عندما تحل المصائب، وتدلهم الخطوب، وتتعاظم الأخطار، وتصل السبل إلى أضيق المنافذ، فإن الأعناق تشرئب إلى ملتجأ، والأرواح تهفو إلى ملاذ، وهذه طبيعة البشر منذ الأزل بميولهم الفطري إلى الركن الشديد، كل بحسب ثقافته ومعتقداته، بل وديانته في المقام الأول، لمن كان له دين قويم ومذهب سوي. ... وفي أتون تلك الخطوب، تبرز القيمة الحقيقية للجبهة الداخلية لكل قوم، وخصوصاً في الظروف المفاجئة، والأحوال المتقلبة! وفي هذا الجانب، الذي أرى أن أعمق وصف يمكن أن يطلق عليه هو «الحرز الوطني» والمتمثل في (وحدة الأمة، وتكاتف المجتمع، وترابط الأسرة) وهذا يكون محصلة حتمية للتناغم الطبيعي، غير المُتكلف أو المُتصنع، بل من منطلق الولاء والوفاء عن رضى وقناعة بين (القيادة والشعب). .... وهذه الصورة «الجميلة» لهذه القيمة الثمينة، توجد في كل أوطان العالم، وبين كل مخلوقات الله في ملكوته. إلا أنها تتفاوت في الدرجات والمستويات، بل وتصل أحياناً إلى تناقض الأهداف، واختلاف القناعات، وربما تُستخدم من البعض في اتجاهات معاكسة، يضرب بعضها بعضًا.. وهذا يظهر في بعض بُلدان الأعراق المختلفة والأحزاب المتناحرة والمعتقدات المتنافرة.. وربما أن من أكبر الأمثلة على تصدع (الجبهة الداخلية) في بعض الدول، هو ما نراهُ من انكشاف أمر الجواسيس والخونة لبلدانهم وجيوشهم وقت الحروب والأزمات. .... وفي وطننا الغالي وبلادنا العزيزة (المملكة العربية السعودية) نفتخر ونعتز بوضعنا المميز، الذي يتجلى في الصورة الباهرة والشكل المتفرد لتماسكنا وتعاضدنا، فعلى مدى عقودٍ من الزمن، وأنواع من المِحن مرتُ بها بلادنا، لم يحدث أن اهتزت جبهتنا الداخلية، ولم تتزحزح عن موقفها الثابت، وقوامها الصلب، وما ذلك إلا بفضل الله أولاً، ثم بفضل السواعد القوية في تأسيس هذا الوطن واللبنات الصالحة في بناء جدرانه وتثبيت أركانه.. وهذا العتاد المتين، متشكل من تراب الوطن ودماء رجاله و نسائه كابراً عن كابر. ... ولأجل هذا ستبقى هذه الجبهة الصلبة، لوطن العز والشموخ، برعاية الله وحفظه، ثم بحكمة وشجاعة ولاة الأمر، ووفاء وبطولات الشعب، ستبقى عصية على الاختراق ومنيعة ضد الانتهاك، إلى أن يرث الله الارض ومن عليها، بعز عزيز و ما ذلك على الله بعزيز.