكم على تلك الشركات استند إلى قوانين واضحة. وزيادة في التفصيل، طورت العديد من الدول مجموعة واسعة جدا من التشريعات التي يعمل تطبيقها على حماية المستهلكين، وتصحيح تشوهات السوق، ومكافحة الممارسات المعطلة لقواه، وتناولت هذه التشريعات حتى حالات خفض السعر دون التكلفة، ويحدث هذا غالبا من الشركات الكبرى بهدف الإضرار بالمنشآت الصغيرة المنافسة للخروج من السوق. تسمى هذه القوانين أحيانا بقوانين مكافحة الاحتكار، من باب الخاص الذي يراد به العام، وقد أصبحت هذه القوانين، من كثرتها وتشعبها وتعقيدها، مثل البستان الضخم الذي نمى من بذور بحجم قبضة اليد.
ومع ذلك فإن مكافحة الاحتكار ليست خالية من العيوب، فقد يرى كثيرون أن الاحتكار أو التكتل يجلب، في حالات، تحسينا في الكفاءة الاقتصادية - انظر الإطار 11(41). وهناك أنشطة يرغب في كونها احتكارية، ويطلق على هذا النوع من الاحتكار في كتب الاقتصاد "الاحتكار الطبيعي natural monopoly هذا الاحتكار يتميز 1- إما بانخفاض تكلفة انتاج الوحدة الواحدة عند اسناد الانتاج إلى منشأة واحدة بدلا من عدة منشآت، كما هو الحال في احتكار توفير الكهرباء والماء. 2وإما بكون طبيعة إنتاج عدد من المنتجات تجعل إنتاجها عن طريق منشأة واحدة أكثر كفاءة من انتاجها بواسطة عدة منشآت، مثل خدمات النقل العام في إطار عمراني محدد. إذا كانت سلع الاحتكار الطبيعي غير كمالية، فإن الحكومات تتدخل بسن تنظيمات تسعيرية، خوفا من استغلال الناس عبر قيام المنشأة برفع الأسعار عن الأسعار التوازنية أو التكاليف الحدية.
الفشل السوقي وتشوهات السوق وكبح قوى السوق والتكتلات الاحتكارية، والسياسات التنظيمية للتعامل مع هذه الحالات، تدرس باستفاضة من وجهة التحليل الاقتصادي في الحقل التخصصي الاقتصاد الحكومي، وفي الحقل التخصصي التنظيم الأعمالي industrial organisation (51).
أسعار غير معقولة؟
هناك عبارات شائعة في وسائل الإعلام ونحوها مثل "الأسعار غير معقولة و"عمد التجار إلى إغلاء الأسعار" و"التلاعب بالأسعار"، وتقال في معرض الطلب من السلطة التدخل في الأسعار. هذه العبارات ونحوها أقرب إلى أن تكون عبارات مجملة، أو مبهمة من وجهة علم الاقتصاد
61.الحكم على الأسعار بأنها غير معقولة قد يكون مبررا، وقد يكون نسبيا، ذا ارتباط بمستوى غنى وفقر الناس (وبقوة الحاجة إليها)، ولذا فإن الأمر بحاجة إلى معايير يستند إليها. لنأخذ المثال التالي الدال على النسبية. في مقدور عامة مواطني دول مجلس التعاون الخليجي امتلاك سيارة، ولكن الأمر ليس كذلك على مواطني العديد من الدول. خذ مثلا الفلبين، لو قال قائل من مواطني هذه الدولة "أغلب الناس في بلدي لا يقدرون على تملك سيارة، نظرا لأن أسعار السيارات غير معقولة". ما مدى منطقية حكمه بأن أسعار السيارات في الفلبين غير معقولة؟
قد يحدث أن ترتفع الأسعار ارتفاعا كبيرا في إطار تلاعب، وقد يحدث بسبب اختلال بين عرض وطلب سلعة أو مجموعة من السلع، بدون وجود تكتلات أو تعمد سلوكيات للإضرار بقوى السوق. وقد عبر الإمام ابن تيمية رحمه الله عن ذلك في كتابه الحسبة بعبارات تتناسب مع الفهم السائد آنذاك لعمل قوى السوق "فإذا كان الناس يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم، وقد ارتفع السعر، إما لقلة الشيء وإما لكثرة الخلق فهذا إلى الله، فإلزام الخلق أن يبيعوا بقيمة بعينها إكراه بغير حق".
ولذا من المهم أن يعرف هل حدث تدخل بهدف تعطيل أو الإضرار بقوى السوق أو لا؟ في حال أنها لم تعطل: ما مدى أهمية أو حاجة عامة الناس إلى السلعة أو الخدمة؟ ما مدى وجود بدائل مقاربة؟ أما إلزام التجار بالبيع وفق سعر بعينه دون مراعاة لقضايا كثيرة متعلقة فلا يصلح.
إطار (11): حالة مايكروسوفت عام 1002: هل تتقاضى الشركة أرباحاً احتكارية؟
تسيطر مايكروسوفت على صناعة برمجيات الحاسب، وتبلغ حصتها نحو 09% من سوق برامج التشغيل ومتصفحات browsers الانترنت. عندما رفعت القضية في محكمة أمريكية عام 1002ضد مايكروسوفت، كان القاضي جاكسون موافقاً من حيث الأصل مع وزارة العدل الأمريكية ومع ولايات أمريكية كثيرة، في أن الشركة خالفت القانون. رأى القاضي ان مايكروسوفت قد ربطت أنظمتها التشغيلية "ويندوز" بدون مقابل بالنسبة للمتصفح الذي تنتجه انترنت إكسبلورر، بهدف إزالة المنافسة وتكوين احتكار في سوق المتصفحات. وادعت وزارة العدل ان الشركة تطلب من صانعي الحواسب أن يوافقوا على عدم إزالة انترنت إكسبلورر، وألا يركبوا متصفحاً من انتاج شركة منافسة.
رفض بيل غيتس الاتهام على أساس ان الحكومة تتدخل في حق مايكروسوفت لصنع منتجات جديدة تفيد المستهلكين على أرضية أن الهدف من المنافسة خفض الأسعار. وفي عالم برامج الحاسب، زيادة القوة يصحبها انخفاض الأسعار. وشبه غيتس اجباره على وضع متصفح غير انترنت إكسبلورر، بالطلب من كوكا كولا وضع علب بيبسي في كل صندوق كوكا كولا. وأدعى ان نظام الويندوز والانترنت إكسبلورر هما في الحقيقة منتج واحد.
طرحت اقتراحات بتفكيك مايكروسوفت إلى ثلاث شركات، واحدة لأنظمة التشغيل، وثانية للتطبيقات مثل مايكروسوفت أوفيس، والثالثة للمنتجات المتصلة بالانترنت.
ردت محكمة استئنافية الدعوى، لكنها وافقت على ان مايكروسوفت خرقت قوانين منع الاحتكار لحماية نظامها التشغيلي ويندوز. لكن المحكمة رأت ان الحكومة فشلت في إثبات أن مايكروسوفت تعمدت احتكار سوق المتصفحات.
المصدر:
Economics for Today by lrvin Tucker 3002م.
ويبدو أن هذه التفاصيل تغيب عن أذهان بعض المسؤولين الذين يرتبط عملهم بحماية المستهلك. فقد نشرت جريدة الشرق الأوسط في عدد 03مارس 7002، تحقيقا عن التضخم (71) ذكر في التحقيق أن مسؤولا رفيعا في وزارة التجارة والصناعة -لم يذكر اسمه- حمل التجار مسؤولية ارتفاع الأسعار، وقال "إن وزارة التجارة لا دخل لها في ذلك". واستدرك المسؤول قائلا "لكن الكثير منهم (التجار) ... على يقين من عدم تمكن التجار الصغار من المنافسة، وبالتالي هم يزدادون غِنًى".
تصريح المسؤول فيه تبسيط مخل للمشكلة. وفي هذا لنا أن نطرح السؤال التالي:
لماذا لا يتمكن التجار الصغار من المنافسة؟
هناك مشكلة تشريعية تنظيمية، ومشكلة فاعلية رقابة لمتابعة تطبيق ما تقرر.
من المؤكد أن هناك نقصا وضعفا أو بطأً في إصدار التنظيمات الحكومية الرامية إلى حماية عامة الناس، ومنع الممارسات الهادفة إلى التحكم في قوى السوق. وهناك نقص كمي ونوعي في الموارد البشرية المسؤولة عن عمل هذه التنظيمات، أو مراقبة تطبيقها، خلاف النقص الكمي والنوعي في الموارد البشرية القضائية.
وإذا كان جزء من ارتفاع الأسعار مبررا، وجزء منه غير مبرر، كما قال عضو مجلس الشورى د. عبد الله دحلان (وفقا للجريدة) في معرض تعليقه على المناقشة التي جرت بين الدكتور هاشم يماني وزير التجارة والصناعة وأعضاء مجلس الشورى، فإن من المهم وجود معايير وقياسات موضوعية للتعرف على المبرر وغير المبرر، وهذا يتطلب معلومات وموارد بشرية غير متاحة الآن حسب علمي.
طالب دحلان بضرورة إنشاء تنظيم خاص ومستقل لحماية المستهلك، يهتم بمتابعة الأسعار، وإعطاء مؤشرات عن أمور كثيرة، ويوفر مركز معلومات وأبحاث دقيقا يساهم في نشر المعلومة التي تعطي للمستهلك نسب ارتفاع الأسعار دوليا ومحليا بصفة مستمرة. أضيف بأنه ينبغي على التنظيم (سواء سمي هيئة أو جمعية أو...الخ) تتبع ووضع تقارير عن الأنشطة والممارسات التجارية الواقعة تحت نوع من الاحتكار غير الطبيعي. وينبغي على مجلس الشورى المساهمة بطرح تصور تنظيمي مفصل عن هذا التنظيم، بما في ذلك كيفية تمويله. ولكن يبدو أن المجلس يعاني من نقص في الموارد البشرية الاستشارية.
نحن في المملكة بحاجة إلى تطوير مجموعة من القوانين لحماية المستهلكين ومكافحة الممارسات المعوقة لقوى السوق، تفوق القوانين والتنظيمات القائمة حاليا، ولكن تطوير هذه القوانين يتطلب قناعات وموارد بشرية متخصصة ماهرة.
ومن المهم فصل حماية المستهلك عن وزارة التجارة بسبب تعارض المصالح بين هذين. وزارة التجارة بحسب طبيعة عملها مسؤولة عن التجارة والتجار، ومن الواضح أن هذه المسؤوليات تستلزم بالضرورة وجود قدر من التعارض مع مسؤولية حماية المستهلك. ولذا كانت حماية المستهلك في أمريكا - على سبيل المثال - مستقلة استقلالاً تاماً عن وزارة التجارة الأمريكية.
التسعير
التسعير شكل من أشكال التنظيم والتدخل الحكومي في السوق، والنقاش هنا لا يتناول حكم التسعير شرعاً. (81) هناك نوعان من التسعير: تسعير سقفي أي وضع حد أعلى للأسعار وتسعير أدنى، أي وضع حد أدنى للأسعار، وأشهر مثال وضع حد أدنى للأجور. ومن ثم يفهم أن التسعير كلمة عامة تعني تسعير السلع وأسعار الخدمات، وتسعير أجور اليد العاملة.
تتدخل الحكومات بالتسعير بصورة مستمرة أو مؤقتة. التدخل المستمر عادة في حالتين: 1خفض أسعار سلع منتجات أساسية عن أسعار التكلفة أو السعر التوازني، عبر تقديم دعم (تحمل بعض التكلفة) مباشرة، أو عبر دعم المنتجين (غالبا المزارعون) 2عبر تنظيم السوق (تم التطرق إليها في الفصل السابق) للحد من رفع الأسعار عن الأسعار التوازنية أو التكاليف الحدية. أشهر أمثلة التسعير التنظيمي الاحتكار الطبيعي natural monopoly، وتسعير الدواء.
كما تتدخل الحكومات أحيانا في بعض الأسواق لمنع الأسعار من الارتفاع إلى السعر التوازني، ويحدث هذا التدخل بصورة مؤقتة، عادة في ظرفين: 1إما خلال الأزمات، من خلال تسعير سلع يحتاجها عامة الناس، ويقترن بالتسعير عادة تقنين الكميات المباعة، ووجود شكل من أشكال الدعم الحكومي 2وإما بوضع حد أعلى لزيادة الإيجارات أو الأجور، في ظروف وجود اختلال كبير بين العرض والطلب. والهدف في كلا الحالتين مكافحة التضخم. المملكة لا تطبق سياسة رقابة الإيجارات، ولكن حكومتي أبو ظبي ودبي طبقتاه مؤخرا بالنظر إلى الارتفاع الحاد في الإيجارات، حيث فرضتا نسبة قصوى لزيادة الإيجار السنوية.
التحليل الاقتصادي النظري والمشاهدة في مختلف أنحاء العالم وعلى مدى عشرات السنين أفادت بأن التسعير كثيرا ما يتسبب في جعل الطلب أعلى من العرض.
هل يعني ذلك الدعوة إلى الارتكان إلى قانون العرض والطلب وعدم تدخل الحكومات؟
ليس الأمر بهذا التبسيط.
من المهم التعرف على خصائص السلع، وأن تحلل إنتاجا وتكلفة وبيعا وطلبا، وأن تدرس جيدا آثار ومحاسن وعيوب التدخل، كما أن من المهم أن تدرس أسباب الاختلال بين العرض والطلب، وأن يعمل على حلها، حتى لا يتحول التسعير المؤقت إلى دائم.
التوقعات للمستقبل القريب
ليس من المتوقع أن يزداد التضخم حدة خلال بقية هذا العام والعام القادم لو بقيت الظروف على حالها. أما خلال الأعوام القليلة التالية، فيعتمد على التغيرات في الظروف التي كانت وراء التضخم القائم، لكن من المظنون أن تخف حدة هذه الظروف. على سبيل المثال، الطاقة الاستيعابية للاقتصاد في ازدياد، والقيود على التمويل البنكي وضعت، ومن المستبعد زيادة الإنفاق الحكومي بحدة، إلا إذا ارتفعت أسعار النفط ارتفاعا كبيرا، وهذا ما يستبعده كثير من المحللين. وهذا يعني توقعا بمعدلات تضخم أقل خلال الأعوام القليلة التالية.
لفهم موجة التضخم الحالية، وتوقعاتنا المستقبلية لها، بصورة أفضل، هناك حاجة إلى عمل دراسات تطبيقية اقتصادية قياسية عن التضخم الحالي، أسوة بالدراسات التي أجريت عن موجة تضخم عقد السبعينات. ولعل أشهر تلك الدراسات رسالة دكتوراه بعنوان "منحى نقدي عن التضخم للمملكة العربية السعودية" لعلي الضراط عام 2891م.
A MONETARIST APPROACH TO INFLATION FOR SAUDI ARABIA
وكذلك الدراسة التي قام علي الضراط وشاركه عمر حافظ (دكتوراه اقتصاد)، والتي سبق عرض خلاصتها في الإطار (5).
ملحق
سياسات للتعويض عن الغلاء
(ملحق جديد كتب بعد نشر الملف في المجلة الاقتصادية السعودية)
لا يقصد بالتعويض عن الغلاء خفض أو تثبيت الأسعار، حتى لا تكون المسألة مجرد تكرار لعبارة مكافحة التضخم، وإنما البحث عن وسائل تعويض مادي، تخفف عن عموم الناس، ومساكينهم خاصة، آثار الغلاء. وقد لا ينسجم هذا التعويض مع سياسات مكافحة التضخم، مثلا رفع الأجور لا يساعد على الحد من التضخم، بل من المؤكد أنه يزيده في حالة وصول الاقتصاد إلى مرحلة التوظيف الكامل، كما هو الوضع الآن في المملكة. وبالمقابل، تزيد رغبة الناس في رفع أجورهم وقت الغلاء، وتبقى المسألة موازنة بين المنافع والأضرار.
الاقتصاد السعودي يتصف بصفات قلما توجد مجتمعة في غيره. ولهذه الصفات انعكاسات على الأجور. مصدر الدخل الأول للبلاد النفط، وهو مصدر طبيعي، وثروة عامة، ولكن إيراداته تذهب للحكومة. وهذا المصدر يتصف بأنه ناضب، شديد التقلب في أسعاره وإيراداته، والتي تحكمها عوامل خارجية، ولا علاقة أو تأثير لعوامل الإنتاج الداخلية عليها. هذه الخصائص ليست خاصة بالاقتصاد السعودي، ولكن هناك الملايين من العمالة الأجنبية التي تشكل غالبية العاملين في القطاع الخاص، وتتسم تكلفة وأجور أغلبهم بالانخفاض، وخاصة في المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مما أثر سلبيا (مع عوامل أخرى) على توظيف السعوديين في هذا القطاع وأجورهم. أما القطاع العام فيشكل المواطنون فيه الغالبية الساحقة. من جهة أخرى، الغالبية العظمى من السكان مواطنون، ولكن موظفي القطاع العام السعوديين لا يشكلون نحو ربع القوة العاملة الوطنية (91). هذه الصورة بمجملها ساعدت (مع غيرها) في إيجاد بطالة، وأجور متدنية لنسبة كبيرة من السعوديين العاملين في القطاع الخاص، وتشكل صعوبة شديدة على صانعي القرار عند مناقشة ربط الأجور بالغلاء، أو رفع رواتب القطاع العام وحده.
خارج نطاق الأجور، هناك الكثير من السياسات المالية الدعمية، التي لها تأثير في التعويض عن الغلاء و/أو توسيع دائرة إعادة توزيع الدخل. وقد اخترت السياسات الموضحة في الإطار التالي (21):
إطار 21: سياسات دعم لتخفيف الغلاء
1- دعم التمويل السكني بعدة مليارات سنويا، بما يقضي على قوائم الانتظار في بناء أو شراء سكن مدعوم حكوميا.
2- تحمل الحكومة لجزء كبير من تكلفة أرباح التمويل العقاري، ضمن قواعد وحدود، لأن نسبة كبيرة من الناس لا تستطيع تحمل أقساط تبلغ عدة آلاف من الريالات شهريا.
3- وضع سياسة ثابتة مستمرة لمنح أو دعم تملك أرض، مع المنع التام لإعطاء المنح الكبيرة، وكذلك منع المنح بغرض تجاري شخصي.
4- زيادة رأس مال بنك التسليف بما يمكنه من منح كل متزوج قرضا لا يقل عن 05ألف ريال، يسدد بأقساط ميسرة جدا.
5- تطوير آلية لمنح طوابع أو قسائم طعام للفقراء وذوي الدخول المحدودة، تساعدهم على شراء أطعمة أساسية بأسعار مخفضة.
6- زيادة الدعم لجمعيات البر.
7- مراجعة إعانات البنك الزراعي بغرض البحث عن طرق لزيادتها.
8- التوسع في برامج الإسكان الشعبي.
9- منح بدل للعاطلين ضمن تفاصيل وشروط.
01- التوسع في برامج الابتعاث الداخلي لمؤسسات التعليم العالي الأهلية.
توسيع صندوق الموارد البشرية، وافتتاح فروع كثيرة له بصلاحيات، ودعمه بالموارد التي تمكنه من التوسع في خدماته، وزيادة نطاق الدعم لعشرات الآلاف من الشباب سنويا.
(4-4)
@ متخصص في الاقتصاد الكلي والمالية العامة - دكتوراه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.